الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«حيدر آباد» بناها السلطان محمد قطب شاه لتخليد الاحتفال بالألفية الهجرية الثانية

«حيدر آباد» بناها السلطان محمد قطب شاه لتخليد الاحتفال بالألفية الهجرية الثانية
18 يوليو 2014 00:23
د. أحمد الصاوي (القاهرة) حيدر آباد الدكن هي عاصمة ولاية أندرا براديش الهندية وتعتبر بسكانها الملايين الستة رابع أكبر مدن الهند وأكثرها تطوراً بما تعج به من نشاط اقتصادي كبير وتحولها لمركز لأكبر شركات الإنتاج السينمائي بالهند. وحيدر آباد مدينة إسلامية النشأة، فقد أمر بتشييدها السلطان محمد قولي قطب شاه أحد ملوك أسرة قطب شاه التي استقلت بحكم كولكنده بالدكن بعد تولي السلطان الطفل محمود الثاني عرش المملكة البهمنية في عام 887 هـ «1482م»، إذ استقل أمراء قطب شاه ذوي الأصول الفارسية بحكم هذا الإقليم فيما بين 1512 و1687م. وشرع محمد قولي قطب شاه في تشييدها في نقطة وسطى بين أسواق كولكنده الشهيرة على طريق تجارة الحرير وبين ميناء ماسولي باتنام عام 998 هـ «1589م»، وذلك ضمن استعدادات مملكته المزدهرة لمشاركة المسلمين الاحتفال بمقدم الألفية الهجرية الثانية في عام 1000 هـ في قلب الدكن بشمال الهند. وعهد السلطان محمد قولي قطب شاه بالإشراف على أعمال تخطيط وبناء المدينة لوزيره مير مؤمن الأسترآبادي، والذي استعان بدوره بعدد من المهندسين والبنائين من فارس المجاورة؛ ولذلك تبدو في حيدر أباد ملامح العمارة الإسلامية في إيران المغلفة بروح هندية. مسجد تشار منار واتخذ مسجد تشار منار ليكون مركز تخطيط حيدر أباد وهو مبنى ضخم استخدم أيضاً كمدرسة منذ تشييده في العام 1000 هـ «1591 م»، ويعد إلى اليوم الأيقونة الذهبية للدكن وأحد أهم المعالم المعمارية العشرة في الهند، ويقع تشار منار على الضفة الشرقية لنهر موسي على بعد خطوات من المسجد الجرانيتي المعروف بمسجد مكة. ويتكون اسم «تشار منار» من كلمتين هما تشار أي أربعة في اللغة الأوردية ومنار أي المئذنة، وهي تعني البرج أيضاً في الأوردية، وذلك بسبب هيئة المبنى الشهير بمآذنه الأربع التي يقترب ارتفاع كل منها من 56 متراً. وتباينت الأقوال حول سبب بناء تشار منار، ففضلاً عن اعتباره درة المدينة التي تخلد الاحتفال بالألفية الهجرية الثانية هناك روايات عدة يتوارثها سكان حيدر أباد حول سبب تشييد محمد قولي قطب شاه لهذا المسجد الفريد في هيئته، فثمة رواية تتحدث عن وباء الطاعون الذي هاجم الدكن، وأن هذا البلاء رفع عن الإقليم بعد توجه محمد قولي قطب شاه بالصلاة والدعاء ليرفع الله عن رعيته الوباء الأسود، حيث أمر السلطان بتشييده في ذات الموضع الذي تمت فيه الصلاة ورفعت والدعوات. بينما تقول الروايات الشعبية أن السلطان شيد تشار منار في ذات البقعة التي لمح فيها لأول مرة بهجة ماتي الفتاة التي تزوجها لاحقا وأصبحت الملكة عقب اعتناقها للإسلام وأنه أطلق على المدينة الجديدة اسم حيدر أباد تخليدا لذلك الحدث. على حين أن المؤرخ مسعود حسين خان يؤكد أن حيدر أباد شيدت في عام 1000 هـ «1591م» فيما بني تشار منار في عام 1001 هـ وطبقاً للرحالة الفرنسي جان ثيفونت الذي زار الدكن في القرن 17 م، فإن بناء تشار منار، وكذلك حيدر أباد كان بمناسبة الألفية الهجرية الثانية. ويعزى قيام محمد قولي قطب شاه ببناء هذا المسجد إلى اهتمامه بأمر الصلاة وانتظامها في مساجد مملكته حتى أنه كتب أشعاراً من المثنوي باللغة الأوردية والتي كان من شعرائها