الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بيوغرافيا الأفلاج

بيوغرافيا الأفلاج
8 ديسمبر 2016 13:37
لولوة المنصوري تعود الأسطورة وفق حيلها المتجددة بارزة جليّة تومئ عبر الروايات الشفهية إلى غاية حفظ المكان وتخليد سيرة مبتكرات البشر، ولعل الأفلاج قد حظيت بالمهابة القصصية والطاقة الرمزية عند ربطها بحادثة خارقة مكللة بعبور النبي سليمان على أرض عمان وحفر العفاريت للأقنية، وإن كان لهذا الربط المقدّس منتهى، فهو لغاية بث الأمل واستدامة القوة المائية على مدى الدهر والأزمنة القادمة التي ستسمو بطموحها للحيلولة دون نفاد سيولة الماء. روايات وأساطير تقول الرواية الأسطورية: «بينما كان النبي سليمان بن داوود في رحلته اليومية على بساط الريح إلى بيت المقدس وفي طريقه إلى عُمان رأى قلعة سلوت وأمر الجن أن تستكشف القلعة، وبعد عودتهم أخبروه بأنها مهجورة، فدخل إليها وظل فيها عشرة أيام وكان يأمر الجن المسخرة له أن تبني ألف قناة «فلج» في كل يوم من أيام إقامته، ومن يومها أصبح في عمان عشرة آلاف قناة. هكذا شقّت الأسطورة دعائم الأفلاج، ورفعت أعمدة البداية والتكوين، حفرت الأرض بسواعد لا مرئية وخارقة، فصار للفلج رباط مصيري مع التقديس والإذعان والخشوع والرعاية الإنسانية وفق جريان العاطفة وسمو الروح التواقة لجمال مشهد الشريان النابض في مسعى الأرض». وبين عاميّ (1928- 1930) قرر الرحالة البريطاني (برترام توماس) المغامرة، فاخترق على ظهر جمله (خوارة) تلك السلسلة الجبلية العظيمة والوعرة في شبه جزيرة عمان، وخلال جولاته أدهشته هندسة الأفلاج وشريان الأقنية المرتفعة بين الجبال والمدرجات الخضراء، فانبرى يسأل دليله: (حسناً سالم، من بنى أفلاج الماء القديمة تلك؟ قال الدليل سالم دون تردد: الباني؟ لِمَ؟.. إنه سليمان بن داوود. - ولكن بالتأكيد لم يعش الملك سليمان في هذه الأجزاء، انظر إلى العمل المتضمّن فيها، إنه عمل القرون العديدة). قال سالم وكأنه يأسف لإنكار توماس: الله يسلمك النبي سليمان جاء إلى هنا على بساط ولد على جناح الريح. - إذن ما هو نمط الرجال الذين عملوا في تلك المجاري المائية، هل هم عرب أم فرس أم من؟ أجاب سالم: ليحفظك الله، ليسوا رجالاً مثلك ومثلي أبداً، ولكنهم جان، أشهد على أنهم أيضاً من خلق الله. - وهل يوجد جان اليوم؟ سالم، هل رأيتهم في حياتك؟ قال سالم: طبعاً هم موجودون يا صاحبي، ولكن لا يملك كل الرجال عيوناً تراهم، يعيشون في الأرض وفي الهواء، وليس لأحد غير المطوّع سلطة عليهم، ولكن النبي سليمان كان سيدهم. (1) وفي رواية ثانية حول أسطرة الفلج: أن النبي سليمان بن داوود عليه السلام كان يطير ببساط الريح، ومر على فلاح يحرث أرضه بثور ضخم. وما إن رأى الثور سيدنا سليمان عليه السلام حتى توقف عن الحرث، فسأله الفلاح مندهشاً: أيها الثور لماذا امتنعت عن الحرث؟ إنه لا يستحق منك كل هذا التبجيل، فهو إنسان بخيل، وسمع سيدنا سليمان عليه السلام كلام هذا الفلاح، فنزل ليسأله: لماذا تصفني بالبخيل؟ فقال له الفلاح: لأنك تركت جنودك يشربون معنا ومياهنا بسيطة دون أن تنصحهم بالبحث عن مكان جديد للمياه، فقال له سيدنا سليمان عليه السلام: ولكني لا أعرف أين توجد منابع المياه الجديدة، فقال الفلاح لسيدنا سليمان عليه السلام: طائر الهدهد يستطيع أن يسمع الماء ويدلك على مكانه، وسمع سيدنا سليمان عليه السلام كلامه، واستعان بالهدهد وبالعفاريت من جنوده الذين أخذوا يبنون تلك الأفلاج ذات الأحجار الكبيرة في منطقة صحراوية تبعد الجبال عنها عدة كيلومترات. سرد الفلج سرعان ما يستأنف الواقع مباغتاته لنسيج السرد المتخيّل والموروث باعتزاز الشعوب، فتنمو مع الأيام جدائل القدر، ليكتشف المرء حقيقة الماء في الأفلاج مع أول غياب للرعاية المطرية وتوقف الكرم الإلهي واضمحلال أثر معجزة سليمان، وتخاذل الحرص الإنساني في حفظ نعمة الماء. الإنسان منذ أزله الأول ينتهج التشكيل المكاني والاختراع والتكيّف في ظل ظروف لا تقبل إلا أوان الاكتشاف والتجدد، شكّل ثقافته الخاصة في ظل تضاريس وأنسجة مناخية قاسية مزعزعة للشرط الوجودي البشري المتأصل في الفكرة الخلاقة للماء. فبعد التبدلات الجذرية الأخيرة التي سبقت انحسار موجة الجليد الرابعة عن الرقعة العربية، وانسحاب الموجة الباردة إلى الشمال، نحو مواقع جديدة محفزة للأمطار والاخضرار، يتبع ذلك الانسحاب تلاشي مواقع هبوب الرياح الغربية العكسية الممطرة، راح الجفاف يداهم معظم السهوب الجنوبية الغربية الخضراء، فبدأت قصة النحول والتحول، قصة الصحارى وأشباه الصحارى والتكوين الأول لليباب الموحش والقفار، سماوات عقيمة عجزت عن مدّ سكانها المتكاثرين بحاجتهم من الصحة والغذاء والأمل، وافتقِد الماء، أوشك على الاندثار، لولا أنه السر الأول من أسرار البشرية المحفوفة بالحفظ الإلهي والصون المقدّس. بدأ الإنسان الأول يتعرف على قفر المكان وأبجدية الوحشة والاندثار وتحولات الطبيعة، يتحسس لهيب الشمس الذي راح يستمر شهوراً وكأنه كتلة جبروت ثابتة الثقل، يحملها الآدمي على أثقال رأسه لساعات طويلة في النهار، ثم راح يتعرف على العطش الأول ويتحسس احتياجه إلى الغيث، إن حياته تعتمد على خيط الماء في الأفق الشحيح، وجوده مرهون بوجود قطرة، ومن الاحتياج توهجت عبقرية الفكرة، أول مشوار للاختراع، حتى اهتدى إلى أعقد الأنظمة المائية في مؤسسة الفلج ذات الأقنية والأنفاق الخفية، حيث منظومة متكاملة من الأساليب والطرق والأدوات التي ابتكرها بعد اكتشافه للنار والزراعة وتدجين الحيوانات، فاندفع لإيصال أولى القطرات وتدبير هذه الثروة إلى مستوطنته بشتى الطرق المبتكرة والأساليب المتطورة والمزيد من الجهد المخلص والانغماس في العمل المرتب، ثم بالبحث الحثيث عن وسائل مستجدة في الريّ والارتواء، تمكنهم من الظفر المتواصل بالماء، وانتهاءً بالهجرة إلى أماكن أخرى كحل جذري، وفق رحلة أرضية تتجسد فيها أمواه الأفلاج من جديد، هروباً من عطش الأزمان، ومن قبضة الانقراض الشرس الذي يطال أزلياً كل ما على الأرض من حركة وحياة وكلمة ونمو. قديمة قدم الإنسان ليست الأفلاج مبتكرات حديثة وافدة مع الغزاة في غضون الألف الأخير قبل