الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

استفتاء الجنوب... رؤية أخرى

27 سبتمبر 2010 23:42
عبدالله عبيد حسن فجأة تبدو الخرطوم الرسمية وقد استيقظت من نوم عميق لتكتشف -فجأة أيضاً- أن وحدة الوطن مهددة بخطر داهم اسمه استفتاء مواطني الجنوب حول تقرير مصيرهم بالاستمرار كجزء من بلد المليون ميل مربع أو الانفصال عما يسمونه شمال السودان.. أقول فجأة لأن هذا ما قد يظنه من تابع النشاط الإعلامي والدعائي خلال شهر رمضان الذي ملأ الأثير في الداخل والخارج والبرامج الدعائية والمنظمات أنشئت على عجل تحت مسميات مختلفة من المنظمة الشعبية للوحدة والهيئة الداعية للوحدة الجاذبة وغيرهما من منظمات فتحت لها شاشات القنوات الخاصة والحكومية، واستخدمت الأغاني والمسرحيات التي تحض "الإخوة الأعزاء" الجنوبيين ألا يستجيبوا لمؤامرات الإمبريالية العالمية، "بتدمير الوطن الواحد" والأحاديث عن الروابط الأخوية التي تربط الجنوبيين بالشماليين والزيجات المختلطة وما ينتج عنها من "ملايين" من السودانيين الذين تجري في عروقهم الدماء الجنوبية والشمالية، وكيف أن هؤلاء لا يمكن أن يتخلوا عن "السودان الواحد" والعيش الكريم والأخوة التي عرفوها من "إخوانهم" الشماليين في الحي السكني والمدرسة والسوق. والحال أن هذه الحملة الدعائية التي تشبه "الصحوة" برسائلها الموجهة واستطلاعاتها "التي كان 80 في المئة من متحدثيها شماليين" هي إحدى الظواهر التي تؤكد في نظري أن أطرافاً مؤثرة في الخرطوم لم تفهم بعد أن المشكلة أو قل الأزمة -الكارثة التي يخشى أن يواجهها السودان في يناير القادم هي أصلاً من صنع يديها ومن نتائج سياساتها ومناوراتها (الذكية) التي أفقدت السودان في النهاية فرصة تاريخية لاستعادة الثقة بين الجنوب والشمال، وإقامة ميزان العدل، وأولى درجاتها الاعتراف الصادق والصريح بأخطاء الماضي، والدعوة المصحوبة بالعمل الجاد والمخلص لتنفيذ تعهدات نيفاشا نحو الجنوب والمناطق المتأثرة بالحرب الأهلية، وتحقيق التنمية العادلة، ورفع يدها عن حريات الناس وإعلان الديمقراطية. ولأن الأزمة والكارثة المقبلة هي من صنع يديها فإن تلك الأطراف ينبغي أن تعلم (وهي تعلم فعلاً) أن كل المحاولات والمناورات التي تقوم بها، وتدفع إليها بعض "هوامش" الحركة السياسية الحزبية التي اشترت تأييدها بثمن بخس، لن تجدي فتيلاً، وإذا كانت فعلاً جادة في الحفاظ على وحدة الوطن المهددة فالأمر في يدها، وليس في أيدي المتشددين ممن يتصورون أنهم سيفرضون الوحدة على الجنوب بالقوة أو بـ"الفهلوة" وشراء ضعاف النفوس من سياسيي الجنوب. لقد أضاعوا على السودان فرصة ذهبية بألاعيبهم وإخلافهم بالعهود وتجاهل -بل محاربة- دعوة المعارضة الديمقراطية وشركائهم في الحكم طوال الفترة الانتقالية، ويعرفون أن كل هذا الكلام المكرر والدعوات الماكرة لتوحيد الصف من أجل ألا يأتي الاستفتاء في يناير بقرار قاطع من الجنوبيين بالانفصال وإقامة دولتهم المنفصلة هو مسؤوليتهم التاريخية كحزب وحركة سياسية. إن الطريق للسلطة -وبالتالي للسودان الشعبي بما فيه الحركة الشعبية- أن تتنازل الأطراف الحاكمة عن بعض طموحاتها، وأن تجلس مع الناس -كل الناس المعارضين والموالين- في مؤتمر دستوري قومي وتقرر قبولها بمطلب غالبية السودانيين -وليس الجنوبيون وحدهم- بمبدأ قيام دولة السودان الاتحادية الديمقراطية المؤسسة على مبدأ المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، وحينذاك سيجد التيار الوحدوي الجنوبي والكردفاني ما يقدمه لأهله ويطمئنهم على أن كل القوى السياسية والاجتماعية والطائفية والقبلية قد توافقت على قيام الدولة المدنية الاتحادية بشهادة وحضور المجتمع الدولي، وإنه لم يعد بعد ذلك من سبيل "لنقض العهود". إن الانفصال وتقسيم السودان سيقود إلى كوارث ليس للجنوب وحده ولا الشمال وحده بل على منطقة الشرق الإفريقي كلها التي تعيش أتعس لحظات التاريخ من حروب أهلية ومجاعات، والتي لولا بعض الحياء والمسؤولية الإنسانية لرفع المجتمع الدولي (الأمم المتحدة ومجلس الأمن) يديه عنها ولسحب قواته (قوات حفظ السلام) الموجودة هنالك بعشرات الآلاف. وأخيراً، إن تلك الكارثة التي يبشرنا بها بعض رواد القنوات الفضائية والصحف ما زال من الممكن تجنبها بالحكمة والعقل وقليل من الثقة المتبادلة بين قادة القوى السياسية الفاعلة. ومن الممكن احتواء تداعياتها حتى لو وقع الانفصال، لا سمح الله.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©