الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

إيطاليا ·· الصدام المؤكد والحل الديموقراطي

18 يونيو 2006 12:19
روما ـ منار محمد: بخروج رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلوسكوني من الحكم بعد أن احتفظ به أطول مدة بالنسبة للحياة السياسية الإيطالية، متخطياً المدة التي كان قد بقيها بتوني كراكسي في رئاسة الوزراء قبل ثمانية عشر عاماً، دخلت إيطاليا عهداً جديداً، فقد دفع نجاح بيرلوسكوني خصومه إلى توحيد جهودهم من أجل الإطاحة به، مشكلين ائتلافاً أقرب إلى ما يشبه الحزب الواحد لكن بأجنحة مختلفة، في الوقت الذي توحدت فيه جهود أنصار بيرلوسكوني في ائتلاف مضاد، ورغم أن المواجهة بين الجانبين قد أسفرت عن فوز تحالف رئيس الوزراء الحالي رومانو برودي بفارق طفيف إلا أن ائتلاف بيرلوسكوني ما زال يرفض التسليم بالهزيمة طارحاً على الساحة الفكرية العديد من التساؤلات حول مدى مثالية النمط الديمقراطي بشكله الحالي، مؤكداً على عدم مشروعية أن يفرض نصف السكان أو ما يزيد قليلاً اختياراتهم ورؤيتهم على النصف الآخر· لكن أنصار برودي يؤكدون أن هذا التساؤل سيفضي إلى التشكيك في مفهوم الديمقراطية القائمة على تطبيق اختيار الأغلبية في حد ذاته، بقطع النظر عن حدود هذه الأغلبية، حيث لا فرق من حيث المبدأ ما بين واحد وخمسين بالمائة وثمانين بالمائة، ففي الحالتين توجد أعداد كبيرة من المواطنين عليها أن ترضخ لاختيارات الأغلبية التي تتعارض مع اختياراتها· موقف حرج المشكلة ازدادت تعقيداً مع اقتراب موعد التصويت في البرلمان على عدد من القضايا محل الخلاف بين الجانبين، على رأسها الانسحاب من العراق، وحقوق المثليين، وقانون الإخصاب، وتنظيم استقبال الهجرة، وهو ما يهدد بشلل الحياة السياسية الإيطالية إذا لم يتفاهم الجانبان حول تلك القضايا، وإزاء حساسية الموقف يزداد تشدد الجانبين، ويظهر الانقسام إلى فريقين أكثر وضوحاً من التعدد الفكري والسياسي الذي ظلت تزخر به إيطاليا لأكثر من نصف قرن، فهل ينتهي هذا الجدل إلى تغير أساسي في المعادلات السياسية الإيطالية، وربما قوانين الانتخاب بها؟ أم سينتهي إلى الفوضى والصدام إلى أن يحسم أحد الفريقين المعركة لصالحه بفارق كاف؟ وإلى أن يتم حسم هذا الوضع كيف سيكون موقف إيطاليا مما يجري في العراق؟ وكيف ستؤثر هذه الأحداث على موقف الاتحاد الأوروبي خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والجهد النووي الإيراني؟ يقول أومبرتو جاننيني من اتحاد الخضر: الموقف حرج، فمن جانب يلزم إجازة البرلمان لأية خطوة نحو تغيير الوضع الحالي بالنسبة لقضايا من نوع الانسحاب من العراق، أو حقوق المثليين، أو قانون الإخصاب، أو استقبال العمالة الأجنبية، ومن ناحية أخرى الائتلاف الحاكم تكوّن بالأساس عن طريق الاتفاق على السعي نحو فرض تلك التغييرات لكنه لا يملك الأغلبية الكافية لإجازتها بدون انضمام عدد من الأصوات من معسكر اليمين إلى جانبه، فيما يذكر بانتخاب رئيس الجمهورية الحالي، والذي تمت إعادته أربع مرات، في حين اضطر اليسار إلى سحب ترشيح داليما المرشح الأصلي حتى يتسنى له الحصول على تأييد الأصوات اليمينية المطلوبة لمرشحه، لكن القضية الآن أكثر تعقيداً، فمن الممكن العثور على رجل يتفق عليه اليسار وجزء من اليمين كرئيس للجمهورية·ويضيف أومبرتو جاننيني قائلا: لكن من غير الممكن