الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

معالجة المياه المستعملة

30 يونيو 2011 20:54
الدكتور فاروق أحمد ? تضَع تلبية متطلبات الحياة العصرية من حيث أسلوب الحياة وجمالية المناظر الطبيعية الخضراء في المدن الصحراوية الحكومات أمام تحد فريد من نوعه، فغالبا ما تكون الموارد المائية الطبيعية في المناطق القاحلة قليلة، ومن ثم وجب تلبية الطلب على المياه غير الصالحة للشرب بواسطة نظم مبتكرة وأساليب عمليّة وفعّالة. وقد تساعد أساليب البستنة المتقدمة، باستخدام النباتات المقاومة للملوحة على سبيل المثال، في الحد من الطلب على المياه، ولكن حتى في ظل وجود هذه الأساليب، فإنه يبقى من الضروري توفير مصدر مياه صحي وقابل للاستمرار ويمكن الاعتماد عليه. ونجحت إمارة أبوظبي في توفير ذلك من خلال اعتماد نظم معالجة المياه المبتكرة وذات القدرة الإنتاجية العالية مثل تقنية تحلية مياه البحر، ولكن هذه التقنية تحتاج لكميات هائلة من الطاقة. كما اعتمدت أبوظبي على نطاق أضيق عمليات معالجة مياه الصرف الصحي التي تتطلب قدراً أقل من الطاقة، حيث يجري خلالها تحويل النفايات المنبعثة مع المياه من المناطق السكنية والتجارية والصناعية إلى مياه غير صالحة للشرب، حيث تعتبر دولة الإمارات إحدى الدول الرائدة في العالم في مجال إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة. في إطار سعيها لرفع مستوى فعالية الطاقة وتحقيق التنمية المستدامة وحماية صحة الإنسان، قامت إمارة أبوظبي في الآونة الأخيرة، بطرح أولى معاييرها المحلية الخاصة بمياه الصرف الصحي المعالجة من خلال اعتمادها لوائح إعادة معالجة المياه والمخلفات الحيوية الصلبة لعام 2010. وتهدف اللوائح الجديدة لتمكين الإمارة من مضاعفة فرص إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة بطرق مفيدة وغير مضرة بالبيئة. وتضبط القوانين الجديدة كمية الميكروبات والمواد الكيميائية وغيرها من معايير جودة المياه المسموح بها في المياه المعالَجة والمخلّفات الحيوية الصلبة، حيث تم وضع هذه القوانين استناداً إلى أفضل إجراءات منظمة الصحة العالمية وغيرها من النصوص القانونية على الصعيدين المحلي والدولي. ويتطلب تطبيق هذه اللوائح الجديدة إدراكاً أعمق لمخاطر التعرض على المدى الطويل لبقايا الملوثات في المياه المعالَجة، والتي عادة ما تستخدم في أغراض التبريد وعمليات ري المناطق الحضرية ومكافحة الحرائق. وتستند المعايير البيئية في الكثير من البلدان المتقدمة في العالم إلى عمليات التقييم الكمي لمخاطر التعرّض طويل الأمد أو المتكرر للملوثات الموجودة في البيئة، وبدون هذا التقييم الهام تظل الصلة بين الصحة العامة وجودة البيئة غير واضحة. وتنصّ اللوائح الجديدة على ضرورة قيام الجهة المزوّدة لمياه الصرف الصحي المعالَجة أو الجهة المرخص لها بالتخلص منها، وهي الشركة التي تقوم بتحويل مياه الصرف الصحي إلى مياه معالَجة، بوضع برنامج سلامة للمستخدمين، والذي يتضمن في بعض جوانبه، تقييما للمخاطر البيئية، يشمل تحديد وتقييم الآثار السلبية المحتملة على البيئة والصحة العامة الناجمة عن مياه الصرف الصحي المعالجة. وبينما تم وضع المبادئ العامة المنصوص عليها في هذه اللوائح الجديدة وفقاً لبعض التجارب في الخارج، فإنه عندما يتعلق الأمر بالآثار الفعلية المحتملة لمياه الصرف الصحي المعالجة في دولة الإمارات على عدد معين من السكان أو أفراد مهنة ما، من الضروري جمع معلومات دقيقة ذات صلة وثيقة بأنماط الاستخدام الإقليمية والعوامل المناخية وأساليب الحياة وأنماط العمل. ويأمل برنامج هندسة المياه والبيئة في معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا من خلال دراسة الآثار المحتملة لمياه الصرف الصحي المعالجة، ووضع مبادئ توجيهية شاملة ومفيدة الإجابة على أسئلة تتعلق بالتأثير الصحي لتعرّض رجل إطفاء للمياه المعالجة طوال حياته المهنية، أو تأثر الأطفال الذين يعانون من نقص المناعة عند اللعب في حديقة مزوّدة بأدوات رشّ المياه المعالجة. كما يهتم البرنامج بالإجابة عن أسئلة مثل “هل تبقي مسكّنات الألم والمضادات الحيوية الشائعة في المياه المعالجة، وهل يمكن أن تؤثر على البيئة أو صحة الناس؟ وهل يمكن استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة بطرق أخرى لتوفير الطاقة؟ وهل يمكن لمشتقات مواد التطهير أن تسبب ضرراً كبيراً عند التعرض لها لفترة طويلة، لاسيما وأنّ العديد منها من المواد المسبّبة للسرطان؟”. ويهدف مشروع البحث لصياغة خطة لتوصيف المياه المعالجة على الصعيد الإقليمي، وإجراء تقييم لدرجة سميّة المياه وفق أحدث البحوث العلمية، وصياغة إطار يضبط أغراض استخدام المياه بناء على احتمالات تعرّض الإنسان لها، ووضع توصيات لتقييم المياه المعالجة على أساس مخاطرها على صحة الإنسان. ونأمل في وضع المبادئ المفصلة التي يمكن أن تهتدي بها أية قرارات بشأن تقييم المخاطر البيئية لمياه الصرف الصحي المعالَجة بناء على طرق وأماكن استخدامها، وتهدف البيانات التي سيتم جمعها من خلال المشاريع البحثية الحيوية كتلك التي نقوم بها في معهد مصدر، لمنح حكومة أبوظبي المعلومات اللازمة لوضع المبادئ التوجيهية الدقيقة التي من شأنها أن تمكن الإمارة من الاستفادة إلى أقصى حد من الموارد المتاحة من مياه الصرف الصحي مع الحد في الوقت ذاته من تأثيراتها المحتملة على الإنسان والبيئة. ولا شك في أنّ ما تنطوي عليه إعادة استخدام المياه المستعملة المعالجة من فوائد مباشرة في دعم أهداف التنمية المستدامة في إمارة أبوظبي لا تحتاج إلى المزيد من التأكيد، حيث يشكل استهلاك المياه قسماً كبيراً من حجم البصمة البيئية لدولة الإمارات، وهي مقياس لحجم استهلاك بلد ما من الموارد الطبيعية والقدرات الحيوية. من ناحية أخرى، تساهم عمليات إنتاج المياه العذبة في زيادة مستوى انبعاث غاز الكربون في الدولة، ومن مستوى الطلب على الطاقة، ويؤدي إعادة استخدام مياه الصرف الصحي، إلى تقليص حاجة أبوظبي لإنتاج المياه المحلاة من الخليج العربي، كما أن إجراء بحوث علمية أعمق وأكثر شمولية حول المخاطر البيئية لمياه الصرف الصحي المعالجة والسبل المثلى لاستخدامها، يكشف النقاب عن المزيد من الأغراض المحتملة لاستخدامها. علاوة على ذلك، فإن أبحاثنا في هذا المجال سوف تعود بالفائدة أيضا على المدن المستدامة الأخرى في المستقبل، وتختلف معايير إعادة استخدام المياه عادة باختلاف أغراض استخدامها، من خلال أخذ كافة جوانب الدورة المائية بعين الاعتبار. ومن المرجح أن تقوم المدن المستدامة في المستقبل مثل مدينة مصدر باستخدام المياه المستعملة المعالجة كمياه طبيعية بعد إخضاعها للمزيد من عمليات المعالجة على غرار ما تقوم به سنغافورة إلى حد ما. وتستند معايير إعادة استخدام المياه للأسف في المقام الأول على احتمال وجود مسببات المرض بدلًا من احتوائها على بقايا المواد الكيميائية، وفيما يصبح مفهوم الصداقة البيئية أوضح وأكثر تطبيقا وإلزاما، فإن الحكومات والهيئات التنظيمية سوف تسعى لوضع قوانين جديدة تضبط استخدام المياه المستعملة المعالجة بالاستناد إلى أحدث البيانات والبحوث. وسوف يتعين علينا إعادة تحديد المعايير المتبعة علميا بناء على المخاطر المحتملة على صحة الإنسان والبيئة نظرا لوجود أنواع أخرى من المواد في المياه المستخلصة من مياه الصرف الصحي، ولذلك من الضروري وضع معايير جديدة في مجال الصحة العامة وحماية البيئة، من أجل الحد من نسبة التعرض للمواد الكيميائية والبيولوجية التي قد تتراكم في المياه المعالجة. وبإمكان أبوظبي أن تساهم في سد الفجوة المعرفية والتنظيمية فيما يتعلق بمعايير استخدام المياه المستعملة المعالجة من خلال دعم وتشجيع المزيد من الأبحاث في هذا المجال الحيوي، وبوصفها إحدى المدن الرائدة في مجال إعادة استخدام المياه المستعملة، تساهم أبوظبي في النهوض بمستوى المعرفة العلمية والتنظيمية لهذا المورد الحيوي. * أستاذ مساعد في هندسة المياه والبيئة بمعهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©