الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رنين «الموبايلات» في المساجد يتنافى مع خشوع وقدسية الصلاة

رنين «الموبايلات» في المساجد يتنافى مع خشوع وقدسية الصلاة
30 سبتمبر 2010 21:57
ارتبطت مسألة رنين الهواتف المتحركة في المساجد منذ وصول الهواتف المتحركة إلى البلدان الإسلامية، وأصبحت ظاهرة تقلق من يقصدون المساجد للصلاة جماعةً والظفر بقليل من الخشوع والخضوع لله بعيداً عن ضجيج الحياة وتعب العمل والانشغالات اليومية. ولابد أن كل مصلٍّ يدرك حقيقة ذلك أو لعله عانى مرةً أو مرات من هذا النوع من الإذاية الحديثة التي ظهرت بظهور الجوال. فهل يليق هذا بدُور عبادة؟! هل يليق هذا ببيوت ليست ككل البيوت، يقول تعالى: “بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ” ويسبح له فيها بالغدو والآصال. انتهاك قدسية المسجد ألوان شتى من “الرنات” والمعزوفات والموسيقى وأغان عربية وهندية وإنجليزية، بل أن بعضها يعود لمغنيين يتبرأ من انحرافاتهم كل ذي فطرة سليمة، وتجد المصلي “ينتقيها” ويضعها على هاتفه النقال ربما عن جهل وربما عن لامبالاة وعدم اكتراث. ولا شك أن هذا الأمر مستهجن ومستنكر شرعاً واجتماعياً وحضارياً، فمن الجانب الشرعي، يقول الشيخ طالب الشحي، مدير إدارة الوعظ بأبوظبي: “المساجد لها قدسيتها ومكانتها، وهي من أحب البقاع إلى الله وتعظيمها من تعظيم شعائر الله، ولابد للإنسان عند توجهه للمسجد أن ينقطع عن الدنيا ويستشعر هذه القدسية أثناء الصلاة، ولقد أرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عدم الإخلال بهذه القدسية وعدم التشويش على الآخرين، فحالة المصلي في المسجد هي استغفار أو تلاوة قرآن أو تدبر أو صلاة فردية أو جماعية، وقد نهى الرسول من يؤم المساجد عن رفع الأصوات بالقرآن حتى لا يشوشوا على الآخرين، فكيف بأصوات المعزوفات الموسيقية والأغاني”. التعامل الرشيد إذا نظرنا إلى الأمر من زاوية حضارية ومن حيث طريقة التعامل مع التقنيات، فلن يختلف اثنان في أن تعاطينا مع المبتكرات التكنولوجية ينبغي أن يتسم بالإيجابية والرشد، بحيث يحافظ على الثقافة والهوية ويُطوِّع هذه التقنية أو تلك لحاجات الإنسان ويُكيفها مع بيئته ومحيطه ويحفظ خصوصيات وملامح ما يمثل دينه من مرافق ومراكز ودور عبادة وما يتبعها من مقومات، في حين يلفظ كل ما من شأنه أن ينافي ذلك. ولو أخذ ذلك كل مصل بالحسبان لما تساهل مع نفسه ولا أطلق العنان لجواله يصدح بأغان لا يليق أن تخترق جدران بيوت الله التي لم تبن إلا لتكون مكانا لذكر الله وإقامة الصلاة ومناجاة الخالق. باتت ظاهرة السؤال المطروح هو ما سبب انتشار هذا الفعل الذي بدأ كحالات معدودة ومحدودة ثم أصبح ظاهرة لا تستثني أي بيت من بيوت الله؟ ولماذا يتصرف هؤلاء المُستسهِلون من المصلين بهذا الاستهتار؟ ولماذا لم تنجح عشرات اللافتات التي تذكر المصلين والمصليات بإغلاق الهواتف النقالة بثنيهم عن استهتارهم؟ ولم تفلح صور التنبيه المنتشرة على أعمدة كل المساجد في منع تكرار هذا الإيذاء وهذا الانتهاك؟ ولا تمكن أئمة المساجد على الرغم من مواعظهم التي تعقب الصلوات من منع تكرار ذلك والاكتفاء بعد ذلك بـ”الحوقلة” كأضعف الإيمان؟ سألنا بعض المصلين عن رأيهم حول الموضوع، فقال نجيب الغازي: “لا أنكر أنني كنت أنسى هاتفي المتحرك أحياناً في الأيام الأولى التي اقتنيته دون إغلاق، لكني أخذت عهداً على نفسي بعد ذلك وعودت نفسي على أن لا أدخل المسجد إلا بعد إغلاقه أو وضعه على الصامت. وأنا متأكد أنها مسألة تعويد وبيوت الله تستدعي منا بذل بعض الجهد، فلو كانت أعمدة المسجد وجدرانه تنطق لما ترددت في استنكار هذا الفعل!”