الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

كــلامالهروب من الطيران

كــلامالهروب من الطيران
8 فبراير 2008 00:07
ألا تشبه الطائرات الورقية العطر، أو هكذا يشعر البعض، أو أن شخصاً واحداً هو الذي شعر بذلك عندما جذبته الطائرة وطارت به عدة أمتار، فحاول التمسك بها لإنزالها، فلما بدأت رفعه أكثر عن الأرض، ترك الحبل من يده ورجع مُصاباً بصدمة ليس لها معنى، حيث كان بالفعل ومن جراء هذا الموقف يسكن زجاجة عطر سماوية· سِحر الطيران ليس له مثيل، أو هكذا كان في الأحلام، فطيراني فيها كان طيراناً بلا أجنحة، أرتفع فوق المدينة وأخرج منها إلى أراضٍ أخرى شاسعة، ولا أعود إلا مع الاستيقاظ· الأراضي الأخرى تبدأ خضراء وكأنها ريف، ومن ثم يختفي ذلك حتى تنعدم فكرة الأرض أصلاً، ومعها السماء أيضاً، بحيث أصبح طائراً بشعور من المتعة المُطلقة، وليس لهدف معين، وتأويل ذلك كثير، لكن أكثر التأويلات التي أقنعتني، أن ذلك يعني الرغبة في الاستزادة المعرفية· بدأ هذا الحلم منذ كنت طفلاً وما زال يستمر مع بعض التغيرات الطفيفة، كسرعة الطيران، الألوان ودرجات قوتها، الأصوات المصاحبة من عدمها، اختلاف طاقة الدفع للارتفاع من مصدر ذهني، إلى مصدر جسدي، وأخيراً المكان أو الحادثة التي تبرر قرار الطيران ··· وكنت في كل مرحلة عُمرية أقوم بتفسيره - الحلم - بطريقة مختلفة· في بدايات الطفولة عشته على أنه رغبة في الهروب من البيت، وفي مرة أخرى أبعد رغبة في الاتصال بأشكال تربوية أخرى، وإلى أن وصلت إلى بداية المراهقة اعتبرته عرضاً للقدرات الفائقة أمام إناث الحي، ومع بداية المراهقة الحقيقية كان اعتراضاً على ذبح الحيوانات وأكلها، واختفى الحلم ثم عاد في منتصف العشرينيات· عندها كان تأويله صعباً لأنه كان يأتي ناقصاً، متقطعاً، وملتبساً بوقائع أخرى غريبة، لكن الطيران لا يزال هو هو، ولم أستطع وإلى منتهى الثلاثينيات أن أفسره سوى بالرغبة في الاستزادة المعرفية، فلا مفر من الوصول إلى ترتيب اللخبطة الحُلمية التي كانت تحدث أثناء الطيران، مشاهد ووقائع كثيرة يغذيها العصر الحديث، الحروب، الأخبار، العالم الثالث، الهَول المصلحي للعالم الأول، الوساطات التجارية، الأمراض الحديثة، مصانع الأدوية، الصهيونية· كانت كل مرحلة تطبع نُسخاً لكتاب شِعري من تأليفها، والتفاصيل تصنع روايات بصرية لا يستوعبها شريط سينمائي، ولا لغة، إنه الحلم بالطيران، هروباً إلى الذاكرة البشرية، بل من الكونية، إلى ما لا نعلم
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©