السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الانتفاضة السورية... صعوبة الحسم السلمي

الانتفاضة السورية... صعوبة الحسم السلمي
19 يناير 2012
فراس مقصد محلل متخصص في الشرق الأوسط مقيم بواشنطن بينما يتناقش زعماء العالم حول ما ينبغي القيام به بشأن الأزمة في سوريا، مازال جزء كبير من ترددهم يتمحور حول ما إن كان ثمة بديل ذي مصداقية لأكثر من 40 عاماً من حكم الأسد. وفي هذه الأثناء، صَعَدَ المجلس الوطني السوري، وهو تجمع يتكون في الغالب من زعماء سياسيين منفيين، إلى الواجهة باعتباره الصوت الرئيسي للمعارضة في الخارج. ولكن ماذا عن الجيش السوري الحر، القوة المتمردة المتزايدة المؤلفة من آلاف المنشقين الذين يهاجمون قوات الأسد الآن على الميدان؟ في محاولة للحصول على بعض الأجوبة، انتظرتُ بقلق ولهفة أحد قادة الجيش السوري الحر بمنزل آمن بارد ومظلم على الحدود السورية- اللبنانية. الصمت المقلق الذي كان يسود المكان لم يكن يكسِّره سوى صوت الرصاص الذي يسمع من بعيد في التلال النائية. ومر وقت قبل أن تظهر في الأفق الأضواء الأمامية لسيارة تشق طريقها بتعرج عبر طريق جبلي أسود. وبعد وقت قصير، ترجل القائد أحمد العربي المركبة وبندقية كلاشنيكوف في يده. العربي رجل قوي البنية في الخمسينيات من عمره لا لحية لديه، فقط الشارب السوري التقليدي وابتسامة كاريزمية. وإلى جانب بندقيته الهجومية، كان العربي مسلحاً بهاتف نقال يستعمله للتواصل مع الجنود في الميدان، كما يستعمله ككاميرا لالتقاط صورة مع الصحفيات اللاتي يهرِّبهن عبر الحدود. إنه رجل يمكن القول إنه بالكاد محافظ أو متدين. وبعد حديث مازح قصير من أجل تخفيف الأجواء المشحونة، دخل القائد العسكري العامل في الحدود اللبنانية في صلب الموضوع:الكتيبة التي يقودها تسمى "فجر الحرية" وتمتد منطقة عملياتها من جبال شمال لبنان إلى أطراف مدينة حمص السورية المحاصَرة، التي تبعد بحوالي 12 ميلاً. أهدافها المعلنة الرئيسية هي الدفاع عن اللاجئين الجرحـى الذين يفرون إلى شمال لبنان- حيث تقوم بتأمين طرق الهرب التي يسلكونها والدفاع عنهم على الأراضي اللبنانية. كما تعمل على تأمين إيصال الإمدادات الإنسانية إلى حمص وتوفير طرق الوصول للصحفيين الأجانب الذين يقومون بتغطية الانتفاضة. الأوامر التي يتلقاها المئات من جنود العربي الذين يعملون داخل سوريا تصدر عن قيادة المتمردين في جنوب تركيا. وعلى الرغم مما يروج من أخبار حول عمليات الانشقاق العسكري عن قوات الأسد وما يعقبها من هجمات عليها، إلا أن القائد يصر على أن الجميع يأتمر بأوامر سلطة مركزية إذ يقول "إن وحداتنا تستعمل أسلوب الكر والفر، ولا توجد عناصر خارجة عن السيطرة". أبو محمد وزوجته لاجئان يقول الجيش السوري الحر إنه يحميهما. فقد قطعا مئات الأميال مشياً على الأقدام من بلدة درعا في جنوب سوريا للوصول إلى الأمان الذي توفره الجبال الشمالية للبنان، وهو مستهدف من قبل السلطات السورية بسبب مشاركته في الاحتجاجات المعارضة للنظام التي فجرت الانتفاضةَ لأول مرة قبل نحو 10 أشهر. وبعدما فشلت في القبض عليه، قامت القوات الحكومية، على ما يفترض، بتعذيب وقتل ابنه الذي يبلغ من العمر ثلاث سنوات، قبل أن تعيد جثته مبتورة الأصابع وعدد من الرصاصات قد اخترقت صدره الهامد. وبينما يحكى الأب المكلوم قصته المؤلمة، كانت زوجته ترضع طفلاً ضعيفاً وُلد قبل الأوان خلال فرارهما. وخلافاً لما يدعيه النظام، فإن الدعم الأجنبي للجيش السوري الحر مازال شحيحاً حيث يعتمد العدد المتزايد من المنشقين على ما يستطيعون الاستيلاء عليه من الثكنات العسكرية الحكومية. والأشخاص الذين رأيتهم لم يكونوا يحملون سوى بنادقهم الأوتوماتيكية الصادرة عن الحكومة وصناديق الرصاص. وحسبما يقال، فإن الزعماء العسكريين الليبيين، الذين أسقطوا القذافي مؤخراً بدعم من "الناتو"، هم الوحيدون الذين عرضوا على المتمردين بعض المساعدة. ذلك أن لدى الزعماء الغربيين والأتراك والعرب تخوفات مشروعة بشأن دعم الجيش السوري الحر، ومن ذلك تجنب مواجهة عسكرية مباشرة مع نظام سوري يمتلك مخزونات كبيرة من الأسلحة الكيماوية، ومئات من الصواريخ الباليستية، ولديه سجل من اللجوء إلى العنف السياسي. ولكن وبينما تنزلق سوريا إلى حرب أهلية بتحريض من النظام، نحو حرب يمكن أن تمتد إلى لبنان والعراق المجاورين، يزداد ثمن عدم التحرك الأجنبي. ثم إنه نظراً لعنف النظام المتزايد والعنف المضاد، فإن الحفاظ على الانتفاضة السورية سلمية لم يعد خياراًَ. ولذلك، فإن المجتمع الدولي في حاجة إلى استراتيجية واضحة من أجل تسريع وتيرة التغيير في سوريا، علماً بأن الجيش السوري الحر بات اليوم جزءاً هاماً لا يمكن تجاهله من المعادلة. وبالنسبة للقائد العربي، يمثل فرض منطقة حظر جوي من قبل المجتمع الدولي أو ممر إنساني بمحاذاة الحدود التركية- السورية المطلب الرئيس، حيث يعتقد أن من شأن مثل هذا السيناريو أن يوفر غطاء للآلاف من الجنود المحبطين داخل سوريا والذين مازالوا غير قادرين على الانشقاق عن الجيش. كما أن من شأنه توفير قدر أكبر من الحماية للمدنيين، ووقف انزلاق سوريا إلى حرب أهلية عبر تسريع رحيل النظام. وعلى الرغم من قسوة الظروف التي يعيشون فيها، إلا أن المتمردين واللاجئين على حد سواء يبدون واثقين بأن الأربعين عاماً أو يزيد من حكم الأسد باتت تشارف على نهايتها إذ يقولون متفائلين: "إنها مسألة وقت فقط". ولكن السؤال هو: بأي ثمن؟ عندما نهض القائد العربي ليرحل، التقط بندقيته وقطع لي وعداً إذ قال: "إذا جاء (الغرب) لمساعدتنا، فإنني سأسمي ابني "جوبي""، نسبة إلى وزير الخارجية الفرنسي (ألان جوبي) الذي تزعم الدعوات إلى تدخل إنساني في سوريا قبل أن ينسحب ويتوارى عن الأنظار بين التلال الباردة المظلمة التي أتى منها، ومخططه هو عبور الحدود إلى حمص في الصباح التالي. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©