الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأعراف والقبيلة والشريعة صنعوا هيبة القضاء بالإمارات قديماً

الأعراف والقبيلة والشريعة صنعوا هيبة القضاء بالإمارات قديماً
2 يوليو 2013 14:21
كان القضاء في الماضي متسقاً مع طبيعة المجتمع في بداياته الأولى. ولذلك أخذ طابعاً قبلياً، لأن القبيلة كانت هي المؤسسة الأهم والأم ، فالكل يستظل بظلها ويحتمي بحكمها. وبالتالي كان “شيخ القبيلة” هو الرئيس والقاضي في الوقت نفسه، فيصدر أحكامه ويتم تنفيذها دون مناقشة، ولو كان النزاع بين قبيلتين فشيخا القبيلتين هما القضاة وقد يدخلان طرفاً ثالثاً، وهذا النوع يسمى “التحكيم” . هناء الحمادي (أبوظبي) - منذ فجر الإسلام، شهدت إجراءات وأساليب التقاضي في شبه الجزيرة العربية، تطورات متلاحقة، وإن ظلت لقرون طويلة مرتبطة بالمؤسسة الأهم في المنطقة، وهي “القبيلة”. ثم جاءت المدنية الحديثة وانفتحت المنطقة على العالم، فاستفادت بما شيدته المجتمعات الأخرى من أنظمة قضائية حديثة مستقرة، لكن بقي الجوهر .. أصيل اعتمادا على نصوص الشريعة الغراء. مرحلة التقاليد العرفية يقول المحامي الإماراتي عبدالله الحمداني محامي ومستشار قانوني محكم في إمارة أبوظبي، إن شيخ القبيلة فيما مضى كان هو القاضي والمشرف على تنفيذ العقوبة، وإذا كان النزاع بين قبيلتين يكون شيخا القبيلتين هما القاضيين، وقد يدخلان طرفاً ثالثا. ويضيف الحمداني “كان القصاص هو وسيلة العقاب السائدة قديما، واختلف تطبيقه تبعاً لنوع الجريمة”. وكان في العادة يتم تطبيق القصاص بواسطة كبير القوم أو شيخ القبيلة “إذا ما كانت الجريمة ومرتكبها من أبناء القبيلة، أما إذا كان من خارجها، فيتحمل وزره أهله وقبيلته. وقد يهب جميع أفراد القبيلة لأخذ القصاص من أفراد القبيلة الأخرى إذا لم تحل سلميا أو بالتصالح”. وبموازاة العقوبات، كان هناك آليات لتسوية النزاعات، بما في ذلك التصالح. وفي العادة كانت تتولى هذه المهمة هيئة محكمين يختارهم شيوخ القبائل، حسبما يقول الحمداني. وتتشكل اللجنة عندما يكون الخصوم من قبيلتين مختلفتين، وقرار المحكمين في هذه الحالة له إلزام أدبي. وبالتالي فإنه عند عند صدور عقوبة “خلع الجاني” فعلى القبيلة قطع علاقاتها به وطرده. بل وهدر دمه .. وعلى أهل الجاني تسليمه لأهل المجني عليه ويعرف ذلك “بالتخلي عن مصدر الضرر”. ويشير الحمداني إلى أن “القصاص” هو إنزال عقوبة بالفاعل تماثل ما ارتكبه من جرم. ويتم تنفيذه في أهل المجني عليه، حيث السن بالسن والعين بالعين. أما “الدية” فهي تعويض مادي يدفعه الجاني وأهله للمجني عليه وأهله بهدف افتداء الجاني نفسه وتعويض المجني عليه عما لحقه وأهله من ضرر وتهدئة لخواطرهم، وكانت في بداية الأمر اختيارية ثم صارت إجبارية. وبحسب الحمداني، كان نظام القضاء في الماضي يتألف من شيخ ومجلس القبيلة وهم من يصدرون الأحكام وتختلف العقوبات