الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بيجابور «المدينة المنتصرة» درة السلطنات الإسلامية في الهند

بيجابور «المدينة المنتصرة» درة السلطنات الإسلامية في الهند
16 يوليو 2014 22:28
د. أحمد الصاوي (القاهرة) تُعد بيجابور بولاية كراناتاكا الهندية، التي تبعد بحوالي 384 كم عن حيدر أباد، أهم المدن التاريخية بهذه الولاية، وأقدمها على الإطلاق وتعتبر درة السلطنات الإسلامية بالهند، ويعود تأسيسها للقرن العاشر الميلادي عندما أسسها الحكام المحليون الهنود باسم فيابورا، وهو اسم يعني في الهندية القديمة مدينة النصر أو المنتصرة. وقعت المدينة في قبضة سلاطين دلهي من الأسرة الخلجية الأفغانية الأصل في نهاية القرن السابع الهجري «13م»، وفي عام 1347 م وقع الدكن وفي القلب منه المدينة في قبضة أسرة علاء الدين بهمن التي اتخذت من كولبركا قاعدة لها، وفي عهد الدولة البهمنية تم تغيير اسم فيابورا إلى بيجابور، وهو اسم يعني في السنسكريتية الرمان. وخضعت بيجابور لسيطرة سلاطين أسرة العادل شاه ومؤسس هذه الدولة هو يوسف عادل خان، وكان مملوكا شركسياً في عام 806 هـ «1490 م»، وظلت أسرته تحكم حتى عام 1686 م. مزار سياحي وسيطرت دولة سلاطين عادل شاه في عام 1518م على أربع ولايات شكلت سلطنة الدكن الإسلامية، ووجه سلاطينها عناية خاصة بعمارة هذه المدينة التي استحقت شهرتها كمزار سياحي في جمهورية الهند بفضل المنشآت التي أقامها سلاطين هذه الدولة طوال مدة سيطرتهم على بيجابور من 1490 إلى 1686م، لتبقى بيجابور إمارة مستقلة، إلى أن قام الإمبراطور المغولي أورانكزيب بالاستيلاء عليها، وضمها إلى سلطنة المغول في عام 1680م. وشيد المعماري ياقوت قبة لها أربعة أبراج مثمنة بواقع برج في كل ركن من أركان البناء لتبدو كمآذن متوجة بقباب بصلية، ويتألف كل برج من سبعة طوابق، يصعد إلى قمتها بواسطة درج يفضي في النهاية للمر المفتوح الذي يدور حول خوذة القبة. والأثر التاريخي الأبعد شهرة في بيجابور والذي يستقطب اهتمام زوار المدينة هو روضة إبراهيم أي مدفن إبراهيم عادل شاه خامس سلاطين تلك الأسرة، وقد حكم البلاد فيما بين عامي 1580 و1627م. والذي كان صاحب الفضل في إقرار المذهب السني الحنفي كمذهب رسمي للدولة، وحاول عبر الموسيقى توحيد رعايا دولته من أتباع الديانات المختلفة، فدعا لإحياء الموسيقى الهندية القديمة، واستقدم الموسيقيين لمملكته من كل أرجاء الهند. الروضة وشيد إبراهيم عادل شاه تحفته المعمارية المحاطة بحدائق غناء تقليداً لتاج محل، وينظر إليها السكان المحليون باعتبارها تاج محل الدكن. وشيدت هذه الروضة حسب نص تأسيسي مكتوب باللغة الفارسية في عام 1626م فوق هضبة صخرية تشرف على إحدى ضواحي بيجابور، وتحيط بها شرفة محمولة على عقود مع سور خارجي، ويقع المدخل لتلك المجموعة في وسط الضلع الشمالي، وهو عبارة عن بوابة ضخمة ذات برجين مثمنين، ينتهي كل منهما بقبة بصلية صغيرة. تتألف روضة إبراهيم من مبنيين متماثلين في التصميم فقط، تفصل بينهما فوارة ماء، تتوسط حديقة كبيرة، وتحتل قبة مدفن إبراهيم عادل شاه المبنى الأصغر من الروضة، وهي عبارة عن مساحة مربعة لها أربع مآذن في الأركان، وتتوجها قبة بصلية، وروعي عند تشييد خوذتها أن تحاط من أسفلها مباشرة بأشكال أوراق اللوتس في إشارة رمزية للروضة. عبقرية المعمار ياقوت تتجلى عبقرية المعمار ياقوت ليس فقط في الإيحاء بهيئة الوردة في القبة توكيدا لتسمية المدفن بالروضة في الهند الإسلامية، ولكن أيضاً في الممر الداخلي الذي يدور حول خوذة القبة والذي يعرف بممر الهمسات ذلك لأن أقل همسة تصدر من أحد الزوار تسمع في الطرف الآخر من القبة مكررة سبع مرات، ويظهر هذا الحساب الدقيق لنظام صدى الصوت داخل الفراغ العبقرية الإنشائية والبصرية والجمالية لمهندس البناء. وكانت هذه القبة تشكل مركزاً لمجموعة من المباني ذات الصلة منها المسجد القائم إلى اليوم بقبته الوسطى وبقايا دار الضيافة فضلاً عن نقار خانه وهي خاصة بعزف الموسيقى في الأبواق وتستخدم اليوم كمتحف. شبه القارة الهندية عالم حافل بأجناس وعقائد ولغات شتى، ومنذ القدم هذا العالم له شخصيته المستقلة وفلكه العقائدي والفلسفي الخاص، اقتحم الإسكندر الأكبر بلاد الهند غازياً وخلف وراءه تأثراً كبيراً بفنون الإغريق، ولكن دون تبديل كبير في شخصية الهند. وبدءاً من عام 92 هـ دخل الإسلام إلى الهند من جهة السند والبنجاب، ولكن نجاحه الأكبر كان في جنوب البلاد عبر التجارة الموسمية لينتشر الإسلام سلمياً بين الطبقات المقهورة والفقيرة هناك، وبدورهم نقل الهنود المسلمون دعوة الإسلام وحضارته إلى ما جاورهم من جزر المحيط الهندي وسواحله الجنوبية. أدرك المسلمون مبكراً أنهم يدخلون عالماً خاصاً فتعاملوا معه برفق يناسب البلد الذي كتب عنه البيروني كتابه الشهير «تحقيق للهند من مقولة في العقل أو مرذولة»، فكان الإنتاج الفني للهند في العمارة والفنون الإسلامية عروة وثقى بين روح الفن الإسلامي وشخصية الهند التليدة، هنا وعلى مدار الشهر الكريم نعرض لأهم ملامح إسهامات الهند في الفن الإسلامي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©