الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خولة بنت ثعلبة.. المجادلة الشاكية إلى الله

30 يونيو 2015 19:55
محمد أحمد (القاهرة) خولة بنت ثعلبة بن أصرم، صحابية جليلة أسلمت وبايعت الرسول، أول امرأة ظاهرها زوجها في الإسلام، تزوجت ابن عمها أوس بن الصامت، أسلم مبكراً وشهد بدراً وأُحد والخندق، وكان معروفا ببطولته، ومات في العام 34 هـ. وقع خلاف بين الزوجين، وتمسك كل منهما برأيه، وعلا صوتهما وكاد أوس يضرب خولة، وفي ثورة غضبه قال لها: «يا خولة.. أنت عليَّ كظهر أمي». والظهار أيام الجاهلية مثل الطلاق في الإسلام، وكان يسقط حقوق الزوجية، مما يعني انتهاء العشرة بين الزوجين، وتصبح خولة محرمة عليه. قالت خولة: «يا أوس.. والله لقد تكلمت بكلام عظيم وما أدري ما مبلغه؟، فغادر داره تاركاً زوجته، وذهب إلى المنتدى حيث أصحابه، فقص عليهم ما وقع منه، فاختلفت آراؤهم، واعتبروا كلماته خرجت في الغضب، وانه بعد عودته، سيجد زوجته قد هدأت. عاد أوس وحاول أن يتلطف مع زوجته، فابتعدت ونهرته وذكرته أنها أصبحت محرمة عليه مثل أمه، وحاول إقناعها بأنه ليس طلاقاً، فقالت: «حتى أسأل رسول الله في أمرنا». قالت خولة: دخل عليَّ قيس ذات يوم وكلمني بشيء وهو فيه كالضجر فرددته فغضب، فقال أنت عليَّ كظهر أمي، ثم خرج فنادى قومه، ثم رجع فراودني عن نفسي، فامتنعت عنه، فشادني فشاددته فغلبته بما تغلب به المرأة الرجل الضعيف، فقلت كلا والذي نفس خويلة بيده لا تصل إليَّ حتى يحكم الله فيَّ وفيك بحكمه، ثم أتيت النبي أشكو ما لقيت». جاءت خولة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان عند عائشة - رضي الله عنها - وحكت ما حدث بينها وبين زوجها وهي باكية، قالت: «غفر الله لأوس ما جناه عليه لسانه من زلل أصابني، فقال الرسول: «يا خولة.. إن زوجك شيخ عجوز فاتقي الله فيه»، قالت: يا رسول الله، إن أوساً زوجي وابن عمي وأبو ولدي ولكني لا استطيع أن اعصي الله، وإنك تعلم ما يصيبه حيناً من اللمم، فلا يعي ما يقوله، فانظر أمره، لعل الله يجعل له مخرجاً. قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «يا خولة ما أراك إلا أنك حُرمت عليه، فبكت وقالت: فكيف أعيش وحدي، وأنا في حاجة إليه، وهو في حاجة إليّ؟.. كيف تجمعنا دار واحدة؟ فقال الرسول: «فابتعدي عنه، فما أرى إلا انك حرمت عليه؟». قالت خولة: «كان هذا حراماً في الجاهلية، ونحن الآن في هداية الإسلام، وما أحسب أن الله تعالى يضن علينا بالحياة، إنه ارحم بنا، فانظر في أمرنا، لعل الله يكشف عنا تلك الغمة. وطال الجدال بين النبي- صلى الله عليه وسلم- وخولة التي كانت تريد أن تجد الحل، وتوجهت بالدعاء لله سبحانه وتعالى أن يهديها وزوجها إلى الخير. تركها النبي مع عائشة وكانت خولة تنادي ربها باكية «اللهم إني أشكو إليك شدة ما أصابني، فهلا أعدت إليَّ من شقَّ علي فراقه؟، وبكت أم المؤمنين عائشة وهي تدعو الله لها. لم تغادر خولة مكانها حتى سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يناديها: «يا خولة.. أبشري فقد أنزل الله فيك وفيه قرآنا».. فقرأ عليها قوله تعالى: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ * وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، «سورة المجادلة: الآيات 2 - 4». وتلك الآيات البينات كانت تصريحاً للزوجين بالعودة إلى حياتهما على أن يكفر أوس عن يمينه، وكانت هذه «المجادلة» بين خولة والرسول السبيل إلى تشريع إلهي يعالج القسم بالظهار بين الأزواج. مر الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بخولة، فاستوقفته طويلاً ووعظته، وقالت له يا عمر، عهدتك وأنت تسمى عميراً في سوق عكاظ ترعى الصبيان بعصاك، فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر ثم سميت أمير المؤمنين، فاتق الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت خشي الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب، وعمر واقف أمامها، وقد أحنى رأسه مصغياً إليها، وكان برفقته أحد مرافقيه، فلم يستطع صبراً، فقال: «قد أكثرت أيتها المرأة العجوز على أمير المؤمنين»، فقال عمر: دعها.. أما تعرفها؟ هذه خولة التي سمع الله قولها من فوق سبع سموات وعمر واللهِ لا بد أن يسمع لها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©