الميلاد كما يقول البعض، بل قديمة قدم الإنسان العاقل الأول، الذي كان الإنسان العربي الأول وريثه الطبيعي في المنطقة، وأن هذا الإنسان (العربي الأول) كان من أوائل من اكتشف تدجين الحيوان والزراعة مثلما اكتشف معها علاقتها الوثيقة بالماء والجفاف فاستثمر ما اكتشفه خلال حياته البدائية الأولى للتلاؤم مع البيئة التي أقام بها، والتي كانت مطيرة غنية بالمنابع والأنهار والبحيرات والمساقط والأشجار، فلما تبدلت ظروفها الطبيعية (الجيولوجية والتضاريسية والمناخية) وبعد انحسار موجة الجليد الرابعة وتعرض الإنسان العربي ومنطقته لفتراتٍ طويلة نسبياً من الجفاف والتصحر وقلت موارده المائية، والمؤكد أن وجود المناخ الفصلي للأمطار قد تسبب في وجود فصل للجفاف يهدد الزرع والسكان بالعطش، فيضطر الإنسان إلى اختراع البحث المائي بشتى السبل. الباحث د. أمان الدين حتحات يؤكد أن الفلج ليس نظاماً حديثاً مستجداً، ارتبط بالغزو الفارسي أو الروماني، بل أقدم من تاريخ قدوم الغزاة، أياً كانت أسماؤهم، بأكثر من ألفي سنة على الأقل. والسبب على حد قوله: هو أن عملية ابتكار الفلج مرتبطة بالبيئة المحلية وخصائصها، وليس بإدارة الأقوام الطارئة. فالآثار المكتشفة في نصف القرن الأخير أشارت إلى أن المكان المرجح هو المنطقة العربية الواسعة على القارتين الآسيوية والأفريقية من بقاعها، وأن العرب هم الأقدم في المنطقة وأكثر من قاسى القفر في أزمة الجفاف. أفلاج السومريين يشير بعض المؤرخين إلى سوابق سومرية ومصرية وفارسية لهذه القنوات. أما عن الأصل السومري؛ ففي عام 2000م أجرت كل من الباحثة هند القصيبي وأسماء أبا حسين بحثهما عن قنوات الري في البحرين، وتوصلتا حول منشأ نظام الأفلاج والذي يعود مبتدؤه إلى العراق القديم، إذ تبين بعض المصادر أن نينوى وهي من أقدم المواقع في العراق كانت تحصل على الماء بوساطة نظام القنوات. وأما الاهتمام بقنوات الري والصرف في العراق فإن الباحث البحريني حسين محمد حسين يرجح مصدر الاهتمام الفلجي الأول إلى ما قبل السومريين، أي إلى نحو 3000 سنة قبل الميلاد، إذ مارس سكان ما بين النهرين الزراعة المروية من القنوات التي كانت تنظف من الطمي سنوياً، واعتبروها شريان الحياة في الأراضي الزراعية. وفي عام (1760 ق. م.) نصت قوانين حمورابي على اعتبار أن الماء وأقنية الري أساس دعم الدولة، تجب صيانتها وتنظيفها سنوياً، ويعتبر الاعتداء عليها جرماً يعاقب عليه القانون. وقال بختنصر ملك بابل يفتخر بما حققه من منجزات في هذا المجال: «.... حفرت القنوات، وبطنتها بالطوب المحروق والقار». وفي عام (722 - 705 ق. م.) ذكر الملك الآشوري سارجون الثاني على أحد الألواح أنه تعلم نظام الري بالقنوات تحت الأرضية من الفرس، وذلك خلال حملته حول بحيرة يورومية في شمال أرمينية، وقد بنى سناشريب ابن الملك سارجون قصره في نينوى قرابة 700 ق. م. وزوده بالماء بوساطة نظام القنوات. أفلاج الفرس - الأخمينيون في بحثها عن تاريخ قنوات الري في شبه الإمارات المتحدة وشبه جزيرة عمان وما حولها تعتمد الباحثة الآثارية (ريمي بوشارلا ليون) على الأدلة الأركيولوجية وطرق تحديد العمر المختلفة حيث رجحت أن هذه القنوات ودهاليز صرف المياه المقامة تحت الأرض لم تظهر في الإمارات المتحدة وعمان الحديثة إلا في الألفية الأولى أو أواخر الألفية الثانية (قبل الميلاد )، وكان أول من سبقها إلى هذا الافتراض هو (جاي. سي ويلكينسون) حين نسب الأفلاج إلى العصر الأخميني أو قبل ذلك بعدة قرون. ولا تزال سلطنة عمان ودولة الإمارات والبحرين وبعض الأرضي الخصبة في شبه الجزيرة العربية تستخدم نظام القنوات حتى وقتنا الحاضر تحت مسمى الأفلاج أو (الفقب) أي الثقب، وهو مسمى عرف في البحرين، وذلك إشارة للحفر أو الثقوب المتجاورة التي تظهر على سطح الأرض كالمداخن من تلك القنوات التحت أرضية. وتتفق العديد من المصادر التاريخية على أن هذه الأفلاج قد نشأت خلال العصر الأخميني، وأن فترات الحكم الساساني في عمان شهدت زيادة واتساعاً في إقامة شبكات قنوات الري. ونقل جواد علي في كتابه (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) النتيجة التي ساقها (جيمس بلجريف)، والتي ترجح كون قنوات الري المعروفة في البحرين تعود إلى فترة النفوذ الساساني، أو ربما في تاريخ أقدم، نتيجة احتكاك أهالي البحرين بحضارات (ماجان) عمان، أو حضارات بلاد الرافدين التي وجد فيها هذا النظام منذ القدم. وعودة إلى بحث د. حسين محمد حسين فإن الفرس قد صمموا تقنية الري تحت الأرضية في وقت ما بين القرن العاشر والثامن قبل الميلاد.. وأثناء السيطرة الأخمينية (559 - 330 ق. م.) بنى الفرس قنوات خلال معظم مملكتهم. أفلاج المصريين تشير بعض المصادر التاريخية إلى أن المصريين شقوا القنوات المائية قبل أكثر من 5000 عام، وذلك لنقل الماء إلى الأراضي المرتفعة في موسم الفيضان. وقد استخدمت القنوات في مصر بعد أن احتلها داريوس الأول عام 518 ق. م. إذ يشير المؤرخ اليوناني بوليبوس إلى وجود قنوات تحت أرضية في القرن الثاني قبل الميلاد. غير أن الأدلة التاريخية والأركيولوجية ترجح أنه خلال الفترة (الأخمينية) تم إدخال نظام القنوات في حضارة ما بين النهرين، وسوريا والأردن وفلسطين ومصر. فالفرس الأخمينيون استخدموا نظام القنوات ليوفروا المياه لواحة خارقة المصرية قرابة 525 ق. م. وقد عثر على قطع فخار فارسية قديمة في قنوات في وادي القرافة في فلسطين، مما يرجح أنها بنيت أثناء الحكم الفارسي لهذه الأراضي (537 - 332 ق. م.). كما سيطرت الإمبراطورية الأخمينية على بابل وما بين النهرين بعد 537 ق. م. وفي قرابة هذا الوقت أيضاً تم ضم سورية كإقليم تابع للامبراطورية الأخمينية. وقد شجع الملوك الأخمينيون على بناء نظام القنوات وكانوا يمنحون من يبنيها أرباحاً لهم ولأبنائهم ونزولاً حتى الجيل الخامس من أبناء باني القنوات. وقد أعطى التخطيط السليم والدقيق لنظام الأخمينيين الفرصة لقيام آلاف المزارع والقرى في كل فارس والأراضي التابعة لها في الإمبراطورية الأخمينية. أفلاج الرومان اقتبس اليونانيون تقنية الشرق الأوسط في بناء نظام القنوات وطبقوها في المناطق التي