السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تونس... مساع لاسترداد أموال النظام السابق

19 يناير 2012
برزو دراجاهي تونس العاصمة بعد سنة على هروب بن علي من أمام ثورة كان فساد نظامه العامل الأساسي في إشعالها، ما زالت المبالغ المالية الكبيرة التي كانت في حوزة عائلته والمقربين منه منفلتة من أيدي الحكومة الجديدة والشعب. فحسب التقديرات تصل قيمة الأموال والأسهم وغيرها من ممتلكات "بن علي" وحلفائه السابقين إلى مليارات الدولارات، لكن جزءاً كبيراً من تلك الأموال يظل مقفلًا عليه في حسابات بنكية وصناديق خاصة في الخارج سواء في بريطانيا أو الولايات المتحدة أو فرنسا، وهي أموال تسعى الحكومة الحالية إلى استردادها عبر تجنيد مجموعة من المحامين والخبراء القانونيين للتعامل مع هذه القضية الشائكة. أما فيما يتعلق بالأموال والممتلكات داخل تونس، فهي موكلة إلى القضاء وجهات حكومية أخرى مثل وزارة ممتلكات الدولة، ووزارة المالية، لكن الحكومة الفتية، التي لا يبدو أنها تعرف كيف تستغل تلك الأموال وتتعاطى معها، تحاول ألا تثير مخاوف المستثمرين في ظل اقتصاد هش يحتاج إلى الاستثمارات الداخلية كما الخارجية. ومع ذلك تطمح الحكومة والمسؤولون التونسيون إلى استعادة الأموال المكدسة في الخارج، وإن كان لحد الآن لم تستفد الخزانة العامة من فلس واحد استرجع من الخارج، بل حتى الشركات داخل تونس التي كان يمتلكها مقربون من النظام وتحوم حولها شكوك الفساد لم تتم تصفيتها. وفي هذا السياق، يقول مصطفى كمال النبلي، محافظ البنك المركزي التونسي، "هناك عملية جارية اليوم لكشف ممتلكات وأصول النظام السابق والتعرف عليها، وقد حققنا تقدماً ملموساً في هذا المضمار، لكن الأمر يستغرق أكثر مما يعتقد الناس". ويضيف "النبلي" أن أحد الأسباب الأساسية التي قادت إلى الثورة كان الشعور بالمهانة من أن بعض الناس يراكمون أموالاً طائلة لقربهم من النظام، مشيراً الى أن "إصلاح هذا الاختلال والتأكيد على أن الفاسدين لن يفلتوا من العقاب ضروري على الأقل من الناحية الأخلاقية التي لا يمكن التساهل بشأنها". هذا فضلاً عن خوف الحكومة من المشاكل التي قد يحدثها لدى فئات واسعة من الشعب الفشل في استرداد الأموال المهربة إلى الخارج، وهو ما يعبر عنه شرف الدين الكليل، المحامي المتطوع في قضايا ملاحقة المسؤولين الفاسدين في النظام السابق، قائلاً "من تداعيات الفساد تنامي الفقر الذي يولد بدوره مظاهر الانحراف، وإذا كان النظام السابق، قد انهار بالطريقة التي رأيناها فذلك لأنه كان غارقاً في الفساد، وكانت من جرائمه الكبرى التي يتعين محاسبته عليها"، وتكمن أهمية التجرية التونسية في متابعة ملفات الفساد واسترداد الأموال المنهوبة في أنها تقدم نموذجاً قد يحتذى به في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تعرف بعض بلدانها تجارب مشابهة في الانتقال من نظام قمعي إلى آخر أكثر ديمقراطية، ففي جميع الدول التي مستها الثورات عانت من مظاهر الفساد التي ضخمت الشعور بالظلم وعدم المساواة وأشعلت فتيل الثورات التي أطاحت بالأنظمة. وفي تونس استغلت عائلة زوجة الرئيس، ليلى الطرابلسي، موقعها في السلطة للسيطرة على بنك "الزيتونة" المربح، بالإضافة إلى تجارة السيارات ومحطات إعلامية، والقطاع العقاري. كما أن أحد أصهار "بن علي" حاز أغلبية الأسهم في شركة "أورنج"، إحدى فروع شركة فرنسية تعمل في مجال الاتصالات، وفيما يؤكد محافظ البنك المركزي التونسي أن الدولة الجديدة احتجزت ممتلكات 110 أفراد من الدائرة المقربة من بن علي، فضلاً عن إدانة العديد من المقربين، إلا أنه يقر باستمرار بعض المستفيدين من الفساد طلقاء دون عقاب. بيد أن "بن علي" يسعى من خلال محاميه إلى وقف عملية مصادرة ممتلكاته، ففي يوم الجمعة الماضي وعشية الذكرى السنوية لانطلاق الثورة في تونس أصدر محامي بن علي، "أكرم عزوري"، بياناً أدان فيه "الإجراءات غير القانونية التي بموجبها صادرت السلطات التونسية جميع ممتلكات الرئيس السابق سواء المنقولة منها، أو الثابتة"، مضيفاً أنه سيرفع شكوى رسمية ضد الحكومة التونسية إلى المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. وفي السنة الماضية تجند مجموعة من المحامين المتطوعين معروفين باسم مجموعة 25 لملاحقة المستفيدين من حقبة "بن علي" من خلال رفع دعاوى قضائية ضدهم في المحاكم التونسية، وقد وضعوا رسماً بيانياً أوضحوا فيه خيوط التداخل وتبادل المنافع بين المسؤولين الحكوميين وأفراد عائلة الرئيس، بالإضافة إلى حزب "التجمع الدستوري الديمقراطي"، الذي كان يرأسه، ومع أن معظم الوثائق والأدلة التي تثبت الفساد تم إتلافها خلال الأيام الأولى بعد الثورة، إلا أن النشطاء السياسيين والمحامين تمكنوا من الحصول على بعض من تلك الأدلة، بما فيها صور لشيكات وميزانية تشير إلى تحويل أموال عامة لشركات مملوكة للدولة مثل البريد وشركة تونس للطيران إلى حسابات تابعة للحزب الخاضع لهيمنة المقربين من "بن علي". وعن هذا التحرك ضد الفاسدين في النظام السابق يقول عمور صفراوي، أحد المحامين ضمن مجموعة 25، "توقعنا من الحكومة الانتقالية أن تتحرك بسرعة ضد المتورطين في الفساد من المسؤولين السابقين، لكنهم لم يفعلوا لذا قررنا ملاحقتهم بأنفسنا، وفي البداية قمنا بذلك فقط لنظهر أنه يمكن ملاحقة هؤلاء المفسدين، غير أن الأمور أخذت منحى جدياً وأصبحت حديث الناس". وفيما شعرت الحكومة الانتقالية التي تلت الثورة والتي ضمت وجوهاً من النظام السابق أنها غير مخولة لملاحقة رموز النظام السابق والمتورطين في الفساد، أو أنها أرادت حماية نفسها، يرى المراقبون أن حتى الحكومة الحالية المنتخبة ديمقراطياً ويرأسها "حمادي الجبالي" من "حزب النهضة" حريصة على إعادة الاستقرار الذي يجتذب المستثمرين، لكنها في نفس الوقت حريصة أيضاً على عدم إثارة غضب الفئات الشعبية التي تريد مقاضاة الفاسدين واسترجاع أموال الدولة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©