الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الخلاف في العنوان والغلاف!

6 ديسمبر 2016 22:07
لو شاء الله عز وجل لجعل الناس أمة واحدة. لو شاء سبحانه وتعالى لجعل البشر نسخة واحدة. لكنه سبحانه لم يشأ ذلك، بل شاء لنا الاختلاف، وشاء دفع الناس بعضهم ببعض، وشاء أن يكون فريق في الجنّة وفريق في السعير. ولو اتفقت الأذواق لبارت السلع في الأسواق. وقد قال الله عز وجل لنبيه، صلى الله عليه وسلم: «لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألَّفت بين قلوبهم ولكن الله ألَّف بينهم»، فائتلاف القلوب واختلافها، وائتلاف الأرواح واختلافها شأن رباني لا دخل لأحد فيه، ولو كان النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم. الاتفاق التام موت والاختلاف حياة، الاتفاق التام سكون والاختلاف حركة. ومحاولات الماسونية وفروعها في دول العالم صب الناس جميعاً في قالب واحد تحت عناوين مثل حكومة العالم أو الخلافة أو العولمة أو النظام العالمي الجديد هي سباحة فاشلة ضد تيار ُسنّة الله في خلقه. فلكلٍّ وجهةٌ هو مولِّيها. والناس لا يزالون مختلفين، ولذلك خلقهم الله. فالله خلقنا لنختلف لأن اختلافنا وتدافعنا هو سبب إعمار الأرض وإصلاحها. واتفاقنا يعني فساد الأرض، والسؤال ليس: نختلف أم نتفق؟، ولكن السؤال الذي فشل العرب تحديداً في إجابته هو: كيف نختلف؟ لأن العرب يتحركون في الحياة بشعار فاشل هو: «الكل أو لا شيء»، والنتيجة دوماً هي اللا شيء، والاختلاف عند العرب خصومة أو عداء بمعنى أن الذي يختلف معي هو خصمي أو عدوي. وأن صديقي هو فقط الذي يتفق معي، لذلك لم يكن العرب أبداً بين خيارين هما الاتفاق أو الاختلاف، ولكنهم كانوا بين خيارين آخرين هما الاتفاق أو الخصومة والعداء والحرب والدم والدمار. لم يكن شعار العرب أبداً: أنا وأنت معاً، ولكن كان شعارهم دوماً: «أنا أو أنت». لذلك كانت ثورات العرب وهبَّاتهم وربيعهم المزيف ربيع إسقاط لا ربيع إصلاح. ربيع دمار لا ربيع إعمار. إسقاط النظام لأحل محله أنا. وليس بقاء النظام مع محاولة إصلاحه. وفكر العرب القاصر أو حتى الغرضي والمرضي هو أن كل المشاكل سوف تذهب بذهاب أو إسقاط النظام. وبمجرد رحيل النظام سيرحل الفقر والبطالة والفساد، وستصبح المدينة فاضلة، ويهبّ عليها نسيم العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والصلاح والإصلاح، وتلك كانت أوهام «الإخوان» الذين قادوا «الخريف العربي».. وتلك كانت المخدرات التي وزعوها على شعوب الخريف مجاناً فتعاطتها الشعوب وسكرت بها وصدقت الأوهام التي تحولت بعد قليل إلى كوابيس ما زالت تطبق على رقاب شعوب الخريف. وسقطت أو أُسقطت أنظمة في دول الخريف العربي وركب «الإخوان» المشهد والسلطة. لكن لم تسقط المشاكل بسقوط الأنظمة. فقد بقي الفقر وزاد، وبقيت البطالة وتضاعفت، وبقي الفساد وتغوَّل، وعندما اقترب الوهم «الإخواني» من هاويته كنت أسأل أحد قادتهم: ماذا بقي لكم لتقولوه بعد أن سقط النظام، وأصبح تَلُّ المشاكل جبلاً عملاقاً؟ فكان يرد في كل مرة: نحن محتاجون إلى خمسين عاماً لنعلّم الناس الفضائل والأخلاق، وكنت أضحك وأقول: خمسون عاماً أخرى في السلطة أليس كذلك؟ هذا هدفكم ولا شيء غيره، ليس العيب إذن في النظام. الآن بعد أن اعتليتم السلطة ترون أن العيب في الشعب الذي ليست لديه فضائل ولا أخلاق، وتريدون فرصة خمسين عاماً لتعلِّموه الأخلاق والفضائل. كان الخريف العربي «بروفة» ماسونية من بطولة «الإخوان» فرع الماسون في العالم الإسلامي والعربي. «بروفة» لوهم حكم العالم والخلافة وإسقاط الدول والهويات الوطنية وإلغاء الحدود والسباحة ضد سُنة الله في خلقه.. سُنة الاختلاف التي خلقنا الله لها، لذلك تداعت الأمم على دول «الخريف العربي» تداعي الأكلة على قصعتها من أجل تأييد «الإخوان» والتبشير بعهدهم. والتقى الأضداد في نقطة واحدة هي تأييد الفرع الماسوني أو المحفل الماسوني في العالم العربي، وقاد أوباما وهيلاري وملالي إيران وإسرائيل هذا التداعي وهذه المظاهرة الدولية لتأييد مكتب الإرشاد أو المحفل «الإخواني» الماسوني في العالم العربي. وكان سؤالي لنفسي والآخرين دائماً: لماذا التقى الأضداد؟ والجواب أنهم أضداد في الظاهر، والعلن ولكنهم إخوان ماسونيون في الخفاء. وأن التضاد ليس سوى توزيع أدوار يلائم اختلاف الثقافات، إنه فقط اختلاف وسائل، لكن الغاية واحدة وهي انقضاض المحفل الماسوني بفروعه المختلفة على حكم العالم. وهو ما لن يتحقق أبداً لأننا لن نجد لسنة الله تبديلاً، ولن نجد لسنة الله تحويلًا. وهناك ثلاث فزاعات استخدمها الماسون بفروعه المختلفة من أجل التدخل في شؤون الدول وتمزيقها تمهيداً للانقضاض عليها وتحقيق مبدأ أستاذية العالم، وهذه الفزاعات الثلاث هي: الديمقراطية، وحقوق الإنسان، ومحاربة الإرهاب. وهذه الفزاعات روَّجت لها أذرع الماسون الأخطبوطية وعلى رأسها الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان مثل «العفو الدولية»، و«هيومان رايتس ووتش» والمؤسسات الإعلامية الغربية الكبرى التي ظهر انتماؤها إلى الفكر الماسوني خلال انتخابات الرئاسة الأميركية. كما تبنتها جمعيات حقوقية، وما يسمى منظمات المجتمع المدني داخل الدول التي تتعرض للابتزاز والضغوط والتدخل في شؤونها.. وبالتالي نجح الماسون بشكل كبير ومفزع في تذويب الهويات الوطنية وفي تبييض وجوه العملاء والخونة والجواسيس بوصفهم نشطاء حقوقيين يدافعون عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في دولهم.. كما نجح الفكر الماسوني الذي مثله الإخوان في عالمنا العربي في إسقاط مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، بل إن الاستقواء بالأجنبي واستدعاءه للتدخل في الشؤون الداخلية للدول المستهدفة أصبح عملاً علنياً مشروعاً تحت شعارات حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان. وهذا ما فعله «الإخوان» عندما بدأ العد التنازلي لانهيار حكمهم في بعض دول الخريف العربي، وهو ما يفعله «الحوثيون» في اليمن اليوم عندما يستدعون إيران ويعملون لحسابها ويدمرون اليمن تحت ذرائع حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكل هذا العمل الخياني الواضح يتم تحت سمع وبصر الأمم المتحدة، بل وبمباركتها ومحاولة مبعوثها المستميتة شرعنة الانقلاب، وهذا ما يؤكد أن كل خطوط الماسون تتقاطع في نقطة واحدة وتلتقي على هدف واحد مهما بدا التضاد المزيف بين إيران وإدارة أوباما وهيلاري و«الإخوان» و«الحوثيين» و«حزب الله» اللبناني وطوائف العراق و«داعش» و«القاعدة»، وهكذا فإن الفكر الماسوني أو النهج الماسوني يبدو ككتاب ضخم غلافه وعنوانه الخلاف لكن محتواه ومضمونه الائتلاف. *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©