الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكاتبة الخليجية فريسة المحاباة أو العداوة

الكاتبة الخليجية فريسة المحاباة أو العداوة
26 أكتوبر 2017 13:51
«الأدب النسائي» بمعناه الاصطلاحي أو التاريخي ليس غايتنا في هذا التحقيق، فقد جرى حبر كثير بين الداعين إليه ورافضيه منذ شاع في أدبيّات الفكر الغربيّ، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، منطلقاً من نظرة عنصرية، تنظر إلى إبداع المرأة نظرة دونية، وتلغي كل جوانبه لتحصره فقط في محيط الأنوثة.. لكن بين ثنايا المصطلح ما يشير إلى موقف عام تتخذه المجتمعات من كتابة المرأة، يبقى، رغم التفاوت بين مجتمع وآخر، انعكاساً لموقف مجتمعي يميز بين الرجل والمرأة على الصعد كافة، ويأتي الأدب الذي تكتبه المرأة انعكاساً لمثل هذه الممارسة المجتمعية، وهو من أبرز ما يواجه إبداع المرأة الخليجية ويعيدها إلى مساحات ضيقه أمام الانفتاح الثقافي، فرغم تطور الأعمال الأدبية والثقافية فإن بعض الأديبات الخليجيات يطمسن هويتهن بألقاب أو بعدم ذكر أسماء عائلاتهن مراعاة لقيود اجتماعية، فيما يواجه بعضهن الآخر تلك التحديات مستعينات بالإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي، لكن ذلك كله لا ينفي حضور أصوات متميزة لكاتبات خليجيات، ترسخت تجربتهن، وكرّمن على المستوى الدولي ولا زالت هناك تجارب رائدة قامت منذ عقود في الخليج ولا زالت مستمرة... ما معوقات الكاتبة الخليجية؟ كيف ينظر المجتمع إلى كتابة المرأة؟ هل تحظى بالدعم وإلى أي حد؟ لماذا يتهم هذا الأدب الذي تكتبه المرأة بالذاتية، وما مدى صحة هكذا تهمة؟ ما آفاق هذا الأدب وكيف السبل إلى تقديمه للعالم؟ في هذه الإجابات سنعثر على مواقف متباينة للكاتبات الخليجيات المشاركات في هذا التحقيق، لكنهن يجمعن على أهمية المنجز الإبداعي للكاتبة الخليجية، وعلى ضرورة قراءته بمنهجية نقدية علمية، لا تبحث في الكاتبة، بل في النص، وثمة شعور شبه متفق عليه بأن هذا الإبداع واقع بين خيارين كلاهما ضار: الاحتفاء المبالغ به رغبة في تشجيع الكاتبة أو الرفض والتقليل من شأن المنجز، وهي في الحالين خاسرة.. وثمة من لا يعول على الدعم، ولا يرى أصلاً أن الكاتب بحاجة إلى الدعم، وأن موهبته هي داعمه الأكبر، وأن الجدية في التعاطي مع الكتابة ستجعل الأدب عامة يقف لوحده دون حاجة لأكف الداعمين.. أما معوقات الكتابة فهي متنوعة، ومتعددة، وتتفاوت من مجتمع لآخر ومن كاتبة لأخرى... مصطلح غير بريء تقول الناقدة والكاتبة والشاعرة الكويتية سعدية مفرح: لست أعول على حكايات الدعم للأدباء والأديبات. الموهبة وحدها تكفي. ذلك أن الدعم الرسمي أياً كان مصدره سيكون مظنة للوصاية المباشرة أو غير المباشرة. ورغم أن موضوع ما يسمى بالكتابات النسوية وأدب المرأة قديم، وسبق إثارته كثيراً فإن هذا لا يمنع من التفكير والكتابة فيها مجدداً ودائماً لأنه موضوع على قدمه فهو متجدد أيضاً