السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الاستحسان» أداة معتمدة للأحكام عند غياب النصوص

«الاستحسان» أداة معتمدة للأحكام عند غياب النصوص
16 يوليو 2014 00:42
أحمد شعبان (القاهرة) الاستحسان أداة لاستنباط الأحكام الشرعية عند غياب النصوص وعجز ما يسبقها من أدوات وقد توسع فيه الأحناف وغيرهم وعدوه مصدراً من مصادر التشريع بعد القرآن الكريم والسنة النبوية والقياس والإجماع وكلمة الاستحسان جاءت من الحسن، وبذلك فإن الفقيه الذي يرى في الاستحسان مصدراً يعول على حسن وقبح المسألة فيحكم بحرمتها أو كراهتها والاستحسان هو ترجيح قياس خفي على قياس جلي بناء على دليل أو استثناء مسألة جزئية من أصل كلي أو قاعدة عامة بناء على دليل خاص يقتضي ذلك. ويقول الدكتور حلمي عبد الرؤوف - أستاذ أصول الفقه بجامعة الأزهر: استدل العلماء بعدة آيات من القرآن الكريم تدل على حجية الاستحسان منها قوله تعالى: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) «سورة الزمر: الآية 55»، في هذه الآية الكريمة أمر باتباع الأحسن والأمر هنا للوجوب أي مما أمر الله به من الأعمال الباطنة كمحبة اللّه وخشيته وخوفه ورجائه والنصح لعباده ومحبة الخير لهم وترك ما يضاد ذلك ومن الأعمال الظاهرة كالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والصدقة، وأنواع الإحسان، ونحو ذلك مما أمر اللّه به وهو أحسن ما أنزل إلينا من ربنا عز وجل وقوله تعالى في معرض المدح والثناء على عباده الصالحين: (فَبَشِّرْ عِبَادِي* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)، «سورة الزمر: الآيتان 17-18»، ذكرت هذه الآية في مقام المدح والثناء على المتبعين لأحسن الأقوال ولا يكون المدح إلا على شيء مأمور به وقوله تعالى مخاطباً موسى عليه السلام: (... وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ...)، «سورة الأعراف: الآية 145»، دلت هذه الآية الكريمة على أن قوم موسى عليه السلام كانوا مأمورين باتباع الأحسن مع وجود ما هو حسن وجمهور العلماء يؤكدون أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ما ينسخه. حجية وجاءت السنة النبوية وأكدت حجية الاستحسان في الشريعة الإسلامية بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم: «ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن» دل الحديث الشريف على أن ما يراه المسلمون بعقولهم حسناً، فهو عند الله تعالى كذلك وهذا يدل على حجية الاستحسان واستدل العلماء على حجية الاستحسان بالإجماع، حيث أجمعت الأمة على جواز بيع السلم مع أن المعقود عليه معدوم عند العقد، وكذلك الحكم بصحة الصوم وبقائه مع الأكل والشرب ناسياً وغير ذلك من الأحكام الفقهية التي أجمع المسلمون على جوازها أخذا من مبدأ الاستحسان. والاستحسان مسلك من مسالك الرأي والاجتهاد ونوع من أنواع الاستدلال على ثبوت الأحكام الشرعية وبهذا المفهوم كان موجوداً ومطبقاً في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وعصر الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين ويمثل الاستحسان جانباً من جوانب التيسير والتخفيف في الشريعة الإسلامية التي تهدف إلى التيسير على الناس ودفع المشقة عنهم قال الله تعالى: (... وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ...)، «سورة الحج: الآية 78»، وقال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)، «سورة البقرة: الآية 185»، وفي حديث جابر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بعثت بالحنيفية السمحة ومن خالف سنتي فليس مني»، وكان من سنته - صلى الله عليه وسلم: «أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً». المرونة والاستحسان يحقق جانباً كبيراً من جوانب المرونة والسعة في الشريعة الإسلامية وبخاصة الاستحسان المبني على الضرورة والعرف، فإن أعراف الناس تختلف من بلد إلى بلد ومن زمن إلى زمن آخر وفي مسايرة الشريعة لأعراف الناس التي لا تخالف أصلاً من أصول التشريع الإسلامي أو تجلب مفسدة من المفاسد ما يجعل هذه الشريعة صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان وتتسع لكل ما يجد للناس من مصالح وما يطرأ على حياتهم من تغييرات وملابسات ومحققة لمصالح الناس في الدنيا والآخرة. ومثل بعض علماء أصول الفقه للاستحسان ببعض المسائل الفقهية مثل: الأصل أن المرأة كلها عورة، لكن أبيح للطبيب النظر إلى ما تدعو الضرورة إلى النظر إليه منها وذلك استحساناً لأجل الضرورة فيكون أرفق بالناس، وكذلك نهى الشارع عن بيع المعدوم والتعاقد على المعدوم ورخص استحساناً في السلم والإجارة والمزارعة والمساقاة والاستصناع، وهي كلها عقود والمعقود عليه فيها معدوم وقت التعاقد. ونص فقهاء الحنفية على أن سؤر سباع الطير أي المتبقي من الماء الذي كانت تشرب منه كالنسر والغراب والصقر والبازي والحدأة والعقاب طاهر استحساناً نجس قياساً ووجه القياس هنا أن سؤر الحيوان محرم لحمه مثل سؤر سباع البهائم كالفهد، والنمر، والسبع، والذئب، وحكم سؤر الحيوان تابع لحكم لحمه فالحيوان الذي يؤكل لحمه يكون الماء الذي يتبقى من شربه طاهراً والحيوان غير المأكول يكون الماء الذي يشرب منه نجسا ووجه الاستحسان: أن سباع الطير وإن كان محرما لحمها إلا أن لعابها المتولد من لحمها لا يختلط بسؤرها لأنها تشرب بمنقارها وهو عظم طاهر وأما سباع البهائم فتشرب بلسانها المختلط بلعابها فلهذا ينجس سؤرها. ونصوا على أن المحجور عليه للسفه لا تصح تبرعاته واستثني استحساناً وقفه على نفسه مدة حياته ووجه الاستحسان أن وقفه على نفسه فيه تأمين عقاراته من الضياع وهذا يتفق والغرض من الحجر عليه ووجه الاستحسان حاجة الناس وتعارفهم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©