الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

راشد الخَضر.. بين العزلة و الجماليات الفاتنة

راشد الخَضر.. بين العزلة و الجماليات الفاتنة
17 يوليو 2014 00:41
شهيـرة أحمـد لا يذكر الشعر الشعبي في الإمارات إلا ويطرأ على البال الشاعر المبدع راشد بن سالم بن عبد الرحمن السويدي الشهير براشد الخضر (1905 ـ 1980)، ذلك أن الخضر لم يكن شاعراً منح عمره للقصيدة وحسب، بل أيضاً شاعراً حداثياً - بلغة النقد اليوم - ذهب مذهباً مختلفاً إلى حد كبير في صياغة قصيدته لكي تتميز بسمتها الخاص، وتقترح على السامعين أو القارئين صياغات جمالية مفارقة للكثير من السائد، فضلاً عن كونه حالة شعرية تمتاز عن غيرها بقدر غير قليل من الرؤية التنبؤية أو المستقبلية المتضمنة في نصوصه. ويذهب باحثون في الثقافة الشفاهية ومتخصصون في الشعر الشعبي، إلى أن راشد الخضر، بسبب ما يتمتع به من شعرية عالية، وقدرة على الإتيان بالصور المدهشة والصياغات الشعرية المفارقة للنمطية، يستحق أن يكون شاعراً عربياً من أعلام الشعر الشعبي في العالم العربي. من هؤلاء ـ على سبيل المثال ـ الشاعر الراحل أحمد راشد ثاني الذي عرفت ـ شخصياً ـ الشاعر راشد الخضر من خلاله، والباحث مؤيد الشيباني الذي وضع مؤخراً كتاباً عن راشد الخضر وسيرته، يقول الشيباني: «إن من حق الشاعر راشد الخَضر على الأجيال اللاحقة أن يخرجوه إلى حيز واسع في مجال التراكم القرائي العربي، بحيث لم يعد مجرد شاعر عامي خاص ببقعة جغرافية محدودة، إنه لائق بكل هذا الحضور الواسع في المشهد الشعري العربي، ونقصد التجربة الشعرية الشعبية المماثلة لعدد كبير من أشهر الشعراء العرب أمثال: بدر بن عبدالمحسن وعبدالرحمن الأبنودي ومظفر النواب وحسين المحضار وخالد الفيصل وعشرات الشعراء من ذوي اللون المحكي الذي قدّم جمالية مهمة للأغنية العربية والذاكرة الشعرية عموماً». صفاء العزلة في الحقيقة، يمكن للمرء أن يجد أكثر من درس إبداعي وحياتي في سيرة الشاعر راشد الخضر، تنفع في هذا الزمن الذي بات فيه مدّعو الشعر والكتابة أكثر من الهمّ على القلب، وباتت بعض الكلمات عن العزلة والاستيحاش والنأي بالذات عن العالم التي توضع هكذا، كيفما اتفق، سبيلاً إلى كتابة القصيدة الحداثية أو ادعاء إتقانها.. ففي سيرة هذا الرجل، وسلوكه الحياتي والإنساني، ما يؤكد أنه كان طالب شعر بحق، كان عزلوياً حقيقياً يبحث في عزلته عن جماليات فاتنة، تسرقه من الناس والمكان وتحلق به إلى الأعالي، لتزقزق روحه الشعرية في ذراها. في اشتغاله الفني والموضوعي على قصيدته، لاحق الخضر الكلمات إلى نبعها الأول، كشط عنها ما اعتورها من العادية والمألوفية وأحضرها لنا ناضجة، بعد أن صبّها في لبوس فني ساحر يدخلنا في دهشة مباغتة وربما يأخذنا إلى دوار غير منتظر، إذ إنه يجعل من الألفاظ المعتادة لغة أدبية بعد أن كانت مجرد مفردات تقال في الحواري والفرجان، وهو يتخيّرها بغربال الحس الأدبي العميق كما يتخيّر الغواص دانة تليق بجيد حبيبته.. ليس هذا فقط، بل إن بناء القصيدة نفسه، يوقفنا أمام قامة شعرية تنكبّ على الحرث في أرض الشعر، أو تغوص وراءه لتعثر على هداياه اللؤلؤية الثمينة، ناهيك عن البعد المعرفي الذي تنطوي عليه قصيدته، وما تختزنه من حمولات ثقافية ومعارف اجتماعية وخبرات حياتية بالناس والأمكنة جعلت من نصوصه مرآة للواقع الاجتماعي والحياتي الذي كان الناس يعيشونه في الماضي، ولما يجري عليهم من تحولات في الراهن. ولعل أبرز ما يميز قصائد هذا الشاعر فضلاً عن صدقه الموضوعي والفني وتلقائيته في القول، أنها تختزن كماً من المعارف الدينية التي يوظفها الشاعر في سياقات جديدة... يطول الكلام على شاعر كهذا، أكثر مما تسمح به المساحة، وفي قصائده الكثير مما تنبغي دراسته والكشف عن مدلولاته وانزياحاته اللغوية التي تؤكد أن الخضر لم يكن غواصاً يطارد اللؤلؤ فقط وإنما كان قناصاً بارعاً، يصطاد القوافي الصعبة، وينحت المعنى في اشتقاقات لغوية تبدو معاصرة حتى الآن وتكشف كم أن هذا الشاعر كان شاعراً بحق. شيء عن الشاعر ولد الشاعر راشد الخضر في عجمان، وذاق مرارة اليتم وهو صغير. وعاش مع أخ له في كنف ابن عم أبيه الشاعر ناصر بن سلطان بن جبران السويدي، لكن أخاه توفي وترك في نفسية الشاعر أثراً لا يمحى، لا سيما أنه كان مفرطاً في حساسيته وذا تكوين يميل إلى الانفراد بالنفس عن الآخرين. عاش الشاعر في بيئة مواتية لموهبته، فأبوه سالم بن عبد الرحمن الخضر كان شاعراً، وابن عم أبيه ناصر بن جبران الذي لازمه طويلاً كان شاعراً أيضاً، فضلاً عن شيوع الشعر بين الناس وشغفهم بقوله وسماعه. ظهرت موهبته الشعرية في فترة مبكرة من حياته، ولقي تشجيعاً من ابن عم أبيه، وبمرور الوقت نضجت تجربته واشتهر وذاع شعره بين الناس. قرض الشعر الفصيح أيضاً وله في قصائد جميلة، مضمخة باللوعة والعذاب الناجم عن قسوة الحياة وجحيم الفقد. ومثل غيره من الشعراء، رحل الشاعر إلى بلدان متعددة، وسافر واغترب لأسباب كثيرة، ومن مغترباته تلك، كتب قصائد كثيرة، تعبر عن لوعة منتقاة كأنما انتخبتها الحياة خصيصاً لقلبه الرهيف الذي يحنّ إلى وطن بعيد...
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©