بتجدد الأفكار المجتمعية تجاه المرأة وقضاياها بشكل عام وتجاه الإبداع الذي تنتجه المرأة أياً كان نوعه بصفتها الإنسانية ثم بصفتها الجنسوية. &rlmوعليه أستطيع تكرار ما سبق أن قلته بأن مصطلح القلم النسائي أو الأدب النسوي مصطلح قديم جديد، وغالباً ما يتداوله الكثيرون في سبيل تهميش تجربة المرأة في الكتابة والنظر إلى معطيات هذه التجربة بدونية، حتى وإن كان ذلك بطريق غير مباشر. &rlmوعلى الرغم من أن الكثير من الأديبات يرفضن هذا المصطلح للأسباب التي ذكرتها ولتاريخ هذا المصطلح غير البريء فإن هذا لا يمنع من أننا نلاحظ بعض الخصائص التي تتميز بها القصيدة التي تكتبها المرأة وهي خصائص تتجاوز الفردية الإبداعية غالباً. &rlmعلى صعيد آخر أنا لا أفترض بأي كاتب حقيقي (بغض النظر عن جنسه)، أن يوفر أي فرصة متاحة للتعبير عما يجول في ذهنه من موضوعات بشكل صادق وحر وشفاف ومبدع، ولكن هذا كله بالطبع يعتمد على مدى موهبة هذا الكاتب، وطرائق الكتابة لديه، وأدواته الشخصية ليس في الكتابة وحسب، بل في إيصال هذه الكتابة إلى الآخر سواء أكان هذا الآخر قارئاً بصفته المفردة والمستقلة، أم أنه مجتمع معين. وفي هذه الحالة تبرز على السطح الكثير من العقبات والمحاذير التي يتعامل معها كل مبدع بطريقته الخاصة. &rlmوأعتقد أن الكتابة بشكل عام بالنسبة لأي كاتب هي ضرورة للتعبير الذاتي، ولكن الكاتبة العربية محكومة بكونها امرأة أولاً، وهي تحاسب على هذا الأساس أولاً حتى على صعيد النقد الذي يقوم به نقاد مختصون يفترض أنهم ينقدون النص وشروطه الفنية بعيداً عن جنس كاتبه إلا لاقتناص الدلالة المعنوية المفترضة من خلال ذلك. &rlmولا بد أن يتأثر النص الإبداعي للمرأة بثقافة المجتمع الذكورية التي نشأت عليها. نحن كلنا نتيجة مباشرة لثقافة مجتمعاتنا ولكن باختلافات تخضع لطريقة تعاطي كل منا مع هذه الثقافة رفضاً أو قبولاً أو تجاهلاً لها أو تحايلاً عليها، وبالتالي تختلف شخصيات كل منا، ويظهر هذا الاختلاف بوضوح أشد في حالات الكتابة والإبداع. مدعومات بقوّة وترى الناقدة البحرينية الدكتورة ضياء عبدالله خميس الكعبي أستاذة السرديات والنقد الأدبي الحديث بجامعة البحرين، أن المعوقات التي تواجه المبدعة الخليجية تتفاوت وفقاً للمبدعات أنفسهن ومدى قوة حضورهن وتسويقهن الذاتي الثقافي خليجياً وعربياً وعالمياً، وتستدرك قائلة: «قبل أن أتحدث عن المعوقات التي تواجه المبدعة الخليجية دعيني أتحدث أولاً عن قوة الدعم المقدمة من بعض المؤسسات الثقافية الخليجية الحكومية في أكثر من دولة خليجية. هناك مؤسسات حكومية ثقافية خليجية دعمت وبقوة المرأة المبدعة الخليجية خاصة في إصداراتها الأولى من خلال التكفل بطباعة الإصدار الأول وترويجه وتسويقه ثقافياً في المعارض الخاصة بالكتب، ومحاولة الشراكة الثقافية مع النساء المبدعات الخليجيات في بعض المشاريع الثقافية الرسمية خاصة المشاريع ذات الطبيعة النسوية الثقافية. وفي