الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من وحي الإسراء والمعراج

من وحي الإسراء والمعراج
30 يونيو 2011 20:52
الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام وشرح صدورنا للإيمان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه أجمعين ... وبعد يحتفل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها في هذه الأيام بذكرى الإسراء والمعراج، فالإسراء والمعراج معجزة إلهية، ومناسبة من أعز المناسبات إلى نفوسنا وقلوبنا، فهي ذكرى إسراء نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، في مسيرة ربانية تحفه الملائكة، حتى استقبله أنبياء الله ورسله - عليهم الصلاة والسلام - ، الذين قدمّوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - إماماً لهم، في صلاة جامعة في المسجد الأقصى المبارك تأكيداً لعهد الله وميثاقه، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِين }، (سورة آل عمران، الآية 81). لقد كان الإسراء بهذا المعنى الصحيح، حفل تكريم وتتويج لخاتم النبيين والمرسلين - صلى الله عليه وسلم -، في أقدس وأطهر المقامات، وفي مشهد رائع من الملائكة والأنبياء. ومن المعلوم أن حادثة الإسراء والمعراج جاءت بعد امتحان عصيب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن فقد نصيريه في المجتمع والبيت، وبعد الإيذاء الشديد من المشركين في مكة المكرمة مما دفعه - صلى الله عليه وسلم - للتوجه إلى الطائف، لعله يجد عند أهلها العون والسلوى، لكن الكفر ملة واحدة فقد خذله أهل الطائف، بل إنهم أغروا به سفهاءهم وصبيانهم، يسفهونه ويقذفونه بالحجارة حتى دميت قدماه، لكنه - صلى الله عليه وسلم - واصل مسيرته صامداً كالطود الأشم لن تهزه عواصف هوجاء ولا رياح عاتية، متمسكاً بحبل الله متضرعاً إليه، مُنهياً تضرعه إلى ربه بقوله - عليه الصلاة والسلام-: (إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، ... لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك)، وهكذا جاءت حادثة الإسراء والمعراج في هذه الأوقات العصيبة لتثبت قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - وتشد من أزره، وهي جائزة، ما بعدها جائزة، اختص الله سبحانه وتعالى بها محمدا - صلى الله عليه وسلم - كما كانت هذه الحادثة امتحاناً لقوة إيمان المسلمين ومدى تمسكهم بالدعوة وصاحبها، حيث ارتد كثير من ضعاف الإيمان حينما أخبرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك، لكن المؤمنين الصادقين الصدوقين ثبتوا على إيمانهم وازدادوا يقيناً على يقينهم. لقد ربط الله سبحانه وتعالى بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى في الآية الأولى التي افتتحت بها سورة الإسراء {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }، (سورة الإسراء، الآية 1)، وذلك حتى لا يفصل المسلم بين هذين المسجدين، ولا يفرط في واحد منهما، فإنه إذا فرط في أحدهما أوشك أن يفرط في الآخر، فالمسجد الأقصى ثاني مسجد وضع لعبادة الله في الأرض، كما ورد عن الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله: أي مسجد وضع في الأرض أولاً؟ قال: “المسجد الحرام، قلت ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون عاماً” (أخرجه البخاري). كما وربط الله بين المسجدين حتى لا تهون عندنا حرمة المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، وإذا كان قد بارك حوله، فما بالكم بالمباركة فيه؟!! فالمسجد الأقصى المبارك أحد المساجد الثلاثة التي لا تُشد الرحال إلا إليها، كما ورد في الحديث الشريف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: “لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إَلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هذا، وَالمَسْجِدِ الأقْصَى” (أخرجه البخاري ومسلم). ففي المسجد