الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

البوليسترين صناعة محلية تواجه شبح التصفية

17 يونيو 2006
تحقيق - محمود الحضري:
البوليسترين من بين أهم الصناعات الجديدة التي دخلت إلى قطاع الصناعات المحلية منذ عدة سنوات، لتصبح واحدة من أهم الصناعات التي تمثل قيمة مضافة للصناعة الوطنية، واستقطبت هذه الصناعة استثمارات جديدة، في انشاء مجموعة من المصانع تزيد استثماراتها عن 150 مليون درهم خلال السنوات العشر الأخيرة·· وعلى الرغم من المصاعب التي تواجه القطاع الصناعي والانتاج الوطني، إلا أن المصانع الوطنية العاملة في البوليسترين نجحت في تحقيق طفرة كبيرة ورسخت لنفسها مكانة في السوق وسط منافسة حادة· وساهمت صناعة البوليسترين في توفير بدائل وطنية لمنتجات مستوردة عديدة منها ألواح العزل الحراري التي تدخل في صناعة الطابوق وفي عزل المباني، وبدائل للمواد الخاصة بصناعة عبوات الخضار والفواكهة والتمور والأسماك، اضافة إلى منتجات صناعة مواد التغليف للأجهزة الكهربائية والالكترونية وغير ذلك من الصناعات الرئيسية وغير الرئيسية ولعب الانتاج الوطني لهذه الصناعة دورا في توفير العملات الأجنبية التي كانت تذهب في عمليات استيراد المنتجات البديلة· لكن دوام الحال أصبح محالا فعليا·· فمنذ أقل من ستة اشهر بدأ الحصار والتحديات يحبطان بهذه الصناعة، وتزايدت حجم المنافسة غير المتكافئة لهذه الصناعة مع مرور الوقت ومع ارتفاع أسعار الديزل التي تضاعفت خلال الأشهر التسعة الماضية، ووصل الأمر الى مرحلة شبح الافلاس وغلق أبواب خمسة مصانع رئيسية ومصانع صغيرة أخرى موزعة على إمارات الدولة المختلفة·
والخطر الأكبر أن هذه المنافسة جاءت من وجهة نظر القائمين على هذه المصانع بدعم غير مباشر من مؤسسات حكومية، فتحت الباب أمام المنافسين للانتاج الوطني، الذي يتعدى حجم انتاجه السنوي 200 مليون درهم، وأمامه فرص كبيرة للنمو·· فما هي أبعاد تلك القصة·· الاجابة نحاول التعرف إليها من خلال التحقيق التالي:
في البداية يقول راشد الريامي رئيس مجموعة الريامي: قبل سنوات قررت المجموعة الدخول في القطاع الصناعي، ونسبح في اتجاه استثماري عكس كل المستثمرين، وعلى الرغم من أن الصناعة أقل المجالات إقبالا من المستثمرين وتأتي في اخر قوائم اهتمامات أصحاب رأس المال، إلا أننا قلنا لابد أن نلعب دوراً صناعياً ايماناً منا بأن الصناعة هي بمثابة العمود الفقري للتنمية الاقتصادية، ودخلنا صناعة البوليسترين بإنشاء مصنع 'ستايرين لصناعة العزل' في أبوظبي، وفتحنا الباب أمام مستثمرين اخرين أسسوا مصانع مشابهة منها مصنعان في دبي ومثلهما في الشارقة، وعدد اخر من المصانع الأقل حجماً، وبدأت الصناعة تتطور مع مرور الوقت·