خطوات ثقافية قوية جداً جرت ترجمة بعض النتاجات الثقافية الإبداعية لنساء خليجيات إلى بعض اللغات الحية العالمية، كما أنَّ عدداً من المبدعات الخليجيات حظين بتمثيل دولهن الخليجية ثقافياً في ندوات وفعاليات ثقافية خارجية، وهذا لم يتم إلا من خلال الدعم الرسمي الثقافي الحكومي، ولكن مثلما ذكرتُ يتفاوت هذا الدعم خليجياً في قوته بين دولة خليجية وأخرى ووفقاً للسياسات الثقافية، ولذلك من أصعب المعوقات التي لا تزال تحتاج إلى دعم قوي هو تسويق نتاج المرأة الخليجية المبدعة الثقافي عالمياً كي تحصد أبرز الجوائز العالمية وفي مقدمتها جائزة نوبل للآداب وجائزة البوكر العالمية وغيرهما وكي يحظى أدبها كذلك بتمثل عالمي يليق بنتاجها الإبداعي. وترفض ضياء الكعبي ما يقال عن كون المرأة الكاتبة في الخليج تكتب أدباً ذاتياً فقط، وتضيف: إن الإبداع يفرض نفسه فرضاً بغض النظر عن جنس مبدعه، أي بغض النظر عن الجندر أو الجنوسة الثقافية، وعلى النقيض من هذا الكلام أجد أن نتاج المرأة الخليجية المبدعة ثقافياً قد أسهم وبقوة في حضورها خاصة فيما يتصل بالإبداع الروائي، ولكن أتمنى أن يتجاوز المتلقون من القراء وبعض النقاد حدود النظرة إلى إبداع المرأة الخليجية فقط للبحث عن المسكوت عنه أو من أجل القراءة التلصصية فقط، فهناك قدر كبير من نتاج رصين للمرأة الخليجية تخلّق عبر عقود وهو نتاج جدير بالبحث والقراءة والنقد بعيداً عن المسكوت عنه أو دوائر المحرمات التي يغرم البعض بتتبعها في نتاج الكاتبات بالذات بحثاً عن قراءة مطابقة بينهم في الواقع وبين ما يكتبنه، ومن يتهم المحيط الخليجي بتذويت المرأة ينطلق أساساً من فكر نمطي stereo type يصدر في مرتكزاته من وصف الثقافة الخليجية بأنها ثقافة البترودولار، وبأنها متخلفة ثقافياً مقارنة بنظيراتها العربيات. وهذه كلها أوصاف تبخيسية ونظرة جائرة غير حقيقية، فعدد كبير من المثقفين الخليجيين نساءً ورجالاً يصدرون عن رؤية حضارية واعية ومنفتحة وقائمة على التعدديات الثقافية القائمة على التواصل الثقافي مع الآخر أياً كانت تمثيلاته الثقافية الحضارية. وأنا هنا لا أتكلم عن يوتوبيا خليجية ثقافية فاضلة، وإنما ينبغي علينا بالفعل أن ننظر إلى الجوانب والتمثيلات الخليجية الثقافية المشرقة والفاعلة وبقوة. وأرجو بالفعل أن نخرج من تلك الثنائية المنمطة: مركز في مقابل هامش، فالمثقفون الخليجيون لم يكونوا ولن يصبحوا هوامش ثقافية عربية مطلقاً. فهم كانوا ولا يزالون فاعلين ثقافيين وبقوة في المشهد الثقافي العربي. أما دعم الإبداع النسوي الخليجي فيتم، وفق رأي ضياء الكعبي، من خلال التسويق الثقافي للمبدعة الخليجية الذي يتحقق عبر تكثيف إنشاء قنوات ثقافية فضائية خليجية تعُنى بالمنجزات الثقافية للمبدعة الخليجية. والعناية بتسويق نتاج المرأة المبدعة خليجياً في وسائل التواصل الافتراضي. وتسويق نتاج المرأة المبدعة الخليجية من خلال المؤسسات الثقافية الرسمية