الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

ثقافة السلام في مواجهة التسلح النووي

23 يونيو 2006 01:25
عرض - د· سلمان كاصد: ماذا نريد في القرن الأول من الألفية الثالثة هذه ؟ سؤال قد نسأله لأنفسنا، محاولين الاجابة والوصول الى نتيجة منطقية مفادها ألا نكون ضحايا، أسلحة الدمار الشامل في غمار حروب يخلقها أناس يمكن لنا ان نتوصل الى تقييم موضوعي لمشكلتهم أو أزمتهم مع العالم، من أجل استبصار رؤيتهم لهذا العالم التي - بالضرورة - ليست رؤيتنا نحن· لقد صرحت لجنة كازيتلي التي كان يرأسها وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية السابق سايرس فانس والدكتور ديفيد هامبورك بوضوح تام عن هذا الأمر عندما قالت: إن لم نستطع ان نتعلم كيف نتكيف ونتعايش مع بعضنا البعض باحترام في القرن الحادي والعشرين فقد نهلك بعضنا البعض هلاكاً مدمراً لا يبقى من الجنس البشري إلا قليلاً· تلك هي المشكلة التي يتناولها كتاب ''أوقفوا الحرب·· إزالة النزاع في العصر النووي'' للكابتن روبرت هندي وجوزيف رتبلات والذي قدم اليه روبرت مكنمارا وزير الدفاع الاميركي ابان الحرب الفيتنامية· الكتاب لا يعنى بتوضيح نتائج الحرب في الدرجة الأولى وانما بتوضيح كيفية الغاء الحرب أو على الأقل كيفية تقليص خطر اندلاع الحرب وتفاديها، يشير المؤلفان الى عدة طرائق ينبغي اتباعها وبرغم عدم وجود طريقة واحدة يرجح ان تكون كافية بذاتها، فهما يؤكدان على ان الاعتراف بسلطة منظمة الأمم المتحدة ينبغي أن يكون هو الأهم· نزاع المصالح على مر القرون كان الرأي الشائع ان الحرب تشكل طريقة مقبولة لتسوية نزاعات المصالح وهذا لا يعني انها كانت تعتبر الطريقة المفضلة دائماً، وانما كانت الطريقة الأسرع كان المبدأ السائد: ان لم تستطع الحصول على ما تريده بواسطة التفاوض فحاول استخدام القوة· لكن الحالة لا ينبغي ان تبقى على ما كانت عليه دائماً في السابق فهناك عدة أسباب تجعلنا نفكر بأن الحرب لم تعد وسيلة مقبولة لحل الخلافات· لعدة أسباب منها انها مروعة تقضي على كل مساعي الإنسانية واليوم أصبحت النتائج اسوأ بكثير مما كانت عليه· ان اختراع أسلحة الدمار الشامل - الأسلحة الكيميائية وأشكال حديثة من الأسلحة البيولوجية والأسلحة النووية - معناه ان الحرب سوف تكون أكثر تدميراً· في الماضي كان المقاتلون يذهبون الى الحروب وهم يعتقدون انها مسألة منفصلة لا شأن لأحد سواهم بها، لم يعد الأمر كذلك الآن، فالتكنولوجيا العصرية قلصت المسافات كثيرا بين مناطق العالم التي كانت متباعدة جداً في الماضي· وهكذا يرجح ان يكون للحرب أينما اندلعت مضاعفات واسعة الانتشار ولكن الأدهى هو تأثير ذلك على المدنيين الذين لا حول ولا قوة لهم في شن مثل تلك الحروب ناهيك عن اضاعة الموارد التي تستلزمها الحرب العصرية التي بلغت - على سبيل المثال - كلفة صاروخ واحد من صواريخ التجول ذات التحكم الذاتي التي استخدمت بالمئات في العراق مليون دولار وبلغت موازنة الدفاع الاميركية للعام 2003-2004 ما يصل الى 382 مليار دولار أميركي· ومما لا شك فيه فإن هذه الأموال يمكن استخدامها في تحسين الظروف الصحية والتربوية والمعيشية· أما الجانب الاخلاقي في تلك الحروب فيمكن تصوره في نسبة معاناة الأشخاص الأبرياء· وقد نسأل سؤالاً آخر: هل يشكل وجود الترسانات الحربية أيضاً حافزاً لبدء الحرب ؟ بالتأكيد يمكن ان يوظف هذا المفهوم - وجود الترسانات الحربية - تشكل حافزاً لبدء شن الحرب، والأدهى ان الصناعات الحربية توصلت الى انجازات متقدمة في تطوير الاسلحة النووية التي تمتاز بقدرة لم يسبق لها مثيل لا على قتل او جرح المقاتلين فقط وانما أيضاً السكان وأينما كانوا في العالم· العنف والحرب صفتان متلازمتان حيث يؤكد بعض علماء السياسة نظراً لتنوع المجمعات العصرية واختلاف أوضاعها· ان نزاعات المصالح أمر حتمي لكن العنف ليس كذلك· الخطر النووي ان الأغلبية الساحقة من البشر ''حوالى 85 في المئة'' التي تعيش اليوم على سطح الأرض ولدت في العصر النووي وعندما طرح السؤال على مجموعة لاستطلاع الرأي العام وهو ما هي أهم قضية تواجهها بريطانيا اليوم ؟ كانت نسبة الذين اعتبروا قضايا نزع السلاح النووي والاسلحة النووية من بين أهم القضايا تفوق 40 في المئة لذا فإن التهديد الرئيسي يكمن في وجود الأسلحة النووية حيث تحفظ هذه الاسلحة بالآلاف في الترسانات على افتراض استخدامها لغايات الردع، لمنع عدد ملحوظ من شن هجوم علينا الا انها سوف تستخدم عاجلاً أم آجلاً، عمداً أو دون تعمد ولذا يقول مكنمارا ''ان عدم تحديد العلاقة بدقة بين وجود الأسلحة النووية وقابلية الخطأ عند الإنسان سوف يؤدي الى مبادلة نووية''· لقد جرت تذكرة حية للخطر النووي في مايو 2002 خلال الأزمة الهندية - الباكستانية حول كشمير، اذ ان الحرب التقليدية الناشبة هناك قد تشهد تصعيداً يفضي الى مبادلة نووية وتم ايجاد حل لهذه الأزمة ولكنه حل مؤقت وسيبقى الخطر النووي قائماً ما دام النزاع على كشمير مستمراً أو ما دام كلا الجانبين يملكان أسلحة نووية· هذا بالاضافة الى ما تم الابلاغ عنه عن احتمال حيازة الجماعات الارهابية على معدات نووية تهدد بها العالم الغربي وسيستمر هذا التهديد ما دامت الاسلحة النووية موجودة· ولكن ما هي قدرة الأسلحة النووية الهدامة ؟ سؤال يجيب عليه المؤلفان بأن الطاقة المتفجرة لقنبلة هيروشيما بلغت حوالى 13 طناً، ففي لحظة الانفجار ترتفع درجة الحرارة في الكرة النارية للقنبلة الذرية الى عشرات الملايين من الدرجات ''أياً كان المقياس المعتمد'' وهذا ما يولد موجة الحر والضوء الذي وصف بأنه ''ساطع أكثر من ألف شمس'' أما الأثر الآخر فهو التعرض الى الاشعاع المؤذي وقد يظهر هذا بطريقتين رئيسيتين إما فورية وإما مؤجلة، الأولى باصدار أشعة جاما وينوثرونات في لحظة الانفجار والثانية تؤدي الى عملية انشطار اليورانيوم أو البلوتونيوم والى انتاج مقادير ضخمة من المواد الاشعاعية ''تكون غالباً أشكالاً متقلبة لعناصر عادية'' والتي تتعفن لتنتج أشعتي بيتا وجاما· يتراوح العمر النصفي لهذه المواد الاشعاعية بين فترة جزء الثانية من الساعة وبضعة ملايين من السنين· يبدو ان التحريض السياسي والايديولوجي هو المحفز على امتلاك هذا السلاح وبالمقابل فإن أول مجموعة عبرت عن معارضتها لاستخدام الاسلحة النووية كانت مجموعة العلماء الأميركيين· وأصدرت اللجنة التي أنشأها هؤلاء العلماء تقريراً يقترح انشاء وكالة دولية لتطوير الطاقة الذرية من جملة مهامها توقيف صناعة القنابل الذرية والتخلص من القنابل الموجودة· وفي أغسطس عام 1949 وبعد مرور أربع سنوات على حادثة هيروشيما طور الاتحاد السوفييتي أول اختباراته لقنبلة نووية ''نسخة دقيقة عن قنبلة ناكزاكي''· وبدا ان الاحتكار الأميركي للسلاح النووي قد انتهى مما أرعب الولايات المتحدة وقرر الرئيس ترومان المضي في تطوير القنبلة الهيدروجينية· واذا كانت طاقة قنبلة