وأضاف: ساهمت الثورة العقارية التي تشهدها الدولة منذ خمس سنوات أو أكثر في احداث قفزة نوعية في صناعة البوليسترين من خلال النمو الكبير في الطلب على هذه المادة خاصة منتجات العوازل الحرارية التي أصبحت شرطاً أساسياً من شروط البناء، تنفيذاً لمواصفات البلدية لتشييد المباني، وكان الأمر الذي دفع بنا كمصنعين للبوليسترين الى زيادة الطاقات الانتاجية والاستثمار في خطوط انتاج تلبي متطلبات السوق مع الالتزام بالجودة في الانتاج كمعيار وطني في الانتاج بصفة عامة، وبهدف المنافسة مع أي منتج آخر· ونوه الريامي إلى أن المصانع الوطينة استطاعت وبمبادرات منها إيجاد بديل وطني لمادة خام ظلت الدولة لسنوات طويلة تعتمد في توفيرها على الاستيراد، وبهذا فقد وفرنا الملايين من العملات الأجنبية التي كانت تذهب في استيراد منتجات البوليسترين، كما ظهرت منتجات تحمل شعار(صنع في الامارات) لقيت إقبالاً من المستثمرين ومهندسي ومسؤولي القطاع العقاري والعمراني في الدولة، ولا شك في أن الجميع استفاد كما استفدنا نحن من هذا السوق المتنامي·
تهديد بالافلاس
وقال: على مدى السنوات الاخيرة استطاعت مصانع البوليسترين ان تمتص الزيادة في تكاليف التصنيع الناجمة عن زيادة المواد الخام والخدمات والمجالات الأخرى، بما في ذلك الارتفاعات في اسعار الديزل، باعتباره مكوناً رئيسياً في الصناعة ونقل المواد الخام والمنتجات النهائية، كما اتبعت المصانع سياسات تشغيلية ومالية للحد من التأثيرات السلبية لارتفاع عناصر التكاليف، والتي شملت ايضا السكن للعاملين، والكهرباء وأعباء جلب العمالة·
وأكد راشد الريامي أن المصانع لم تشتك خلال السنوات الأخيرة من تآكل أرباحها خاصة في الأشهر الأخيرة مع مضاعفة الأعباء بسبب ارتفاع اسعار الديزل عدة مرات، وكذلك الكهرباء ومواد الخام المستوردة، ولكن كانت الطامة الكبرى التي كسرت هذه الصناعة، ووضعتها في موقف صعب وصل إلى التهديد بالافلاس والوصول إلى مرحلة إغلاق الأبواب والتصفية، بالتزامن مع ارتفاع أسعار الديزل·
ويوضح الريامي أن الخطر الذي ظهر منذ أشهر قليلة جاء وللأسف بدعم حكومي، وان لم يكن بدون قصد أو تعمد، ويتمثل فيما يمكن تسميته بعمليات إغراق للسوق المحلي من منتجات أخرى، في صورة تنافسية غير عادلة ولا تتسم بأي نوع من الكفاءة، بعدما سمحت بلدية دبي من خلال مختبرها بتوصيف المنتجات السعودية المنافسة، بما يسمح لها بالدخول الى السوق المحلي·· ويقول يجب التأكيد هنا أننا كمصنعين لسنا ضد دخول منتجات منافسة، بل هذا وضع طبيعي في ظل سياسة السوق المفتوح والاقتصاد الحر، ولكن لابد من الفهم الصحيح للمشكلة بشكل اجمالي، فالمنافسة بين المنتج الوطني والسعودي غير متكافئة من الناحية الاقتصادية وعناصر التكاليف وبالتالي السعر·
فروق التكاليف
وأضاف الريامي: إذا نظرنا الى عناصر تكاليف الانتاج في المصانع الخمسة الرئيسية في الدولة، والموزعة على أبو ظبي بمصنع واثنين في دبي واثنين في الشارقة، سنجد أن هناك فروقاً جوهرية في التكاليف بين المنتج المحلي من البوليسترين، فسعر الديزل والذي يمثل عنصراً رئيسياً في هذه الصناعة والصناعات الأخرى، يزيد حاليا عن 9,2 دراهم للجالون وهو سعر يزيد عن أسعار الديزل في محطات توزيع الوقود، بينما سعر الديزل للمصانع السعودية لا يتجاوز 2,4 ريالات، وهذا يعني ان السعر في الامارات يصل الى أربعة اضعاف السعر في السعودية،· ويقول: هناك فرق اخر يصل الى أكثر من 33% في سعر الكهرباء بين الامارات والسعودية حيث سعر الكيلو واط للصناعة من استهلاك الكهرباء في الدولة 20 فلسا، بينما في السعودية 15 فلسا، وهناك 100% فروق في تكاليف الأجور والسكن والمعيشة تتحملها مصانع البوليسترين العاملة في الدولة، مقارنة بالتكاليف التي تتحملها المصانع السعودية التي تأتي الى أسواق الدولة وتقوم ببيع منتجاتها بفروق سعرية تقل عن 30% عن سعر التكلفة في المصانع الوطنية مستفيدة من هذه الفروق، اضافة الى الفروق في أسعار الفائدة على قروض التمويل المدعومة للمصانع السعودية·