وغير الرسمية من أجل التمكين الثقافي لها في مختلف المجالات، والعناية بترجمة نتاج المبدعة الخليجية إلى مختلف اللغات الحية العالمية. وتكثيف إنشاء ملتقيات ثقافية عربية وخليجية نسوية. ودعم حصول المرأة المبدعة الخليجية على جوائز عالمية. مجتمع ذكوري وتلفت الشاعرة البحرينية نادية الملاح إلى أن «الأديبة الخليجية كسواها من الأديبات على امتداد الوطن العربي، يمكن أن تتلخص مجمل المعوقات التي تعترضها في الموروث الثقافي وتراكمات التقاليد»، وتفسر قائلة: في المجمل تصطدم المرأة بمجتمع ذكوري، فيه من الصرامة والأنانية ما يعمل على كسر محاولاتها ووأد كينونتها، وغالباً ما تكون المرأة هنا أمام مفترق، فإما أن تجد من يتبنى نتاجها بشكل مبالغ فيه حتى يضعها في دائرة وهمية من القدرات والإمكانات الخارقة ويُشعرها بأنها تمتلك حبراً سحرياً، وإما أن تتصادم مع من يبذل جهده لإحباطها وجرها إلى دائرة مظلمة من الضعف وعدم الثقة في نفسها، فإذا لم تكن الأديبة قادرة على المواجهة في كلتا الحالتين فسوف يكون مصيرها التلاشي بعد عتبة أو عتبتين. النظرة للمرأة لا زالت ناقصة، والأديبة الخليجية أمامها تحديات كبيرة وكثيرة ولا شك أنها قادرة على إثبات ذاتها أمام كل تلك المعوقات مهما اختلف مسماها. وفي ما يخص الدعم، تضيف نادية الملاح أنه مرتبط تماماً بما ذكرته من معوقات، «إلى جانب نقطة أراها مهمة جداً ألا وهي أن الدعم مبني دائماً على العلاقات الشخصية، فبقدر التعارف والبروز في الأماكن العامة والمحافل، وبناء العلاقات الخاصة يكون الدعم، وما عدا ذلك تبقى الكثير من التجارب النسوية طي الأدراج في ما تبرز نتاجات ليست ذات قيمة وربما لا صلة لها بالأدب في أحايين كثر، والمحك هو حجم العلاقات الشخصية». وتؤ كد نادية الملاح أن من يتهم الأدب الخليجي بتذويت المرأة يخطئ، لأنه أمر تنضوي تحته كل المجتمعات على اختلاف أجناسها وثقافاتها، تقع المرأة هنا فريسة بين المحاباة وبين العداء، وهي خاسرة في الحالتين إذا لم تتمكن من إيجاد حالة اتزان داخلية تدفعها لتجويد منتجها الأدبي والنظر فيه عن كثب دون أن تجعل حواسها مطواعة بأيدي المتملقين أو المدمرين. المثقف الحقيقي، الأديب الحقيقي، هو ذلك الذي يعمل على بناء ذاته، رجلاً كان أو امرأة، وألا يجعل من استنارته برأي الآخرين حالة من التبعية العمياء، أو التماهي الأحمق. المحيط الخليجي جزء من المحيط العربي، الذي هو بدوره جزء من المحيط العالمي، وحالة البداوة الفكرية لا تنحصر في العقول الخليجية وحسب، بل هي أمر ممتد لا يحده حد. أما بخصوص سبل تقديم المنجز الأدبي للكاتبة الخليجية للعالم، فأرى أن الحل الوحيد هو تغيير النظرة للمرأة، فلم يعد من الممكن في ظل كل هذه الظروف والمتغيرات أن تظل النظرة للمرأة بهذا النقص. لا بدّ للمرأة أن تعمل على تغيير تلك الرؤية بنفسها، ولا بدّ لها أن تخلق لوجودها معنى يتلاءم ومستوى الفكر الذي تتمتع به، والأفكار التي