الأوائل تبين أهمية أداء الفروض الخمسة وتحث عليها. أفكار معمارية مبتكرة ويعتبر تشار منار من الأفكار المعمارية المبتكرة في تخطيط المدن الإسلامية، فبعد أن كان المسجد يحتل تقليدياً مراكز الأمصار الإسلامية ومن حوله تتوزع الشوارع والحارات اتخذ مهندسو حيدر أباد من مسجد ومدرسة تشار منار نقطة ارتكاز لتفرع الطرق الرئيسية الأربعة للمدينة دون أن يقطعها البناء، وذلك بتشييد كتلة المباني فوق أربعة عقود كبيرة، يواجه كل واحد منها جهة من الجهات الأربع الأصلية وفقاً لحساب فلكي دقيق، ومن كل عقد يبدأ شارع رئيسي لتبدو الساحة الوسطى، كما لو كانت نقطة التلاقي أو الميدان الذي تنتهي إليه الطرق الأربعة. وبناء تشار منار يحتل مساحة مربعة يبلغ طول ضلعها حوالي 20 متراً، ومقام فوق أربعة عقود كبيرة وبكل ركن من أركان البناء مئذنة وجميع المآذن متماثلة كليا فهي ذات أبدان مثمنة رشيقة وبكل مئذنة شرفتان للمؤذن وهي تمثل جزءاً من أصل بناء تشار منار وليست ملحقة به كما في تاج محل. الدهاليز المعقودة وثمة طابقان من الدهاليز المعقودة الواحد فوق الآخر، وهي ذات نوافذ معقودة تطل على الطريق لضمان توفر الإضاءة النهارية خلال تنقل رواد تشار منار فيما بين القاعات المخصصة للتدريس والمسجد الذي يحتل الطابق الرابع والأخير من المبنى. ويقع المسجد في الطرف الغربي من سطح المبنى وهو مؤلف من قسمين أحدهما مغطى ومقسم إلى 45 مربعاً متساوياً وأمام هذا الجزء المسقوف قسم آخر مكشوف، وكان مخصصاً لاستيعاب أعداد المصلين في أيام الجمعة وفيما بين القسمين يوجد حوض للماء بوسطه فوارة من أجل الوضوء. ويستطيع زائر تشار منار وهو يقف وسط مربع البناء أن يرى الحركة في الشوارع الأربعة الرئيسة التي تنطلق من مركز البناء ويعد هذا القسم من مدينة حيدر أباد والمعروف باسم تشار منار بمثابة المركز التجاري التقليدي للمدينة منذ نشأتها في عام 1000 هـ وحتى اليوم. سرداب سري يتألف تشار منار فعلياً من أربعة طوابق يمكن التنقل بينها عبر درج مروحي مؤلف من 149 درجة من الجرانيت، بينما تحيطه من الداخل جدران من الجص الحافل بشتى أنواع الزخارف النباتية الإسلامية، ويعتقد سكان حيدر أباد أنه يوجد سرداب سري تحت الأرض يربط بين قلعة كولكنده وتشار منار لتمكين حكام أسرة قطب شاه من الهرب إلى القلعة في حال تعرضهم لهجوم من أعدائهم. شبه القارة الهندية عالم حافل بأجناس وعقائد ولغات شتى، ومنذ القدم هذا العالم له شخصيته المستقلة وفلكه العقائدي والفلسفي الخاص، اقتحم الإسكندر الأكبر بلاد الهند غازياً وخلف وراءه تأثراً كبيراً بفنون الإغريق، ولكن دون تبديل كبير في شخصية الهند. وبدءاً من عام 92 هـ دخل الإسلام إلى الهند من جهة السند والبنجاب، ولكن نجاحه الأكبر كان في جنوب البلاد عبر التجارة الموسمية لينتشر الإسلام سلمياً بين الطبقات المقهورة والفقيرة هناك، وبدورهم نقل الهنود المسلمون دعوة الإسلام وحضارته إلى ما جاورهم من جزر المحيط الهندي وسواحله الجنوبية. أدرك المسلمون مبكراً أنهم يدخلون عالماً خاصاً فتعاملوا معه برفق يناسب البلد الذي كتب عنه البيروني كتابه الشهير «تحقيق للهند من مقولة في العقل أو مرذولة»، فكان الإنتاج الفني للهند في العمارة والفنون الإسلامية عروة وثقى بين روح الفن الإسلامي وشخصية الهند التليدة، هنا وعلى مدار الشهر الكريم نعرض لأهم ملامح إسهامات الهند في الفن الإسلامي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©