حسب نوع الجريمة، أما الجرائم التي تستوجب أشد العقوبات والتي قد تصل إلى إحراق الجاني أو شنقه هي “المساس بشيخ القبيلة أو الحاكم أو الملك أو الهروب من المعارك ، إضافة إلى الجرائم الأخرى كالقتل والسرقة”. وقد ساد في فترة من الوقت، اعتماد التقاليد العرفية، كنظام قانوني معتمد ينظم حياة الناس فيما يتعلق بالتقاضي وتسوية النزاعات ورد الحقوق وحل المنازعات. ويقول الحمداني “ ظهرت في هذه المرحلة قواعد قانونية تنظم حياة المجتمعات وهي التقاليد أو العرف أو العادات التي تنشأ في المجتمع ويشعر أفراده بأنهم ملزمون باتباعها وتعتبر مخالفتها جريمة تؤدي إلى سخط أفراد المجتمع على مرتكبها الذي يستحق العقاب”. أنواع القضاة وتطورت الأمور تدريجيا، حتى ظهر التشريع القانوني في صورته الحديثة، بعد أن كان من قبل قصرا وحصرا على فئة بعينها. ويقول جاسم المكي رئيس قسم الإصلاح والتوجيه الأسري بمحاكم رأس الخيمة “ كان شيخ البلاد أيام زمان يعين مجموعة من أمراء المنطقة، وكان لكل واحد منهم صلاحية تنفيذ الحكم، وتنعقد المحكمة في غرفة صغيرة ينظر فيها القاضي في دعوى المتخاصمين”. ولأن المجتمع الإماراتي القديم، كان بسيطا للغاية وعدد السكان محدودا، فقد أثر ذلك على طبيعة القضايا التي ينظرها القضاء، وكانت في الغالب تتعلق بالمشكلات الأسرية والقضايا الجنائية والخلافات المتعلقة بحرفة الغوص والبحث عن اللؤلؤ. ويشير المكي إلى وجود نوعين من القضاة في الماضي . الأول هو القاضي الشرعي الذي يفصل في مختلف القضايا المدنية المتعلقة بالمشكلات الأسرية، ويحيل حاكم الإمارة القضايا إليه للحكم فيها، حيث يرسل إليه طرفي النزاع برفقة أحد “المطارزية” وهم الحراس الشخصيون للحاكم. وبعد استماع القاضي للمتخاصمين، يقضي بحكمه ويسجله في بيان يطلع عليها الحاكم، ويلزم الخصمين بتنفيذ نصه . ومن لا يرضى بالحكم يستأنفه، ليتم تحويل القضية إلى قاضٍ آخر في إمارة أخرى. وعموما كان القاضي يفصل بين المتخاصمين، إما في مجلس بيته أو المسجد أو على قارعة الطريق. أما النوع الثاني من القضاة قديما، فهو “القاضي العرفي”، الذي كان “يفصل بين المتخاصمين في الخلافات المتعلقة بشؤون البحر مثل مشكلات العمال عند صيد اللؤلؤ والصيد البحري”، بحسب المكي. وكانت هناك قوانين عرفية متوارثة يعتمد عليها في الحكم وتطبق في مختلف بلدان الخليج العربي، ويطلق على القاضي المختص بشؤون البحر اسم “السالفة” أو “الفيصول”. ويقول المكي إنه بالنسبة لمرتكبي الجرائم والتائهين، فكانت من أهم الوسائل المتبعة للتعرف عليهم تتم عن طريق “قص الأثر”. ويقوم بهذه المهمة رجالا كانوا يتتبعون آثار الأقدام. وهناك وعاء يستخدم لتغطية الأثر حتى يحضر الشخص الذي سيقتفيه حتى لا يختلط الأثر مع الرمال ويتم فقدانه، ذلك أن عملية قص الأثر كانت من أبرز الوسائل للاستدلال على الأشخاص سواء، لتتبع المجرمين الهاربين أو