. غير مبَرر يقول إبراهيم الراس معلقاً على هذه الظاهرة قائلا إن هذا الأمر يكاد يتكرر حدوثه في جميع المساجد، ولا يمكن قبول تبرير البعض حدوث ذلك بالنسيان، فمن يقصد المسجد ابتغاء التزود الروحي وسكينة الجوارح لا يُفترض فيه أن يظل في نسيان وغفلة من أمر جواله، ولو ادعى ذلك ثم تكرر أمر رنات جواله خلال صلاة الجماعة لكان ممن “لهم قلوب لا يفقهون بها”. مصلون آخرون كان لهم رأي مماثل وأجمعوا على أن رنات الهاتف داخل المسجد تشوش على خشوع المصلي والمتعبد، ويبقى التفسير الوحيد لحدوث ذلك حسب بعضهم هو الاستهتار واللامبالاة، وهو ما يؤدي إلى إيذاء المصلين وتعكير صفو الطمأنينة القلبية التي يطلبها المؤمن في بيت الله، حيث يخلو بنفسه لبرهة لا تتعدى 3% من وقت يوم الإنسان، فألا نستطيع إغلاق الجوال وقت الصلاة فقط؟ مقابلة خاصة حمزاوي الطيب رد علينا بحماسة وقبل أن نتم السؤال قال: لا يجدر بنا أن نتطبع مع هذا الفعل الذي أصبح يتكرر في غالبية صلوات الجماعة، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد اعتبر في أحد أحاديثه أن المصلي يوم الجمعة يكون في عداد اللاغين إذا قال لصاحبه بالمسجد “أنصت” وينتح عنه انتقاص أجر جمعته، فكيف بمن يطلق لجواله العنان ليصدح بأنغام أقل ما يقال عنها أنه لا يليق سماعها في بيوت الله؟ أليست من اللغو المفروض البعد عنه واجتنابه في هكذا مقامات روحانية؟!، ثم أضاف: لا أعتقد أن الشخص قد يترك هاتفه المتحرك مفتوحاً إذا ذهب إلى مقابلة من أجل الحصول على وظيفة، فلماذا لا يكون لديه نفس الحرص إذا كانت مقابلة الله لا تؤدي به إلى الحصول على وظيفة دنيوية فقط، وإنما قد تكون مفتاحه إلى الجنة؟ فقه الصلاة السيدة فاطمة أحمد بلحسن حاصلة على بكالوريوس دراسات إسلامية مقيمة في الشارقة، وهي من ربات البيوت اللائي حرصن على أداء صلاة التراويح في المسجد في رمضان المنصرم، تقول: يتكرر الأذان خمس مرات في اليوم وصار نداءً ألفنا سماعه وألف عدد منا تلبيته. فهل نفقه معناه وفحواه؟، وتضيف مجيبة عن استفسارها: لسان حالنا مع رنات الجوال يشهد بعكس ذلك. فليس صدفةً ولا اعتباطاً أن يُستهل الأذان بعبارة “الله أكبر”، وإنما لتذكير المنادى عليهم من المسلمين بأن الله أكبر من كل ما يفعلونه. نَعم، الله أكبر من كل ما في يدك، الله أكبر عند دخول وقت الصلاة من كل ما قد يشغل عنه، هذا قبل الصلاة، فكيف إذا دخلت في الصلاة وأصبحت تناجي رب العزة وتطلب عفوه وغفرانه؟ كان النبي صلى الله عليه وسلم ينسى سيدتنا عائشة وجميع أهله عند الصلاة وينصرف عنهم إلى الجماعة تمام الانصراف، فلماذا نعجز عن مفارقة الجوال أو على الأقل إغلاقه أو وضعه على الصامت لبضع دقائق”؟ احترام الآخر إذا تتبعنا حلقات الإفتاء والزوايا المخصصة لطلب الفتاوى الدينية في الجرائد والمجلات والمنابر الإعلامية نجد أن عدداً من المسلمين يشكون من قلة الخشوع، فكيف يبتلى من يعاني قلة الخشوع بما يزيد من قلة خشوعه من خلال سماع هذه الأنغام؟! ولا شك أن ما يحدث لا يتم بسبب نسيان متعمد أو مقصود، وإنما هو تهاون يمكن التغلب عليه وتفادي ما يسببه من إحراج أمام الله قبل العبد، ويمكن تغييره لو حرصنا على احترام الغير وعدم إيذائهم وإسماعهم ما لا يرغبون في سماعه ولو بذلنا جهوداً أكثر في نشر قيم احترام الآخر وسبل المحافظة على الذوق العام سواء في المساجد أو غيرها من الأماكن التي يُعَدُّ احترامها حقاً مكفولاً لكل من يحج إليها. نعمة لا نقمة أخيرا وليس آخر نقول: هناك دوماً مجال للإصلاح والكف عن الإيذاء أو ارتكاب كل ما قد يعيب خلق الإنسان المسلم المتحضر المتبصر بواقعه، والمستهلك لما سخره الله له من تقنيات بالتي هي أحسن ودون تحويل نعمة في يده إلى نقمة عليه وعلى إخوانه. ولو تأملنا في كلمة الله أكبر عند بداية كل أذان وأدركنا معناها حق الإدراك، للبينا النداء مجردين من كل ما قد يشغلنا من المشوشات، ولخشعنا أكثر ولتذوقنا تلك اللحيظات القليلة التي نقضيها في ضيافة الرحمن بلذة روحانية أكبر. ويختم الشيخ طالب الشحي تعليقه حول الموضوع بالقول: “دعنا لا نتوانى في تعظيم شعائر الله، فقد قال الله تعالى: “ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ” سورة الحج، وإعطاء بيوته المكانة اللائقة والحرمة الحقة حتى تظل بيوتاً لله لا يذكر فيها إلا اسمه ولا تصدح جنباتها ورحابها إلا بتبجيل أو تسبيح أو تعظيم”.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©