الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

العروبيون يربحون نصف معركة في الجزائر

22 يونيو 2006 01:43
الجزائر- حسين محمد: فاجأ وزير التربية الجزائري أبو بكر بن بوزيد كل المتتبعين حينما أعلن في أواخر مايو الماضي التراجع عن تجربة تدريس اللغة الفرنسية للأطفال الجزائريين منذ السنة الثانية ابتدائي و''زحزحتها'' إلى السنة الثالثة ابتداءً من الموسم الدراسي المقبل· وأثار القرار اهتماما بالغا في الجزائر وكذا في فرنسا التي أعلنت منذ شهر فقط زيادة ميزانيتها الموجهة لدعم تدريس لغتها في عدد من الدول في سياق سعيها لحماية مكانتها في العالم في ظل المنافسة الشرسة التي باتت تلقاها من الإنجليزية في مختلف الدول الفرنكفونية، وربطت أوساط فرنكفونية جزائرية القرار بصعود عبد العزيز بلخادم إلى رئاسة الحكومة وهو ذو توجه وطني عروبي لايُخفى على أحد· منذ بداية التسعينيات والتيار الفرنكفوني الجزائري يشن حملات شعواء على المدرسة الأساسية التي أسسها الرئيس الراحل هواري بومدين· ووصف الفرنكفونيون المدرسة الأساسية بـ''المنكوبة'' وقالوا إن مستواها نزل إلى الحضيض ولم يتخرج فيها سوى أجيال من ''البعثيين'' و''الأصوليين''· وبعد اندلاع موجة الإرهاب منذ يناير ،1992 اتهمت المدرسة الأساسية أيضا بـ''تخريج'' الإرهابيين والقتلة· وباختصار، سوّد الفرنكفونيون صورة المدرسة الأساسية وحملوها مسؤولية كل الأثام والشرور التي أصابت الجزائر، وألحوا في المطالبة بـ ''إصلاح'' تربوي جذري، ومارسوا ضغوطا إعلامية وسياسية هائلة ومتواصلة كللت بعد حوالي عشر سنوات بإلتفات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى مطلبهم وإعلانه في مايو ،2000 تأسيس ''لجنة'' من 130 عضوا أوكلت لها مهمة ''إصلاح'' المنظومة التربوية، على أن تنتهي من إعداد تصورها بعد تسعة أشهر من العمل· الإصلاح بالفرنسة! ولاحظ الجميع منذ الوهلة الأولى أن أغلب عناصر اللجنة ينتمون إلى التيار المتشبع بالثقافة الفرنسية والذي يحتقر لغته الوطنية ولايقيم لها وزنا، وأثار التيار الوطني العربي بالجزائر ضجة سياسية وإعلامية عارمة ضد هذه اللجنة، لاسيما بعد أن سرّب بعض أعضائها معلومات عن أن محور ''الإصلاح'' الذي تنوي اللجنة تقديمه بديلا للمدرسة الأساسية المعربة، يكاد يقتصر على فرنسة المدرسة من خلال تقديم تدريس الفرنسية إلى الثانية ابتدائي بدل السنة الرابعة، وكذا تدريس المواد العلمية في المرحلة الثانوية بالفرنسية، بينما هُمشت اللغة العربية والتربية الإسلامية بشكل ملحوظ في مقترحات اللجنة، كما هُمشت اللغة الإنجليزية وأبعدت إلى السنة الأولى متوسط قصد إبعادها تماما عن منافسة الفرنسية· وتذرع علي بن زاغو، رئيس هذه اللجنة، بأن ''الفرنسية أقرب إلى الجزائريين من الإنجليزية'' وضرب عرض الحائط بكل الدعوات لتقديم تدريس الإنجليزية بدورها بإعتبارها اللغة الأولى في العالم· وأنهت اللجنة عملها بتقديم تقرير للرئيس بوتفليقة محوره فرنسة المدرسة الجزائرية لـ''رفع مستواها التعليمي''! وشن التيار الوطني العروبي حملة قوية على ''تقرير بن زاغو''، وقال إنه تقرير إيديولوجي لاعلاقة له بالتفكير البيداغوجي الموضوعي ولا بالتجارب الإصلاحية الناجحة في العالم، ويرمي إلى تكريس الهيمنة اللغوية والثقافية الفرنسية على الجزائر والتأسيس لتكوين أجيال جديدة تخلفها وتحافظ على هذه الهيمنة سنوات طويلة أخرى· وفشلت كل مساعي الوطنيين وأنصار العربية في الجزائر عن ثني بوتفليقة عن تطبيق ما