تسعى لطرحها، كي تثبت لمجتمعها أنها قادرة على أن تبلور أفكارها في منتج ثقافي ولو بحثاً أو ورقة عمل دون أن تحتاج لأن يكون لها عصا تتكئ عليها، أو شخصاً ينفث فيها من هواء تجاربه ونتاجاته، المجتمع بحاجة لوعي والمرأة مسؤولة عن بث ذلك الوعي بشكل أو بآخر، متى ما قدمت منتوجها الأدبي المستقل تماماً بكل ثقة راضية عن إيجابياته ساعية إلى تقويم سلبياته. جدية ورصانة وترى الروائية السعودية فاطمة عبد الحميد أن الكاتبة نفسها وموقفها من الكتابة هما الفيصل، تقول: أول المعوقات وأهمها «هي نفسها».. إذا تجاوزت الشك الأول، وخوفها من نظرة الناس لها ومن السؤال الشهير: «ماذا سيقول الناس عني؟» فستجتاز أي معوق آخر، ليس بيسر تام بالطبع، ولكن على الأقل ليس بصعوبة تخطيها لخوفها الأول. أما بخصوص دعم المرأة فأرى أن المؤسسات ليست بالكفاءة المأمولة لتشكل دعماً حقيقياً للمرأة في السعودية. وتعترف فاطمة عبد الحميد أن البعض بالفعل يتعامل مع كتابة المرأة أياً كانت جودتها بحفاوة مبالغ فيها، بدافع حسن النية والدعم غالباً، ولكنني أجده دعماً ضاراً لها بالمقام الأول، فالدعم الحقيقي والمنشود هو النقد الصادق المتمكن من الأدوات، والمستعرض لجوانب الضعف والقوة في العمل، نحن لن نتعلم ما لم ندرك أخطاءنا، الدعم المتغاضي هو بمثابة حقنة موقفة لنمو إبداع المرأة، إن لم يكن قاتلاً للموهبة. الدعم في كل مكان وزمان بنظري هو: ما تقدمه هي لنفسها: هاجسها بفكرة ملحة، هَمٌّ حقيقي تحمله والكتابة بالنسبة لها منفذه الوحيد، تجويد الكتابة، الجدية في تعاطيها، حب الكتابة في ذاتها لا التسلق على ظهرها... هذه الجدية تحديداً ستجعل الأدب عامة بكل فروعه يقف لوحده دون حاجة لأكف الداعمين. أنتِ لا تمسكين بطفلك حين يتعلم المشي، بل تسلمينه لقدميه ليركض بهما، ويقع بهما، ينجو ويُجرح بهما أيضاً، حتى يتمكن من مشيته ووقفته الصحيحة، على المرأة أن تعتني بداخلها وبوعيها وبذوقها في القراءة وبمخرجات القراءة، بثقافتها التي كونتها. وألا تنتظر الدعم إلا من نفسها. الكتب صارت تجارة وترى الروائية السعودية أمل الحامد بأن المرأة الكاتبة لا تواجه اليوم أي معوقات، وتشرح قائلة: صدقاً لا يوجد هناك معوقات وتحديداً في وقتنا هذا، لأن إصدار الكتب أصبح تجارة!. ونادراً ما تجد روايات وقصصاً ذات محتوى عميق ويرسخ في ذاكرتك! لكنها متوفرة وتباع لأن صاحبها أحد مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي! بعكس المثقف الحقيقي الذي له عدد محدود جداً من المتابعين. أما عن الدعم ففي السعودية هناك دعم من النوادي الثقافية وبعض المبادرات مثل: مبادرة ضياء الثقافة حيث تعقد ندوات لمناقشة إصدارات الكتاب، وهناك برامج الإذاعة والتلفزيون «الحكومية» مثل القناة الثقافية السعودية. ورداً على من يتهمون الكتابات النسائية بالذاتية، تقول: برز الكثير من الأصوات الخليجية في عالم الأدب خصوصاً في مجال الرواية والقصة، منهن