الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الخيزران المغربي.. صناعة تراثية تقاوم الزمن

الخيزران المغربي.. صناعة تراثية تقاوم الزمن
2 يوليو 2013 01:24
محمد نجيم (الرباط) - كانت رمزاً من رموز الثراء والفخامة في حانوته المتواضع المتواجد بالقرب من أحد المساجد العتيقة والقريب من السوق الشعبي الذي يعرف حركة نشيطة خلال الساعات الأولى من المساء، وجدنا هذا الفنان الخيزراني وحيدا في محله، مُستحثاً أنامله بخفة ساحر بارع، وإن كان ذلك بتثاقل بفعل الشيخوخة منهمكا في إعداد سلة من الخيزران، هذه السلة التي لا يعلم «المعلم» السيد علي من سيشتريها منه لأن الناس تنكروا لتلك السلال التي كانت حتى عهد قريب من مستلزمات البيوت المغربية وديكورها، ورمزاً من رموز الثراء والفخامة. نحن والصيادون السيد علي، أو» المعلم علي» كما يلقبه الصغير والكبير هنا، في ذلك الحي البسيط بقي وفيّا لحرفته التى شب عليها وأحبها منذ منذ عقود طويلة من الزمن، لم يشأ أن يتركها أو يتّنكر لها وهو الذي أخلص لها وأخلصت له، وبحسرة يقول المعلم علي: «في الماضي كانت هذه الحرفة تدر المال الوفير على مُحترفيها، القصّاب أو الخيزراني كانا من الأثرياء في العقود الماضية، قبل أن تكتسح الأسواق المغربية أواني مصنوعة من البلاستيك وكان القصب وفيراً، وكنّا نصنع السلال الصغيرة التي يحتاجها البحارة لجمع سمك السردين من المراكب لإفراغه في الصناديق الكبيرة التي يسوّق فيه هذا النوع من السمك الذي اشتهرت به شواطئ المغرب. ويضيف المعلم علي: «نظراً لوفرة السمك في العقود الماضية، كان لزاماً علينا نحن أصحاب مهنة صنع سلال القصب أن نُوفّر لهؤلاء البحارة ما يطلبونه من السلال، فكلما كان سمك السردين وفيراً، زاد الطلب على السلال القصبية، وكنا نعمل ليل نهار لنلبّي طلباتهم وحاجاتهم من السلال، لكن مع تناقص الكميات التي يتم اصطيادها من هذا السمك أصبح الطلب على السلال المصنوعة من القصب يتناقص أيضا، إضافة إلى عوامل أخرى ساعدت على انحسار هذه الصناعة التي عرفت منذ قرون سحيقة في المغرب، ومن بين هذه الأسباب قيام شركات لتصنيع سلال من البلاستيك وهو ما ضرب صناعتنا في الصميم، ودق آخر مسمار في نعش فننا العريق والجميل. وحين سألنا المعلم على، هل هناك من يساعده في عمله هذا؟، قال وهو يغالب دموعه التي كادت تسقط من عينيه: «لا أحد يرغب في تعلم هذه المهنة التي تتطلب الصبر والدقة والكثير من البراعة، وجلّ الشباب توجّهوا لتعلم مهن حديثة، كالخياطة والنجارة ومكانيكا السيارات والتقنيات العصرية التي تدر المال الوفير على أصحابها. موضحاً أن صناعة الخيزران كانت موجودة بوفرة في الدارالبيضاء ومراكش والرباط وفاس وسائر المدن المغربية العريقة، لكن مستقبلها مظلم لأن الكل تنكر لفن القصب والخيزران رغم عراقة هذا الفن وانتشاره في المغرب منذ القدم، فالقصاب أو الخيزراني برعت أنامله في تزيين منازل الأثرياء والبسطاء، لكن الناس في عصرنا تنكروا لهذا الفن ولم تعد الكراسي المريحة المصنوعة من القصب تلقى الرواج، كما كان الحال في العقود الماضية، وأصبح الناس يقتنون الكراسي المصنوعة من البلاستيك أو من الخشب الرفيع. يتألمون في صمت بينما كان السيد علي وحيداً في محله، الذي تفوح منه رائحة عقود طويل، لم نجد أحداً يساعده، وحده يصارع من أجل أن يبقى وفياً لمهنة صنعت له مجدا في زمن رحل. وعن ذلك يقول: «لم يعد دخلي كما كان في السابق، كنت أحصل على المال الوفير من صناعة المشغولات القصبية، وكنت أشغّل معي العشرات من الشباب الذين تعلموا هذه المهنة لكنهم تنكروا لها، ومنهم من هاجر إلى فرنسا خلال السبعينيات، وحين يأتون لزيارة المغرب يزورون هذا المحل لالتقاط الصور للذكرى فقط. ويقول «لا أحد يُقدر هذا الإرث الثقافي الجميل والمتوارث عن الآباء والأجداد، وحتى المتاحف المغربية، لا تهتم بهذا الفن، بنفس الاهتمام الذي تحظى به الأعمال الخزفية والفخارية والأعمال التشكيلية، ولا أحد فكر في أن يفعل شيئاً لإنقاذ هذا الفن من الاندثار والنسيان، فالذين برعوا في هذا الفن كلهم بلغوا من السن عتياً، وهم يتألمون في صمت ويحسّون بوحدة قاتلة». سحر المكان وشموخ التراث بحسه الفني والشاعري يصنع المعلم علي عوالمه الجميلة متحدّيا بذلك كل النسيان وإلإهمال الذي تتعرض له حرفته وفنه، ومن خلال تلك السلال التي يصنعها يتأمل الناس، وهم يحملون مشغولات قادمة من الصين ودول آسيا، مشغولات لا نجد فيها أي بعد وأثر جمالي أو فني، إنما تخلق الارتباك والنشاز في فضاء البيوت وكأنها جسم غريب يلتهم ما انفردت به البيوت المغربية من مشغولات وتحف يتجلى فيها التراث الشامخ وتنطق بلسان المكان وسحره. نترك المعلم علي يختار بدقة بالغة قصاباته النحيلة التي سيصنع منها سلاله القصبية الجميلة، فيما قطته تغطّ في نوم عميق على إحدى المشغولات التي تنتظر من يشتريها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©