الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النقود الهندية.. طابع إسلامي وعبارات عربية

النقود الهندية.. طابع إسلامي وعبارات عربية
19 يوليو 2014 02:24
د. أحمد الصاوي (القاهرة) أعقب الفتح الإسلامي للسند على يد محمد بن القاسم الثقفي وصول الدراهم الأموية إلى تلك المناطق المفتوحة وذلك لتلبية احتياجات التجارة، ولكن لم تصلنا عملات ضربت في أي من المدن الهندية قبل غزو محمود الغزنوي للهند وسيطرته على البنجاب «1001- 1021 م»، فقد ضرب محمود الدراهم الفضية بمدينة لاهور التي أطلق عليها اسم محمود بور كأول عملات إسلامية تضرب بالهند، وقد ضربت على نمط الدراهم العباسية وحملت اسم الخليفة العباسي إلى جانب اسم محمود الغزنوي. بدأ الطابع الهندي المحلي يظهر مع النقود الذهبية التي ضربت خلال سيطرة الأسرة الغورية الأفغانية وبالتحديد بدءاً من عهد محمد بن سام المعروف بمحمد الغوري ففضلاً عن عملاته الذهبية ذات الطابع الإسلامي الخالص والمضروبة بعبارات باللغة العربية قام محمد بن سام بعد استيلائه على إقليم قنوج في 1198 م بضرب عملة ذهبية تماثل من حيث الوزن عملات قنوج الذهبية وزيادة على ذلك تحمل على أحد وجهيها رسماً لأحد الآلهة الهندية «لاكشيمي» مع كتابات بالحروف النجارية تحمل اسم محمد بن سام مقلداً بذلك عملات ضربها حسن نظامي تقليداً لعملات الراجبوت، وهي عملات من البيلون أي مزيج من الذهب والفضة وتحمل ذات النقوش الهندية القديمة بنقش ثور على أحد الوجهين ونقش فارس على الوجه الآخر مع كتابات بالحروف النجارية. وقد شهد النقد الإسلامي بالهند بدايات استقرار نظامه الذي ظلّ سارياً حتى القرن 19 م في عهد «ألتمش» سلطان المماليك بدلهي «1210 - 1235 م»، والذي يعد أول من ضرب العملة الفضية الهندية المعروفة باسم التنكة مع الاستمرار في التقليد الذي وضعه الغزنويون بتسجيل اسم دار الضرب على العملات، ومع عهد نصير الدين محمد سلطان دلهي «1246- 1266 م» أخذ الذهب يحتل مكانة رئيسية في النظام النقدي للهند الإسلامية وتوسعت دور الضرب في عهد خلفه بلبان لتشمل المدن الرئيسية بالهند ولم يعد الأمر قاصراً على دار السك بالعاصمة دلهي. نظام نقدي ثنائي استقر الأمر في عهد سلاطين الدولة الخلجية على ضرب التنكة من الذهب والفضة في نظام نقدي ثنائي المعدنين وبلغت الإصدارات الذهبية قمة نضجها الفني في العملات التي ضربت في عهد السلطان محمد الثالث بن تغلق شاه، حيث حملت شهادة التوحيد واقتباسات قرآنية مع تسجيل اسم السلطان وألقابه باللغة الفارسية عوضاً عن العربية في اعتراف بأن الفارسية هي لغة الثقافة في بلاط سلطنة دلهي، وقد سجلت على نقود محمد بن تغلق الذهبية لأول مرة اسم مدينة دولت آباد التي نقل إليها مقر الحكم لأول مرة في العام 1326 م. لم يحدث تطور كبير في العملات الهندية خلال عهد شير شاه إذ ترسخ تداول التنكات الفضية التي ضربت بدءاً من عهد ألتمش وحظيت بقبول كبير بفضل فئاتها المتنوعة وإن أضاف شير شاه عملات من البيلون أي مزيج الفضة والذهب وسجل على عملاته الذهبية اسمه بالحروف النجارية الهندية مثلما كان متبعاً في نقود سلاطين البنغال. لم يغير المغول كثيراً في النظام النقدي الذي ورثوه عن سلطنة دلهي واستقر الأمر في عهدهم الطويل على تبني نظام نقدي من ثلاثة معادن هي الذهب الذي ضرب منه المهر والفضة التي ضربت منها التنكة وأخيراً الدام المضروب من النحاس، وقد التزمت كافة دور السك بالدولة المغولية بضرب هذه الفئات النقدية الثلاث. وخلال عهود أباطرة المغول