للاهتداء إلى الأفراد التائهين في الصحراء، وتسمى هذه الطريقة عند العرب قديماً بـ“القيافة”، وظلت متوارثة عند القبائل في شبه الجزيرة العربية حتى وقت قريب، وقد كان يطلق على الشخص المتتبع للأثر اسم “الجفير” . ويؤكد المكي أن قاص الأثر كان يعرف من مجرد أثر القدمين على الرمال ، ما إذا كان صاحبه رجلاً أو امرأة أو طفلاً . بل كان بمقدوره أن يعرف من مجرد ذلك الأثر ما إذا كانت صاحبته حاملاً أم لا، كذلك يعرف الشخص الأبيض من الأسمر، والغريب عن البلد من المواطن. عقوبات مختلفة وتقول شيخة علي محمد سالم النعيمي- باحثة في جمعية التراث بالنخيل بإمارة رأس الخيمة “ إن حاكم البلاد كان له سلطة قوية ، حيث كانت العقوبات تنفذ بحذافيرها بدون تردد ، فمن يسرق تقطع يداه ، وتعاقب المرأة مثل الرجل لو أخطأت أو ارتكبت ما يشين. وكان الجلد أيضا عقوبة أخرى تضاف للعقوبات السابقة ، وتوضح النعيمي” أما السجن فهو يقع في بيت الحاكم حيث بمجرد الإمساك بالجاني من قبل مطارزية الحاكم وهم “ عساكر الحاكم” المخولين بالإمساك بالمجرمين والمخطئين، فإنه توضع بقدمه السلاسل حتى لا يهرب. ومنذ وصوله إلى سجن الحاكم، يبقى فيه مغلولا حتى يصدر الحكم بحقه. وبالطبع تختلف عقوبته بحسب نوع الجريمة التي ارتكبها. وتضيف “كان شيخ البلد يسمع شكاوى الكثير من الناس، فهناك من يشتكي ممن استولى على جزء من أرضه، أو أخذ “حلاله”، أي ممتلكاته”. ولم يكن ثمة مفر من تنفيذ قرارات شيخ البلاد التي يصدرها بعد الاستماع للأطراف المتخاصمة، حيث “كان يتم تدوين كل ما يدور بين شيخ البلاد والمتخاصمين في ورقة، بواسطة “الكراني” الذي يتولى مهمة توثيق الحوار للاطلاع عليه ومراجعته قبل إصدار الحكم “. القاضي رجل ويذكر الستيني أحمد إسماعيل من مواليد الشارقة إن القضاة أيام زمان كانوا هم خطباء وأئمة المساجد ولم يتولوا القضاء رسميا، لكنهم كانوا يكلفون من قبل الحكام في قضايا صلح أو توزيع إرث أو نكاح ، ويتابع” كان القضاة كانوا رجالاً فقط ولم تضطلع امرأة أبدا بهذا الدور، لأن العادات والتقاليد والأعراف لم تكن تسمح. وكان الهدف الأول الذين يسعى له القضاة هو إرساء روح العدالة وفق تشريعات غلبتها “آنذاك “نصوص الشريعة الإسلامية وإقامة حدود الله في أرضه”، بحسب إسماعيل الذي يشير إلى أن الأحكام في معظمها “ كان يغلب عليها الصلح إلا ما ندر”. ويضيف “لم يكن حينها للخصوم محامون سوى الاستسلام لحكم القضاء بخيره وشره، ولم يكن للقضاء درجات سوى درجة واحدة عليها تحمل الأعناق، ورغم كل ذلك كان للقضاء هيبته، ففي حضورهم الرهبة وفي قولهم الفصل، هذه هي الحياة التي اعتاد عليها الأولون من الناس الذين كانوا ينفذون الحكم بدون صراخ أو اعتراض، فما يُقال ينفذ على الفور، مهما كانت العقوبة بسيطة أو صارمة، المهم أن يطبق وفق القوانين السائدة حينئذ”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©