ويضيف راشد الريامي: لا يتوقف الأمر على هذا الحد، بل يمتد الى أن شركة (سابك) السعودية، والمورد الوحيد للمواد الخام لانتاج البوليسترين في المنطقة، تدعم المصانع السعودية على حساب المصانع في الامارات، حيث تبيع المادة الخامة بسعر 4600 ريال للطن للمصانع السعودية بينما تبيع نفس المادة الى المصانع الاماراتية بواقع 5100 ريال بفارق 500 ريال بنسبة زيادة تصل الى 11%، اضافة الى أن سابك تضع الأولوية في البيع للمصانع السعودية، واذا ما تبقى من مخزون المواد الخام تقوم ببيعه للمصانع الخليجية ثم تأتي بعد ذلك باقي المصانع في المنطقة·
ويتساءل الريامي: هل في ضوء هذا الوضع والحصار الذي تعاني منه مصانع البوليسترين في الدولة، والأعباء التي تتحملها قادرة على المنافسة في ظل فروق في التكاليف لصالح المصانع السعودية المنافسة؟؟ ·· ثم هل باسم الحرية الاقتصادية والسوق المفتوح تأتي بلدية دبي وتقوم بتوصيف منتجات منافسة تدخل السوق بمنافسة غير متكافئة، وتقوم بعمليات اغراق ليصل الأمر الى غلق وتصفية صناعة وطنية؟؟ ونتساءل من المستفيد من ذلك؟!!·
صناعة وطنية
وقال: نحن كمصنعين للبوليسترين في الدولة نجحنا في اقامة صناعة ظلت للسنوات يتم استيراد منتجاتها، وكنا ننتظر من الجهات المسؤولة التشجيع فقط وليس المشاركة في حرب ضدنا، لم نطالب بدعم أو منح ومساعدات، كل مطالبنا الدعم المعنوي، والحماية من ديناصورات الإغراق، وقد وافقنا على المعايير والرسوم التي تفرضها علينا بلدية وجهات أخرى، بل الأكثر من ذلك تقوم بلدية دبي بتحصيل 1% من اجمالي حصيلة المبيعات كرسم لصالح البلدية، مقابل تسويق المنتجات في أسواق الدولة، ولم نعترض على الرغم من أن هذا يتعارض مع ما يقال إن الدولة لا يوجد فيها ضرائب!! ·
وأضاف الريامي: لم نعترض وقبلنا كل ذلك وغيره، بل إن المصانع تتحمل تكاليف شحن وإرسال وفحص العينات التي يقوم مختبر بلدية دبي بإرسالها إلى الخارج للفحص في معامل خارج الدولة ومنها بريطانيا، ولم نعترض على ذلك أيضاً، بل إننا نطالب بتطبيق غرامات على للمصانع التي تخالف المعايير والمواصفات التي حددتها البلدية، وأن تشاركنا الحكومة في بحث الأزمة التي نواجهها، ومنع تداول المنتجات في السوق إذا ما كانت غير مطابقة للمواصفات·
وقال: نتساءل·· أليست هذه حلولا معقولة؟! يمكن أن تستمع اليها الجهات المسؤولة التي لجأنا اليها نستصرخها من أجل الحماية، والحماية فقط، كما أننا نتساءل هل يتم التعامل مع المنتجات السعودية بنفس الطريقة التي يتم التعامل بها معنا من جانب مختبر بلدية دبي والتي لا نعترض عليها، من حيث تحصيل نسبة الـ 1% على المبيعات، والتفتيش الدوري والمفاجئ على المصانع وفحص عينات الإنتاج داخل وخارج الدولة؟!
