الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

هجرة الأدمغة وتهجيرها

هجرة الأدمغة وتهجيرها
17 فبراير 2009 02:12
لسنا في حاجة إلى هجرة الأدمغة العربية من أوطانها إلى دول العالم المتطور، ولسنا في حاجة لذكر أسماء من شكلوا نقاط تحول في (بلادهم) الجديدة، أسماء في كل مجالات العلوم والثقافة والإبداع، لأن الأرقام ستبدو كارثية، أما هجرة البشر العاديين فستبدو كارثية أكثر، بل قد تعلن المناطق التي هاجروا منها مناطق موبوءة على الصعيد الفكري والعلمي والإبداعي· لا مبالغة في الأمر، فمن يمتلك الجرأة لمعرفة الحقيقة عليه أن يراجع الإحصائيات· ولا نأتي بجديد حين نذكر أسباب هجرة الأدمغة العربية، وتأتي على رأسها عدم تقدير الكفاءات، وأحيانا عدم الاعتراف بها، وغياب البيئة المناسبة المحرضة على الخلق والابتكار والبحث العلمي والإبداع، وهيمنة الجاهل على العارف، وتحكم الشكلي بالجوهري، والبسيط الساذج بالعميق، وتفشي الدكتاتورية بأشكالها المتعددة، والاستهزاء بالمبدع الحقيقي، وتغليب الشوفينية، وتهميش أصحاب الرأي ومحاربتهم بقوت يومهم، واضطراب القيم واختلالها، والخوف من ظهور رموز مفكرة عالمة مبدعة في الأمة· إن خطر هجرة الأدمغة لا ينحصر بواقعها الحالي، بل في مستقبلها، فنسبة كبيرة من الطلبة المتميزين يطمحون للدراسة والعمل في الخارج، ونسبة كبيرة من العلماء يتوقون للعمل في أماكن توفر لهم المختبر ومصادر المعلومات والأمن الإنساني والشخصي، ونسبة كبيرة من المبدعين يتوقون للحياة في أماكن مفتوحة الآفاق، أما نسبة الشباب أصحاب المهن والطامحين للهجرة فقد تصدم كل عين وعقل وشعور· الأوطان لا تلفظ أبناءها، والرياح لا تدفع الأجساد لاجتياز الحدود، والطقس لا يحرض الأرواح للتغريد خارج (هالاتها)، إدارة الإنسان للإنسان هي التي تدفع الإنسان للبحث عن مكان يتمتع فيه بإدارة نفسه، بحق أن يكون وفق الطريقة التي يريد طالما لا تخدش (حياء) الآخرين، بطموحه أن يخدم إنسانيته، ألا تكفي هذه الأسباب كي يحزم الإنسان الحر أمتعته وينطلق في بلاد الله الواسعة! تقدم الإنسان ليس في مظهره وشكل بيته ورصيده وممتلكاته المادية، وإنما بفكره وعلمه وتقديره لأصحاب الفكر والعلم والباحثين دوما عن الحقيقة الناصعة، هؤلاء هم ذخر الأمة وذخيرتها، وهؤلاء هم عناوين الأوطان وعلاماتها، وبدونهم لن يتم تأسيس أي حضارة· الأمم تبحث عن مواهب وطاقات أبنائها المتميزين ضمن مشروع استراتيجي لبناء مستقبلها، تمنحهم الأمان والإمكانيات والحصانة والتقدير المستمر، ترى صورتها فيهم وبهم، تتجمل وتفخر بهم· حين نؤمن بالله، علينا أن نؤمن بسلطان فكرته تعالى بشأن التمييز بين الناس، ليس في المسائل المادية، ولكن بما وهب الله لكل فرد من مواهب وقدرات وطاقات، واحترام هذه الطاقات هو احترام لهبة الخالق واختياره وإرادته· وأنا أفكر دائما وبدهشة الأطفال، كيف لأمة أنجبت كل هذه الرسالات الإنسانية، تعجز عن المحافظة على إنسانها لمجرد أنه متميز وحر ومفكر وعالم ومبدع ويسبق عصره؟ إنها دهشة في انتظار دهشة أخرى تزيدها دهشة، ولكن في الاتجاه المغاير·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©