هيروشيما البدائية تقدر بمئات الاطنان، فإن القنبلة الهيدروجينية تقدر بوحدة الميكاطن أي ''ملايين الاطنان''· ومن ثم تطورت الى الأسلحة الكيميائية والتي قادت الى الحرب البيولوجية وهي عبارة عن كائنات مجهرية مثل الجراثيم المعدية والفيروسات والفطريات المصممة لتستخدم في الحرب· مراقبة التسلح النووي ان دولاً مثل العراق وإيران وكوريا الشمالية التي اطلق عليها الرئيس جورج بوش اسم ''محور الشر'' تملك القدرة على تصنيع الاسلحة النووية أو انها تنوي القيام بذلك وتكون النتيجة الحتمية انه في حال وجوب منع تصعيد غير محدد، ينبغي ان تتخلص كل الدول التي في حيازتها أسلحة نووية بما فيها الدول الخمس الاصلية من هذه الأسلحة بأسرع وقت ممكن ''ويبدو ان هذا المفهوم على درجة عالية من التبسيط وذلك لأن مهددات هذه الدول الخمس غير فاعلة وغير مسبوقة، وان عملية التسلح النووي لديها تكون بفعل عامل التوازن الدولي أما دول محور الشر كما يسميها بوش فان امتلاكها السلاح النووي لا يتوازن مع رؤيا ما يفكر به قادتها· من الغرابة حقاً ان مؤلفي الكتاب يريان ان من اسباب اثارة الحروب هي الفقر وعدم تحقق المساواة من حيث الدخول وكذلك إفساد البيئة اذ يقولا ''ويمكن لهذه المخاوف اذا ما اقترنت بالفقر والكثافة السكانية، ان تقود الى توكيد الذات العدوانية او الاستسلام لتحكم قادة عديمي الأخلاق''· لذا نرى ان هذه الافتراضات التي يضعها المؤلفان لا تجد لها نسبة عالية من الصحة فلطالما رأينا حروباً في بلدان غنية بسبب دكتاتورية قادتها وبأمزجتهم المعقدة التي لا تخضع لأية مقاييس· وكأنهم لم يستطيعوا ان يبصروا بعمق واقع التدني الحضاري في بلدانهم الذي عليهم الارتفاع به الى مستويات أعلى بفعل ما يمتلكونه من موارد وواقع تحويلهم لأموال بلدانهم الى أشكال التسلح النووي وهذا بحد ذاته أشكال تاريخي وازمة ذاتية معقدة يعيشها هؤلاء· والمثال الايراني وقبله العراقي واضح في امكانية رؤية الباحث وجهي العملة·· الفقر المدقع والذهاب الى عصر التسلح النووي· وهي مزاوجة غير منطقية أصلاً ان مؤلفي الكتاب لم يتوجها الى دراسة واقع تحرك دول الشرق باتجاه امتلاك السلاح النووي· وهي المنطقة الأكثر سخونة في العالم· وقد يبدو من كتابتهما اهمالهما الحديث بعمق عن هذه المنطقة· وكأن التسلح النووي يجب ان تدرس أصوله، معاهداته، آثاره من منطقة ممتلكية لا من منطقة من يخطط لامتلاكه هذا بالاضافة الى ان من يحاول امتلاكه الآن يتواجد في أهم المناطق الساخنة أولاً والواقعة فيه ثلث ثروات العالم وهو الشرق والخليج تحديداً ونقصد بذلك إيران· مع افتراضهما ان تفعيل ثقافة السلام كفيلة بأن تدير أوجه الكثيرين عن تبني الحروب والتسلح النووي· وهذا مفهوم أقرب منه الى الخيال لأن الاحداث اثبتت ان ثقافة السلام تواجه ايديولوجيات عدائية لدى الكثير من قادة شعوب العالم الثالث والتي تجد روح التسلط لديها عالية أو في ارتفاع غير مسبوق عندما تجد لديها امكانيات لصنع سلاح نووي او استثنائي من نوع خاص· كي تمارس هيمنتها على الدولة الصغيرة المجاورة· ويمكن ان نقول ان تفعيل الأمم المتحدة لدور المنظمات الديموقراطية والشعبية المحلية في بعض البلدان التي تحاول امتلاك السلاح النووي والتي هذه -المنظمات - تناهض التسلح والدمار الشامل كفيل بأن يقف حائلاً امام تلك النظم المعقدة في تصورها للهيمنة والتسلط على الآخر·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©