على سبيل المثال لا الحصر، الدكتورة بدرية البشر وبثينة العيسى وأسماء شابة كثيرة. ربما كان هناك بعض التضييق على الانفتاح الإبداعي لها حتى وإن كان هذا الانفتاح في حدود العادات والتقاليد العربية، إلا أنني أرى، مع كثرة قنوات وسائل الاجتماعي، أن صوت المرأة وصل وعلى أغلب الأصعدة وليس أدبياً فقط. أما في ما يتعلق بأفضل سبل تقديم هذا الأدب للآخر وتعريفه به، فيمكن الإشارة إلى معارض الكتب وأهمها معرض الشارقة الدولي للكتاب والذي يعتبر من أهم المعارض في الخليج العربي، وعن طريق عقد الندوات، وزيادة الوعي عبر أكثر من منبر كبرنامج يوتيوب تتم ترجمته بعدة لغات لتوعية العالم بأن المرأة الخليجية أديبة وشاعرة تضاهي الأديبات على مستوى العالم، وطرح المشاكل التي تواجه الأدب النسائي عبر هذه البرامج في وسائل الإعلام المرئي والمسموع، وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي. باختصار العالم أصبح مفتوحاً جداً ولله الحمد، وأصبحنا أكثر وعياً وإدراكاً لقيمة فكر المرأة، واستيعاب أنها ذات مخزون فكري وثقافي عميق. وترفض الكاتبة السعودية رحاب أبو زيد الفصل بين الهموم الثقافية النسائية والرجالية قائلة: على الأقل نلتقي في المنطقة هنا كنساء ورجال لكن لا زالت وزارة الثقافة السعودية لا تدعم بالشكل المطلوب المثقف السعودي في النشر أو جهود الترجمة التي تلعب دوراً مهماً في بناء الجسور بين المثقف السعودي والخليجي وبين العالم الغربي. على صعيد الترجمة، مثلاً، هناك فقط المؤسسات الخاصة كمؤسسة الملك فيصل والجائزة السنوية للترجمة، وعلى مستوى الخليج توجد جائزة الشيخ زايد للكتاب، ومؤسسة فكر التي بدأت بطرح الجوائز لدعم الإبداع العربي. لا أعرف مدى الجهد الذي تبذله المؤسسات لدعم الكاتب المستحق للجائزة ولكنها تشترط تقديم المبدع لنفسه أو دور النشر، وعليه، من لا يسعى لتقديم نفسه من المبدعين لا يستحق التكريم، لذلك لا بد من تكثيف الجهود وتكوين فرق لترشيح من يستحقها، وفرق تبحث عن الإصدارات الجديدة وقراءتها للتفريق بين الغث والثمين. تمييز تعتبر الكاتبة والشاعرة الإماراتية خولة الطاير أن التمييز هو أهم العقبات التي تواجه المرأة الكاتبة في الخليج، وتقول: في الآونة الأخيرة برزت أسماء كثيرة في عالم الأدب والكتابة. أقلام نسائية تتسم بالجمال والفكر المتسع. أقلام قالت (أنا) وسُمعت ممن حولها، ورسخت لها أساساً قوياً بفضل سعيها الدؤوب في تقديم الأفضل.. ولكن ما زالت هناك بعض المعوقات التي تواجهها الأديبة الإماراتية لعل أبرزها يتجسد في التمييز بينها وبين الرجل على صعيد الكتابة الإبداعية، حيث يغيب عن عقول بعضهم مستوى الإبداع الذي تقدمه. ثمة من يعتقد بأن (المرأة مرأة.. والرجل رجل)، الأمر الذي يهمش فكرها، وإبداعها، وكتابتها، بل وهناك من ينظر إلى فكرها على أنه فكر قاصر لا يرقى لمستوى الرجل. كما أن هناك فئة من المحبطين ذوي التدخلات والنقد المستفز لكل ما