أظهر النقاشون براعة كاملة في حشد العملات بالكتابات الدقيقة والزخارف الهندسية والنباتية الإسلامية وظهرت على عملات المغول الاقتباسات القرآنية مع شهادة التوحيد، وكذلك أسماء الخلفاء الراشدين أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وحملت نقود سلاطين المغول دائماً أسماءهم وألقابهم مع تسجيل سنوات السك بالتاريخ الهجري مع تسجيل ترتيب سنة الضرب بين سنوات حكم كل سلطان وشهدت عملات تلك الفترة تسجيل أسماء عدد كبير من دور السك التي شملت تقريباً كل المدن الرئيسة بالبلاد. وحسبما يذكر أبو الفضل المؤرخ الخاص بجلال الدين أكبر، فإن ضرب العملات تميز بالبساطة من الناحية التقنية إذ كانت عمليات السك تتم باستخدام أدوات وآلات بسيطة تشمل القالب الفولاذي الذي تنقش عليه الكتابات بصورة مقلوبة، ثم القطع المعدنية التي تدمغ بهذا القالب، وأشار أيضاً إلى أن المسؤول عن نقش القوالب كان أمهر النقاشين في العالم آنذاك وهو مولانا علي أحمد. النقود أداة إعلامية وتمثل فترة حكم جلال الدين أكبر حقبة استثنائية في تاريخ النقود الإسلامية بالهند نظراً للتغيرات التي أدخلها على نقوش العملات المختلفة. فقد اعتبر أكبر النقود أداة إعلامية مناسبة للدين الجديد الذي أراده لكل الهند والمعروف باسم الدين الإلهي، وهو مزيج من تعاليم الإسلام ومن عقائد أهل الهند، ولذا نجده يحدث تغييرات جوهرية في كتابات نقود عصره إذ تخلى عن تسجيل شهادة التوحيد والاقتباسات القرآنية واستعاض عنها بشعار الدين الإلهي «الله أكبر جل جلاله» وفيما احتفظ بتسجيل التاريخ الهجري على عملاته نجده يسجل أيضاً تاريخ الدين الإلهي مع ذكر الشهر الفارسية. ورغم قضاء سلطات الاحتلال البريطاني على النقود الإسلامية بالهند في القرن 19م إلا أن بقية باقية منه لا تزال حاضرة في أقاليم هندية مختلفة فضلاً عن مسمى الروبية الذي لم ينقطع استخدامه إلى يومنا هذا. عملات المهر الذهبية خلال عهد جلال الدين أكبر ظهرت العملات الذهبية المعروفة باسم المهر، وهي عملات مستطيلة تنتهي من طرفيها بشكل عقد يشبه المحراب، ومن ثم اكتسبت هذا الاسم الهندي المشتق من كلمة محراب العربية، وقد ظهرت بعض قطع المهر بكتابات خالصة على الوجهين وبعضها الآخر كان يحمل نقش الصقر أو البط على أحد الوجهين، وذلك تسجيلاً لوقائع بعض الانتصارات العسكرية التي أحرزها أكبر على بعض حكام الأقاليم المتمردين في العام 1600 م. شبه القارة الهندية عالم حافل بأجناس وعقائد ولغات شتى، ومنذ القدم هذا العالم له شخصيته المستقلة وفلكه العقائدي والفلسفي الخاص، اقتحم الإسكندر الأكبر بلاد الهند غازياً وخلف وراءه تأثراً كبيراً بفنون الإغريق، ولكن دون تبديل كبير في شخصية الهند. وبدءاً من عام 92 هـ دخل الإسلام إلى الهند من جهة السند والبنجاب، ولكن نجاحه الأكبر كان في جنوب البلاد عبر التجارة الموسمية لينتشر الإسلام سلمياً بين الطبقات المقهورة والفقيرة هناك، وبدورهم نقل الهنود المسلمون دعوة الإسلام وحضارته إلى ما جاورهم من جزر المحيط الهندي وسواحله الجنوبية. أدرك المسلمون مبكراً أنهم يدخلون عالماً خاصاً فتعاملوا معه برفق يناسب البلد الذي كتب عنه البيروني كتابه الشهير «تحقيق للهند من مقولة في العقل أو مرذولة»، فكان الإنتاج الفني للهند في العمارة والفنون الإسلامية عروة وثقى بين روح الفن الإسلامي وشخصية الهند التليدة، هنا وعلى مدار الشهر الكريم نعرض لأهم ملامح إسهامات الهند في الفن الإسلامي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©