مقترحات للحل
والسؤال الاخر الذي نطرحه على المسؤولين 'هل يتم التعامل بالمثل في توصيف المنتج الاماراتي عند دخوله السعودية؟·· وهل يتم السماح للمنتجات المحلية الاماراتية بدخول السوق السعودي بنفس آلية السهولة التي تتم مع المنتج السعودي عند دخوله للدولة؟!'·· مجرد أسئلة نطرحها ونعلم اجاباتها جيدا فهناك العديد من المحاولات الفاشلة لدخول منتجات اماراتية لأسواق السعودية، فاما عادت من على الحدود أو تم تركها حتى تتلف، أو تم وضع العراقيل أمامها حتى لا تدخل تنافس المنتج السعودي المماثل·
وأوضح الريامي بأنه يجب التأكيد أننا لسنا ضد أي تعاون خليجي بل إننا كرجال أعمال ومستثمرين أول من يدعم التعاون الخليجي والعربي، ولسنا نستهدف احتكار السوق، وليس من صالحنا أن ننفرد بالسوق ونرفع الاسعار، نظرا لأن مثل ذلك يضر بنا، وكل ما نريده منافسة عادلة ومعاملة بالمثل تراعي تكاليف الانتاج والاعباء التي نتحملها كمنتجين محليين·
ويطرح راشد الريامي بعض المقترحات التي يرى أنها عملية ومناسبة، ومنها قصر الترخيص لتوصيف المنتجات الخارجية المنافسة في حالة نقص الانتاج المحلي وعدم قدرة المصانع الوطنية على تغطية احتياجات السوق، وهذه آلية حماية تتبعها دول عديدة في العالم، وفي الدول الاوروبية، وبعض دول الجوار، موضحا أن التوصيف يعطي أولوية للانتاج الوطني في السوق المحلي، ونريد ترسيخ مثل هذه السياسة، اضافة الى أن منح التوصيف لمنتجات أخرى يتم اذا ما كانت مواصفات الانتاج المحلي أقل في الجودة وفي المعايير الفنية من المنتج·
ويوضح الريامي بأنه إذا ما استمرت هذه الأزمات فليس أمامنا سوى التصفية وإغلاق ابواب مصانعنا وتسريح العمالة فيها وانهاء حالة صناعة وطنية تطورت بمبادرات من رجال اعمال ومستثمرين، بل سنفكر جديا ومليون مرة في اقتحام المجالات والاستثمارات الصناعية، وفي ظل مثل هذه المعوقات، خاصة مع اتساع السماح لمنافسين جدد يدخلون السوق بتوصيف منتجاتها بقرارات من مؤسسات وبلديات الدولة، مشيرا الى أن مختبر بلدية دبي بدأ بتوصيف مصنع سعودي وهناك مصنع اخر في الطريق، وسمعنا عن توصيف لمنتجات أخرى في قطاع مواد البناء، وهذا يعني أن الكوارث قادمة تحت عباءة حكومية·، وعلى الرغم من ذلك لم نفقد الأمل بل نأمل أن يتحرك أحد ويبحث الحقيقة على أرض الواقع وليس من المكاتب·
تجارب مريرة
ويقول سعيد الصغير رئيس المصنع الوطني لعبوات البوليسترين في دبي: دخلنا القطاع الصناعي واستثمرنا في صناعة البوليسترين ومع الطفرة العمراني التي تشهدها البلاد زاد الطلب على انتاجنا، خاصة مع الزام البلدية اصحاب المباني باستخدام ألواح العزل الحراري في المباني، وقامت المصانع الوطنية بزيادة طاقاتها الانتاجية، من خلال الاستثمار في انشاء خطوط انتاج جديدة لتلبي الطلب في السوق المحلي، ونجحنا في زيادة الطاقة الى ما يقارب 12 ألف طن من بوليسترين العوزل الحرارية والمنتجات الأخرى، ولدينا طاقات انتاجية أكبر من هذا تستطيع تلبية النمو في الطلب·
واضاف: ان الانتاج المحلي للمصانع الوطنية غطى احتياجات السوق على مدى السنوات الماضية، ولكننا فوجئنا من دون سابق انذار بدخول منتجات منافسة من دول عديدة، ولم يقلقنا ذلك على الاطلاق لأن انتاجنا يتمتع بمواصفات وجود عالية، وسعر تنافسي، إلا أن المشكلة جاءت مع السماح بتوصيف منتجات منافسة على الرغم من فروق التكلفة في الانتاج وتقديم الدول التي يتم فيها انتاج هذه المنتجات دعماً للمصانع المماثلة لنا، وجاءت الضربة الأولى من السعودية، وزادت الكميات التي تدخل للسوق، وبأسعار اقل من اسعار تكلفة الانتاج لدينا، وهو ما يمثل في المفهوم التجاري الدولي (اغراق)·
واشار الصغير الى أن هناك مشكلة أخرى تتمثل في أن تكاليف النقل للمنتج من السعودية الى الامارات توازي تكلفة نقل منتجاتنا بين امارات الدولة، وهو ما يمثل ميزة تنافسية غير عادلة بين المنتج الوطني والمنتج المنافس الوارد من السعودية، مشيراً إلى أن المشكلة الرئيسة والتي يعلمها جميع المسؤولين أن السعودية ترفض معاملتنا بالمثل في تقديم تسهيلات بالسماح بدخول منتجات أخرى الى المملكة، ولنا تجارب مريرة في ذلك·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©