تقدمه المرأة، مما يحبط بعض الكاتبات ويجعلهن يبتعدن عن هذا العالم، وبعضهن ما زلن يحفرن في الصخر من أجل إثبات الذات مهما كانت العواقب. الأمر الثالث الذي يقف حجر عثرة وتواجهه الكاتبة هو البيئة المحيطة بها وقمع حريتها، فالأسر المتحفظة قد لا تسمح للمرأة بالظهور في المجتمع الكتابي الأدبي أو قد تقيدها في ما تكتب، فبعض العقليات ما زالت ترى أن الشعر  مثلاً  هو حصر على الرجال دون النساء، فكتابة قصيدة غزلية قد تجعلها محط تساؤل أو اتهام: لمن تكتب ولماذا؟ وإن كتبت رواية يجري فحصها وتمحيصها: من تعني بشخوصها أو هل تكتب عن أحداث شخصية تمسها هي؟، وعوضاً عن الاستفادة من ذلك الأدب والفخر به توجه لها أصابع الريبة والشك، وهذا أيضاً يبعث في نفسها نوعاً من التردد والقلق وفقدان القدرة على المقاومة ومن ثم الابتعاد. أما الشق المتعلق بالدعم المقدم لها من المؤسسات الحكومية الثقافية فإنني أرى أن هناك دعماً متواضعاً مقارنة بالرجل، فهناك بعض الشروط التي قد تحول دون حضورها الملتقيات الأدبية واللقاءات الثقافية، ما يجعلها، بالتالي، تتخلى عن تلك اللقاءات لأنها قد تعجز عن تحقيق مثل تلك الشروط. وفي ما يخص الأدب النسائي تضيف خولة الطاير: لا أحبذ استخدام مصطلح أدب رجالي وأدب نسائي. أنا أؤمن بوجود الموهبة والفكر والإبداع سواء كان من الرجل أم من المرأة، وما يفرق بينهما هو الأسلوب فقط، الذي يتسلل بين سطور الكتابة فيفرض جزءاً من شخصية الكاتب أو الكاتبة في النصوص.. والكاتبة الخليجية شقت طرقاً وعرة وحفرت اسمها حفراً.. لأنها أظهرت ثراءً ثقافياً ومعرفياً عالي القيمة وتطوراً في جميع مجالات الأدب، وخاضت غمارها جميعاً.. ولكن ما زالت تعاني من رؤية البعض لها بأنها لا تخرج عن مضمون المرأة النمطية وحصرها في تلك الزاوية على الرغم من أن نتاجها يتسم بالرصانة والجدية.. لكنني متأكدة أن الأديبة ستواجه التحديات بإصرار لتنطلق في هذا الفضاء الرحب.. وأعتقد أنه حتى لو افترضنا وجود بعض المحاولات لتهميش الكاتبة أو عدم الاعتراف بها فإن وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة قد خدمت المواهب بشكل كبير وأخرجتها من حيّز المحلية إلى الإقليمية وحتى العالمية. وتؤكد خولة الطاير أن الكاتبات يحتجن دعماً وتشجيعاً من النقاد والمؤسسات الثقافية وتسليط الضوء عليهن، والتركيز على نصوصهن الأدبية ولغتهن العميقة بغض النظر عن جنسهن... ما تكتبه الكاتبات يحتاج لعناية خاصة من لدن المعنيين. بلادنا فيها الكثير من الحراك الثقافي ولا نريد أن تكون المرأة في المركز الثاني أو ظلاً مخفياً للرجل.. بل نريدها جنباً إلى جنب في هذا المجال. لا معوقات وتنفي الكاتبة الإماراتية لطيفة سعيد الحاج وجود أي معوقات، خصوصاً في هذه المرحلة، وتقول: لا توجد اليوم أي معوقات. هناك دعم للكاتبة مثلما هناك دعم للكاتب، حسب ما نرى ونقرأ من إصدارات، سواء في الإمارات أو على مستوى الخليج. أما عن كون