أسموه''تقرير الزيغ'' إذ كان بوتفليقة يبدي ميلا واضحا إلى التيار الفرنكفوني في السنوات الأولى لحكمه وكان كثير الحديث باللغة الفرنسية في خطبه، كما قرّب إليه ''التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية'' وهو حزب بربري فرنكفوني ينادي بـ''الإنتماء المتوسطي'' للجزائر ويرفض إنتماءها العربي الإسلامي، وأدخله الحكومة في سنة ·2000 فشل سريع وبدأ تطبيق ''إصلاحات'' بن زاغو في سبتمبر 2001 عن طريق استبدال المدرسة الأساسية بـ''المدرسة الإبتدائية''، وفي سبتمبر 2002 شرع في تدريس الفرنسية لتلاميذ الثانية إبتدائي وهم أطفال في السابعة من العمر لايكادون يكتبون جملة صحيحة بلغتهم الأم· وقد لاحظت ''الاتحاد'' أن مقررات اللغة الفرنسية تفوق القدرة الاستيعابية للأطفال بشكل ملحوظ، واشتكى معلمو الفرنسية من عسرها والصعوبات الجمة التي يلاقونها لتبسيطها للتلاميذ وطلبوا من الأولياء مساعدتهم بتدريسها لأبنائهم في المنازل، إلا أن الأولياء اشتكوا بدورهم من صعوبة الدروس· وآلت التجربة إلى الفشل بعد عامين فقط من بداية تطبيقها، واعترف وزير التربية الجزائري الذي كان من أشد المدافعين عن تقديم تدريس الفرنسية إلى الثانية إبتدائي بأن كل التقارير المرفوعة إليه أكدت فشل التجربة، وقال الوزير إن القرار كان ''متسرعا'' ونتاج ''سوء تقدير للأمور''، وأعلن تأخير تدريسها إلى الثالثة ابتدائي بداية من الموسم الدراسي المقبل· ويتنبأ أنصار العربية بفشل باقي ''إصلاحات'' بن زاغو ووصولها إلى طريق مسدود بسبب تنكرها السافر للهوية العربية الإسلامية للجزائر من جهة، وتحيزها المفضوح للفرنسية لأسباب إيديولوجية لاعلاقة لها بالحداثة والعصرنة التي يتشدق بها التيار الفرنكفوني الجزائري من جهة أخرى· ويرى أنصار العربية أن القرار الأخير لبن بوزيد بمثابة أول انتصار لأطروحاتهم، ويقول المفكر والباحث د·عثمان سعدي لـ''الاتحاد'' بهذا الصدد إن تدريس أية لغة أجنبية لتلاميذ الإبتدائي يعد خطأ ولايفيد التلاميذ في شيء· ويستند د· سعدي إلى دراسة كويتية حديثة أكدت أن كتابة التلاميذ العربية من اليمين إلى اليسار ثم كتابة لغة أجنبية من اليسار إلى اليمين في مرحلة تعليمية مبكرة يشوش أذهانهم ويجعل اللغات تختلط عليهم فلا يتقنون هذه ولاتلك· ولذلك يمنع في الدول الغربية عدا سويسرا، تدريس أية لغة أجنبية في المرحلة الإبتدائية التي تُخصص فقط لإتقان اللغة الأم· ويؤكد سعدي أن المثالين السويسري واللبناني في التدريس المبكر للغات الأجنبية لايمكن أن ينجح في الجزائر لمحدودية انتشار التعليم فيها مقارنة بهذين البلدين؛ حيث يلعب الأباء دورا محوريا في تعليم أبنائهم اللغات الأجنبية· تراجع طفيف ويقلل متتبعون من أهمية قرار بن بوزيد ويقولون إنه نصف إنتصار للعروبيين في حرب طويلة الأمد؛ فالفرنسية تراجعت سنة واحدة إلى الوراء ولكنها لاتزال اللغة الأجنبية الأولى في المدرسة الجزائرية، والإنجليزية التي أدخلها وزير التربية الأسبق أحمد بن محمد في بداية التسعينيات إلى الخامسة ابتدائي، أُبعدت مجددا إلى الأولى متوسط بعد إبعاد الوزير نفسه، مما يعني أن مطلبهم بتقديم تدريس الإنجليزية بدل الفرنسية، لايزال بعيد المنال، وأمام أنصار العربية وقت طويل لتحقيق هدفهم في إقامة منظومة تعليمية وطنية متشبثة بالهوية العربية الإسلامية ومواكبة للمعارف العصرية عبر إدخال الإنجليزية كلغة أجنبية أولى على غرار باقي الدول العربية·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©