عرفت أن البحر بمدى عرضه واتساعه·· وجمال صورته·· وعذوبة صوته هو أول ما يخطر على بال كل إنسان يعاني من الهموم والأحزان ما لا يعانيها غيره، فتجده ينجذب لا شعورياً لأي رقعة أرض تحمل في ثناياها تلك المياه الغامضة الجذابة، لتجعله عاشقاً لها·· وأسيراً بين يديها، فتراه واقفاً أمامها، مخاطباً إياها، مفرغاً لكل ما في جعبته من أكوام الهموم، لتبدأ نسمات الهواء المحملة برذاذ البحر بتأثيرها السحري عليه، فتجبره على ذرف تلك الدموع الملتهبة لتحولها إلى قطرات متلألئة من البرد والثلج، محاولة التخفيف عنه وعن مآسيه، ليهدأ قليلاً·· وينسى ما حدث، فترجع به ذاكرته إلى أجمل ما خلقه الله·· وهو (منظر البحر الخلاب)، ولا أعتقد أنني أول من يؤيد هذه الحقيقة الجميلة عن تأثير البحر علينا عند الشعور بالحزن، لكن ما أعتقده في الواقع، أن البحر ليس فقط مصباً للهموم والأحزان، بل انني أرى فيه خير من يفهمك دون أن تنطق شفاك، ويسمعك دون أن تمل أذناه، في كل لحظات الفرح والأحزان، وكل ما حملته لك الأيام، دون تخصيص بعينه، نعم أقولها بكل صدق إن أول ما أتمناه في كل لحظة سعادة وفرح - بعد شكري لربي - أن أتوجه مسرعة لأقابل هذا البحر، بل هذا الصديق·· وهذا الوفي الذي يحمل عني ما لا يحمله عني مخلوق سواه، لأطل عليه بابتسامة كتمتها في قلبي خوفاً من أن يفرط بها كل من أهواه·
هو خير صديق وثقت به·· وما زلت أثق به·· ورغم سماعي بشائعة أقوالهم إن (البحر غدار)، إلا أنني على يقين بأنه أهون غدراً من البشر·
إيناس الحبشي
أبوظبي