الإبداع الخليجي النسائي ذاتياً فلا أعتقد أن هذا الاتهام صحيح، والفكر الغربي الذي يتهم المحيط الخليجي بعزل المرأة وكتابتها ليس على اطلاع بالوضع الحالي. الكاتبات الخليجيات يحظين بفرص وافرة للمشاركة في المسابقات والندوات والمهرجانات، ويعبرن بكل حرية عن آرائهن سواء عن طريق الكتابة أو التحدث في اللقاءات والندوات. أما بخصوص تسمية الأدب النسائي، لا تروقني التصنيفات وفصل الأدب الذي تنتجه الكاتبات عن الأدب الذي ينتجه الكتاب. الأدب لا جنس له، والكاتبات اللاتي يثبتن تميز ما يقدمنه من إنتاج لسن في حاجة للتفكير في المعوقات والحلول لدعم أدبهن. الكتاب المبتدئون من الجنسين هم الذين في حاجة للدعم، أما الأدب الذي تقدمه المرأة الكاتبة الخليجية فهو كما أعتقد في مكانه الصحيح. الأنثى عورة وتذهب الكاتبة العمانية إشراق النهدي إلى أن المعوقات تكمن في الأسرة والمجتمع، وتوضح: ثمة صعوبة في أن تتقبل الأسرة أن تكتب الأنثى، سواء أكانت هذه الأنثى أماً أو ابنة أو زوجة، فالكتابة بشكل عام تقدم المرأة للمجتمع وتقدم قلمها بشكل معلن، عن طريق نشر كتاباتها مصحوبة بالصورة أو بالاسم الكامل، وبعض المجتمعات تعتبر الكشف عن اسم أو هوية المرأة كاملة عورة. ثمة خجل أو شعور بالاستحياء عند الإشارة إلى الروابط المتعلقة بالكاتبة من حيث إن الرجل قد يكون أب الكاتبة أو زوجها أو أخاها، ونسبة الرجل للكاتبة يجعله يشعر بالدونية. كما أن الأسرة أحياناً تعتبر القراءة واقتناء الكتب مضيعة للمال والوقت وهدر للصحة. فما بالك بالكتابة. ومن المعوقات أيضاً النضج المتأخر الذي يجعلنا أحياناً نكتشف موهبة الكتابة بشكل متأخر، خاصة في حال عدم وجود تشجيع من داخل الأسرة أو خارجها. نحتاج أحياناً إلى من يشير إلى مواهبنا. المجتمع الخليجي لا يتتبع الهبات الربانية التي تأتي على شكل موهبة بشكل صحيح، وإن حدث فإنه يكون بشكل نادر. وعن دور المؤسسات الثقافية في دعم المرأة الكاتبة والتعريف بإبداعاتها، تضيف قائلة: أظن أن على المؤسسات الحكومية والخاصة توعية المجتمع بأهمية الأدب على كل المستويات، سواء أكان صادراً عن امرأة أو رجل، خاصة أن الأدب النسوي أقرب للطفل فكلما زادت ثقافة الأم زاد التحصيل الأدبي للطفل. إضافة إلى أن مسؤولية الجهات الحكومية هي رعاية الإرث الإبداعي ورصد المواهب وتتبعها بعمل ورشات وحلقات تدريبية لصقلها وتنميتها. والعمل على توفير فضاءات لجمع هذه الأقلام الأدبية فيحدث تبادل المهارات والخبرات بينها. وهناك مسؤولية الإعلام الذي يتوجب عليه تسليط الضوء على الإبداعات النسائية في كل المجالات، ولا شك في أن تقديمها بشكل محترم كفيل بإقناع المجتمع بمدى جودتها. أما دور النشر فعليها مهمة السعي لترجمة الكتب بمبالغ معقولة إلى عدة لغات، وذلك لنشر الأدب العربي النسائي على مستوى أوسع بحيث يتحقق التعريف والانتشار للكاتبة الخليجية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©