العثور على حل وسط يتفق عليه الطرفان فيما يتعلق بالانسحاب من العراق، فإما الانسحاب وإما البقاء، وهنا تتصادم المفاهيم والمواقف المبدئية لكل من الجانبين، بيرلوسكوني من جانبه هدد بعرقلة أي من تلك المشاريع في البرلمان، الأمر الذي يعني الاعتراف بشلل البرلمان وعجز الحكومة عن تمرير القوانين فيه، مما سيضطر الرئيس إلى التدخل والمطالبة بالاحتكام إلى الانتخابات العامة من أجل الخروج من ذلك المأزق، وهو ما يريده اليمين أملاً في الحصول على فرصة جديدة للعودة إلى السلطة، لكن هذا لن يعني انفراد اليمين بها في ظل تقارب قوة الجانبين، أي أن الموقف سيبقى كما هو، جانبان متقاربان في القوة متناقضان في رؤيتيهما، ولا بد من الحكم بقانون ما، فهل سيفضي ذلك إلى التفاهم حول حكومة وحدة وطنية تضم الجميع؟ أم سنعود لمرحلة الفوضى، والتغيير السريع للحكومات؟ أعتقد أن الغموض يكتنف نتائج تلك الخطوات، خاصة من ناحية أثرها على الوضع الاقتصادي· أما الكاتب أليساندرو أليساندريللي فيرى أن النظام السابق لنظام تصويت الأغلبية لم يكن أفضل، إذ أنه كان قد أفضى بالبلاد إلى سلسلة من التغييرات السريعة في القيادة السياسية مما أربك خطط التنمية، وأعاق التقدم الاقتصادي، وأضعف إيطاليا على الساحة الدولية، فقد كانت الخارطة السياسية الإيطالية مكونة دائماً من تحالفات هشة تشكلها قوى سياسية ضعيفة سرعان ما تختلف فيما بينها لتنهار تلك التحالفات ويذهب الجميع إلى انتخابات مبكرة، ودام ذلك الوضع إلى أن تم تغيير النظام الانتخابي منذ عشر سنوات وتم اعتماد نظام تصويت الأغلبية، وبالتالي فالجميع يدركون خطورة ذلك الوضع، ولا يريدون العودة إليه، لكنهم أيضاً عاجزون عن الخروج من المأزق الحالي· الجنود ·· وغطاء الحكومة المستشرق الإيطالي أنجلو سيزانا ينظر إلى القضية في إطارها الفلسفي، ويقول إن ما حدث في الانتخابات الأميركية الأخيرة، والتي أفضت إلى وصول بوش إلى السلطة بفارق محدود من الأصوات، ثم الانتخابات الإيطالية الأخيرة فرضت التأمل في مفهوم الديمقراطية، وطبيعة النظام الانتخابي القائم على حكم الأغلبية العددية، وبقطع النظر عن أهداف بيرلوسكوني من طرح هذه الجدلية على الساحة الفكرية والسياسية فإن المعضلة موجودة، وهذا النظام أصبح محل نقد وتأمل من أجل الوصول إلى ما هو أكثر منطقية وعدالة، لكنني أعتقد أن ذلك سيحتاج إلى وقت طويل، والوضع السياسي لن ينتظر، وسيبقى الجنود الإيطاليون في العراق حتى ينجح اليسار في تمرير قرار الانسحاب لكن الجنود هناك يعرفون أنهم بلا دعم سياسي من الحكومة، وهذا وضع شاذ، وهناك ملف البطالة، والنّموّ الاقتصاديّ الخامل، والدّخول المنخفضة، والفارق التّقنيّ الكبير بين الشمال والجنوب، وهناك وضع إيطاليا داخل المنظومة الأوروبية، وما يحدث في إيطاليا يؤثر على موقف الاتحاد الأوروبي من قضايا عديدة، منها قضايا الطاقة، والانبعاث الحراري، والسلم العالمي، وما يجري في العراق، وفلسطين والمساعي النووية الإيرانية، وأعتقد أن استمرار ضعف التأثير الأوروبي في تلك الملفات سيهدد استمرار الاتحاد الأوروبي ذاته كفكرة، ومنظومة، لأن الوحدة الاقتصادية تحتاج إلى قيادة سياسية تحقق لها الحماية، وتدعمها في المحيط الدولي، والاتحاد الأوروبي ليس في حاجة لمزيد من الشلل في أجزائه المهمة، ومنها إيطاليا·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©