الأقصى المبارك صلى رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - بالأنبياء إماما، كما صلى في ساحاته أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة عامر بن الجراح، وخالد بن الوليد، وعبد الرحمن بن عوف، وغيرهم من مئات الصحابة. وفي جنبات الأقصى رفع الصحابي الجليل بلال بن رباح الأذان بصوته الندي، وفي ظل هذه البيت دفن العديد من الصحابة الكرام وعلى رأسهم عبادة بن الصامت أول قاض للإسلام في بيت المقدس، وشداد بن أوس، وغيرهما من عشرات الصحابة، وما من شبر من أرضه إلاّ وشهد ملحمة أو بطولة تحكي لنا مجداً من أمجاد المسلمين. ونحن في ذكرى الإسراء والمعراج نناشد أبناء الأمتين العربية والإسلامية وأحرار العالم ألا ينسوا مدينة القدس، هذه المدينة التي تتعرض يومياً لمذبحة إسرائيلية تستهدف الإنسان والتاريخ والحضارة، مبيناً ضرورة قيامهم بالمحافظة عليها، والعمل على صيانة مقدساتها، ودعم صمود أهلها المرابطين فيها. إن مدينة القدس مهوى أفئدة المليار ونصف المليار مسلم في جميع أنحاء العالم، وكذلك ملايين المسيحيين في شتى أنحاء المعمورة، لذلك فإن الواجب عليهم جميعاً ألا يتركوا هذه المدينة المقدسة وحيدة أمام الهجمة الشرسة التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي صباح مساء. لقد قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي قبل أيام بالاعتداء على مقبرة مأمن الله، من أجل إقامة ما يسمى بـ “متحف التسامح” على أرض المقبرة، كما قامت بفصل جديد هو ما يسمى (مطاهر الهيكل) المزعوم في منطقة القصور الأموية التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك، وكذلك استعدادها لهدم مسجد (محمد الفاتح) في حي رأس العامود، كما أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي لديها برنامج مخطط لتهويد البلدة القديمة بالقدس من خلال إقامة الحدائق التلمودية وحفر الأنفاق وآخرها في منطقة عين سلوان، حيث إن البلدة القديمة وخاصة سلوان والشيخ جراح ستشهد المزيد من الحفريات وهدم البيوت، لأن سلطات الاحتلال تخطط لجعل البلدة القديمة عاصمة ليهود العالم. ومن الجدير بالذكر أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي قامت في الآونة الأخيرة بتسريع الهجمة المنظمة على مدينة القدس بهدف تهويدها وفصلها عن محيطها الفلسطيني ومحاصرتها بالمستوطنات، حيث هدمت مئات المنازل في القدس وخاصة في الشيخ جراح وسلوان وشعفاط والعيساوية مما نتج عنه طرد آلاف السكان المقدسيين، وقامت أيضاً بسحب آلاف الهويات من المواطنين، كما وتعمل سلطات الاحتلال أيضاً على التضييق على الشخصيات الدينية والوطنية من خلال منعهم من دخول المدينة المقدسة والمسجد الأقصى، وتقييد حرياتهم وتنقلاتهم بهدف تفريغها من سكانها، كما تقوم بعملية طمس مبرمجة للمعالم العربية والإسلامية من خلال تزيف واقعها وتغيير أسماء شوارعها واستبدالها بأسماء يهودية في عملية تزوير واضحة للتاريخ، وما المخططات الإسرائيلية الأخيرة لتغيير المناهج الفلسطينية في مدينة القدس عنا ببعيد!!، كما تقوم سلطات الاحتلال الإسرائيلي بفرض الضرائب الباهظة على التجار في المدينة المقدسة وكذلك الرسوم الباهظة على رخص البناء للمقدسيين، بينما تقوم ببناء آلاف الوحدات الاستيطانية من أجل إحداث تغيير ديموغرافي في مدينة القدس لصالح اليهود، وتقليل نسبة السكان الفلسطينيين إلى أدنى مستوى بحلول عام 2020م من أجل إضفاء الطابع اليهودي على المدينة المقدسة. إن مدينة القدس تحتاج إلى وقفة جادة من الأمتين العربية والإسلامية، لوقف المخطط الإجرامي الذي تقوم به سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك للمحافظة على المدينة المقدسة ولؤلؤتها المسجد الأقصى المبارك، ولمساعدة المقدسيين على الثبات فوق أرضهم المباركة، فالقدس تستحق الكثير. الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©