استقروا فيها، وقاموا بتطوير قنوات وتقنيات الري وتوسعة الرقعة الزراعية، واستناداً إلى الأدلة الأركيولوجية فإن العديد من قطع الفخار والسيراميك تشير إلى أن معظم هذه القنوات بنيت في العهد الروماني واستخدمت في العهد البيزنطي. وتوجد أدلة أركيولوجية (نقوش وبناء) ومصادر تاريخية توضح أن الرومانيين قاموا ببناء قنوات في سورية والأردن وأماكن أخرى في إمبراطوريتهم. بعض تلك القنوات استمر استعمالها خلال الفترة الإسلامية المبكرة، وخلال فترة الحكم الأموي (661م - 750م) سيطر الأمويون على التجارة والزراعة فأضاف الأمويون إطاراً خارجياً للقنوات وحفروا البرك في بعض القنوات في سورية. وبعض القنوات في سورية بنيت من قبل الأمويين، وأحدث تلك القنوات بنيت أيام يزيد بن معاوية، وسميت بقناة يزيد. أما شمال أفريقيا وإسبانيا فقد دخل نظام القنوات إليهما عقب الفتوحات الإسلامية لهذه المناطق* وللأستاذ محمود منسي في مجلة العربي الكويتية في عام 1997 مقالة جاء فيها: (تحت حارات فاس ترقد قنوات للمياه مثل الشرايين لتصل إلى كل مسجد ومدرسة وبيت). فلك مائي هندسي ليست الأفلاج مجرد ماء يجري في باطن الأرض من النبع متغلغلاً في المزارع، وإنما هو فن جمالي هندسي رائع يدل على الذوق الرفيع لسكانها، وأرقى ما وصل إليه الإنجاز الإنساني الفريد من نوعه في هذا المضمار في المنطقة، وهو يدل على الجهد البشري الكبير المبذول في غياب آلات الحفر والاستكشاف الحديثة. يتفجّر ماء الفلج من نبع في الجبل أو التلال، وقد يصل إلى أبعد المناطق التي يراد الانتفاع بها إلى عشرين ميلاً، وأحياناً تجري هذه القنوات إلى مسافة أكثر من أربعين قدماً تحت الأرض. يقول المؤرخ العماني بدر العميري: «إن الفلج هو الماء الجاري عبر قناة مشقوقة في الأرض ومصدره الأساسي المياه الجوفية الباقية من مياه الأمطار التي تمكث في طبقات الأرض، وهذه المياه المترسبة في باطن الأرض يكون مصدرها المرتفعات الجبلية التي تعتبر بمثابة خزانات ينفق مخزونها بطريقة منظمة من خلال قنوات تنساب للانتفاع بها، فقاموا ببناء هندسي كلفهم الجهد والوقت والمال ونجحوا في عملهم الذي يوحي بأنهم كانوا مهرة في هندستها التي خلّدت لهم تاريخاً مجيداً». وبين عتمة جفاف الماضي وصباح يقين الحاضر يصدح صوت بشرى الماء في المكان المناسب من قبل الباصر أو المسمى بالبشير (أي الخبير في معرفة مواقع وجود المياه في باطن الأرض عن طريق الحدس والإحساس، ويبشر بوجوده)، حيث يتم حفر البئر الأم الذي يصل عمقه إلى ما يزيد على 20 متراً ثم يبدأ الحفر في أربعة أو خمسة آبار، ولعل أهم العقبات التي قد تصادفهم وجود الصخور الصلبة، والتي لابد من اختراقها، والتكوينات اللينة، وعن طريق هذه الفتحات يخرج العمال مواد الحفر التي يصادفها الحفارون أثناء عملهم في الأفلاج، وتستخدم هذه الفتحات أيضاً كنوافذ لدخول الهواء بين الفتحة الأولى والثانية نحو (20) متراً تقريباً إلى مدى انحدار الأرض، ونوع المواد، ثم توصل هذه الآبار بعضها ببعض عن طريق نفق من تحت الأرض ويعرف بالسل وهم يحملون