الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قوم تبع هلكوا بالكفر والبغي

16 يوليو 2014 00:43
كانت أرض اليمن من الأراضي العامرة الغنية، مهد الحضارة والتمدن، يحكمها ملوك يسمون «تبابعة»، كان «تبع» لقباً عاماً لملوك اليمن، مثل كسرى لسلاطين إيران، وفرعون لملوك مصر، وقيصر لسلاطين الروم، وورد في بعض الروايات أن اسمه «أسعد أبا كرب»، ذكروا أنه ملك على قومه ثلاثمئة وستاً وعشرين سنة، ولم يكن في حمير أطول مدة منه، وتوفي قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو سبعمئة عام. ذكر المفسرون أنه كان مشركاً ثم أسلم، وكان يعبد الله على شريعة موسى عليه السلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا تبعا فإنه قد كان أسلم». وردت قصته في قوله تعالى: (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ)، «سورة الدخان: الآية 37»، وقوله: (وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ)، «سورة ق: الآية 14»، فيتحدث القرآن الكريم عن أحد ملوك اليمن خاصة، وتعبير «قوم تبع» دليل على ذلك، حيث إنه لم يذم في الآيتين، بل ذم قومه، وقيل إن تبعاً قدم المدينة من أحد أسفاره، ونزل بفنائها، وبعث إلى أحبار اليهود الذين كانوا يسكنوها فقال إني مخرب هذا البلد حتى لا تقوم به يهودية، ويرجع الأمر إلى دين العرب، فقال له يهودي، أيها الملك إن هذا البلد يكون إليه مهاجر نبي من بني إسماعيل، مولده بمكة واسمه أحمد، ثم ذكروا له بعض شمائله، فقال تبع ما إلى هذا البلد من سبيل، وما يكون خراباً على يدي، وجاء في ذيل تلك القصة أنه قال لمن كان معه من الأوس والخزرج، أقيموا بهذا البلد، فان خرج النبي الموعود فآزروه وانصروه، وأوصوا بذلك أولادكم حتى أنه كتب رسالة أودعهم إياها ذكر فيها إيمانه بالرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم. سوء النية ويروي بعض أصحاب السير، أن تبعاً كان أحد الملوك الذين فتحوا العالم، سار بجيشه إلى الهند واستولى على بلدان تلك المنطقة، وقاد جيشاً إلى مكة وكان يريد هدم الكعبة، فأصابه مرض عضال عجز الأطباء عن علاجه، وكان من بين حاشيته جمع من العلماء، كان رئيسهم حكيما، فقال له إن مرضك بسبب سوء نيتك في شأن الكعبة، وستشفى إذا صرفت ذهنك عن هذه الفكرة واستغفرت، فرجع عما أراد ونذر أن يحترم الكعبة، فلما تحسنت حاله كسا الكعبة ببرد يماني. ويشكل قوم تبع مجتمعاً قوياً في عدته وعدده، ولهم حكومتهم الواسعة والمترامية الأطراف، أسلم قومه على يديه، ولما مات عادوا إلى عبادة الأصنام والنيران، قال الطاهر بن عاشور في «التحرير والتنوير»، بعد أن ضرب الله لقريش المثل بمهلك قوم فرعون زادهم مثلاً آخر هو أقرب إلى اعتبارهم به، وهو مهلك قوم أقرب إلى بلادهم، قوم تبع فإن العرب يتسامعون بعظمة ملكهم، وكثير من العرب شاهدوا آثار قوتهم وعظمتهم في مراحل أسفارهم، وأنهم ليسوا خيرا من قوم تبع ومن قبلهم من الأمم الذين استأصلهم الله لأجل إجرامهم فلما ماثلوهم في الإجرام فلا مزية لهم تدفع عنهم استئصال الذي أهلك الله به أمما قبلهم. أخذ عزيز وجاء في التفاسير، أكفار قريش الذين هم عرب من عدنان خير في القوة والمنعة، أم قوم تبع الحميري الذين هم عرب من قحطان، الذين كانوا أقوى جندا وأكثر عددا، لهم دولة وحضارة عريقة ومجد، وكذلك الأمم الذين سبقوهم كعاد وثمود ونحوهم، أهلكناهم جميعا لكفرهم وإجرامهم. وتعليق الإهلاك بقوم تبع دونه يقتضي أن تبعا نجا، وأن الإهلاك سلط على قومه، قالت عائشة رضي الله عنها، ألا ترى أن الله ذم قومه ولم يذمه، وقال بعض العلماء انه كان على دين إبراهيم عليه السلام وإنه اهتدى إلى ذلك بصحبة حبرين من أحبار اليهود لقيهما بيثرب حين غزاها، ولعل الله أهلك قومه بعد موته أو في مغيبه، أهلكهم لإنهم كانوا مجرمين، أبادهم عن بكرة أبيهم بسبب شركهم، وخرب بلادهم وشردهم في البلاد وفرقهم. ويقال: إن قوم تبع كانوا كهانا، ومعهم قوم من أهل الكتاب، فأمر الفريقين أن يقرب كل فريق منهم قرباناً ففعلوا، فتقبل قربان أهل الكتاب فأسلموا، قال كعب ذم الله قومه ولم يذمه، وضرب بهم لقريش مثلاً لقربهم من دارهم وعظمهم في نفوسهم، فأهلكهم الله تعالى ومن قبلهم لأنهم كانوا مجرمين، وكلمة مجرم لا تقال إلا لمن بالغ في المعصية وارتكاب الآثام مبالغة عظيمة، ويأتي بالجرم الفاحش. روايات متناقضة أمم كانت لها حضارات، لم تمكنهم من أن يحتفظوا بها، وأن يمنعوها من الزوال بحيث تنتهي كأن لم تكن، فالحق سبحانه وتعالى كان يأخذ الأمم المكذبة أخذ عزيز مقتدر، والقسم الأعظم في تأريخ ملوك التبابعة في اليمن لا يخلو من الغموض من الناحية التاريخية، وحيث لا نعلم كثيراً عن عددهم، ومدة حكومتهم، وربما توجد روايات متناقضة، وأكثر ما ورد في الكتب الإسلامية من التفسير أو التاريخ أو الحديث يتعلق بذلك الملك الذي أشار إليه القرآن الكريم ليكون في قصته وقصة قومه العبرة لمن يعتبر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©