المصابيح والفوانيس والحبال، للتأكد من عدم انسداد هذه القنوات وعندما يصل إلى مقصده سواء إلى المزارع أو غيرها يبدأ بعمل السواقي أي العواميد التي تسقي النخيل، وتعمل عادة من الإسمنت والطابوق، وقد يقوم العمال بتجميع عدة أفلاج بالفلج الرئيس، وتسمى هذه الأفلاج بالسواعد. مراجع: - Archaelogy Of The Falaj &ndash Walid Yasin Al Tikriti &ndash Abu Dhabi Culture and Heritage - مخاطر وجولات في جزيرة العرب، من العراق إلى عمان/ برترام توماس ص: 220 - الأفلاج تاريخياً. مبحث د. أمان الدين حتحات/ جامعة الإمارات العربية المتحدة/ يناير 2004. - بحوث المؤتمر الدولي الأول لآثار الإمارات العربية المتحدة. تحرير دانيال بوتس وحسن النابودة وبيتر هيلير. - لغز الماء في الأندلس/ شريف عبد الرحمن جاه/ ترجمة د. زينب بنياية. - مصادر المياه وأهميتها في الإمارات. د. محمد عبد الحميد داود. - حصاد ندوة الدراسات العمانية/ وزارة التراث القومي والثقافة. - الأفلاج العمانية ومجاري المياه/ د. فرانسيسكو ساردا. شقوق الأرض الأفلاج مفردها (فلج) وهي كلمة عربية الأصل سامية، ذكرت لأول مرة في النصوص المكتوبة التي تعود إلى الفترة الأكادية (القرن الثالث قبل الميلاد) ليتم استخدامها مع المعنى حتى فترة بابل، النصف الأول من الألف الأول قبل الميلاد. من الناحية اللغوية تعني: شق الأرض، أو التباعد ما بين الأسنان. والجدول المائي القصير، والقناة التي تروي المياه. وفي كتاب جمهرة اللغة يعرف الشاعر العماني ابن دريد الفلج بقوله: «هو النهر الصغير، وكل شيء شققته نصفين فقد فلجته». يعرفه لسان العرب لابن منظور، والحكم لابن سيدة الأندلسي: «الفلج هو النهر.. وقيل هو النهر الصغير، وقيل هواء الماء الجاري من العين، والجمع أفلاج، ويشتق منه الفلج بضمتين وهو الساقية». وللفلج أسماء كثيرة، ففي إيران يسمى القناة وفي العراق يسمى (الكهريز)، وفي البحرين يسمى (الفقب). بينما في الإمارات وعمان يسمى الفلج. قال أبو عبيدة: سألت الأصمعي عنها وأهل العلم من أهل الحجاز، فقالوا: هي آبار متناسقة تحفر ويباعد ما بينها ثم يخرق ما بين كل بئرين بقناة تؤدي إلى الماء من الأولى إلى التي تليها تحت الأرض، فتجمع مياهها جارية ثم تخرج عند منتهاها فتصبح على وجه الأرض. أقدم من الغزاة الباحث د. أمان الدين حتحات يؤكد أن الفلج ليس نظاماً حديثاً مستجداً، ارتبط بالغزو الفارسي أو الروماني، بل أقدم من تاريخ قدوم الغزاة، أياً كانت أسماؤهم، بأكثر من ألفي سنة على الأقل. والسبب على حد قوله: هو أن عملية ابتكار الفلج مرتبطة بالبيئة المحلية وخصائصها، وليس بإدارة الأقوام الطارئة. أفلاج العراق يرجح الباحث البحريني حسين محمد حسين أن مصدر الاهتمام الفلجي الأول في بلاد ما بين النهرين يعود إلى ما قبل السومريين، أي إلى حوالي 3000 سنة قبل الميلاد، إذ مارس سكان ما بين النهرين الزراعة المروية من القنوات التي كانت تنظف من الطمي سنوياً، واعتبروها شريان الحياة في الأراضي الزراعية.  
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©