الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوروبا..الخوف من الغجر ومشكلات اللاجئين

10 ديسمبر 2016 23:16
أحد أسباب فشل المستشارة أنجيلا ميركل في إقناع شركاء ألمانيا في الاتحاد الأوروبي بفتح أبوابهم للاجئين، كان تعنت أوروبا الشرقية؛ حيث كانت المجر وجمهورية التشيك وسلوفاكيا في مقدمة الدول التي أبدت مقاومة لجهد جماعي لإعادة توطين اللاجئين. وهذا الرفض له علاقة قوية بفشل هذه البلدان في إدماج أكبر أقلية عرقية فيها، أي الغجر. وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية أفرجت مؤخراً عن تقرير حول وضع الغجر في أوروبا، استناداً إلى مقابلات فردية في البلدان التسعة التي تضم أقليات مهمة من السكان الغجر. جميع هذه الدول تقع في أوروبا الشرقية والجنوبية، وست منها من دول الكتلة الشيوعية السابقة. ومعظم سكان أوروبا الغجر، المقدر عددهم بـ6 ملايين نسمة، يعيشون في تلك البلدان. وقد وجدت الدراسة أن 80? منهم يعيشون تحت خطوط الفقر، وأن ثلثهم ليس لديهم ماء في بيوتهم، وأن واحداً من كل عشرة منهم ليست لديه كهرباء. كما وجدت أن معدل التشغيل بالنسبة للرجال والنساء هو 34? و16? على التوالي، وأن ثلثي السكان الغجر الذين تترواح أعمارهم بين 16 و24 عاماً لا يعملون ولا يذهبون للمدرسة. وكانت دراسات سابقة للغجر الأوروبيين قد كشفت عن مستويات مماثلة من الفقر والبطالة وتدني المستوى التعليمي. وأحد أسباب ذلك هو التمييز الذي يقولون إنهم يواجهونه عند البحث عن عمل، أو في التعامل مع المدارس، أو طلب علاج طبي. كثير من الأوروبيين يدّعون أن الغجر لا يريدون الاندماج؛ غير أن المواطنين العاديين الذين يعيشون بجوار الغجر أكثر إصراراً على اتهامهم برفض الاندماج. والواقع أن مجموعات مختلفة من الغجر تريد الحفاظ على لغاتها وثقافاتها المميزة؛ حيث يرتدون ملابس مختلفة ولا يتعاملون مع أفراد من خارج مجتمعهم إلا نادراً، لذا أصبحوا يمثلون «الآخر». وهذا بالطبع هو ما يقوله كثير من الأوروبيين عن المسلمين أيضاً. فوفق استطلاع لمركز «بيو» أُجري الصيف الماضي، فإن المجر تضم واحدة من أعلى النسب المئوية للأشخاص الذين يقولون إن المسلمين في بلدهم «يريدون البقاء مختلفين» (76?). والواقع أن المجر بلد يضم عدداً قليلاً جداً من المسلمين؛ بينما يشكل الغجر نسبة 10? من السكان. وهنا يلاحَظ نوع من الخلط، إذ يبدو أن التجارب مع الأقليات التي يصعب إدماجها تعمّم على كل الأقليات الأخرى. إيفان كراستيف، المتخصص في العلوم السياسية في بلغاريا الذي يرأس «مركز الاستراتيجيات الليبرالية» في صوفيا، كتب في وقت سابق هذا العام، في معرض تعليقه على شعار ميركل «إننا نستطيع النجاح في ذلك»، فقال: «إن الفشل في إدماج الغجر يسهم أيضاً في نقص مشاعر التعاطف والتضامن في أوروبا الشرقية. فالأوروبيون الشرقيون يخافون من الأجانب لأنهم لا يثقون في قدرة مجتمعهم ودولتهم على إدماج (الآخرين) الذين يعيشون بينهم أصلاً. فالغجر في العديد من البلدان الغربية ليسوا عاطلين عن العمل فحسب، لكنهم أيضاً غير قابلين للتوظيف لأنهم ينقطعون عن الدراسة مبكراً، ولا يكتسبون المهارات اللازمة لسوق العمل في القرن الـ21. ولهذا، فالفشل في إدماج الغجر هو الذي يجعل الأوروبيين الشرقيين يعتقدون أن بلدانهم لا تستطيع النجاح في ذلك». والحقيقة أن الحكومات الوطنية في أوروبا الشرقية وأجهزة الاتحاد الأوروبي البيروقراطية ليست لديها أي فكرة عن كيفية إدماج الغجر. ففي القرن الماضي، منع الاتحاد السوفييتي نمط عيشهم القائم على الترحال، وأرغمهم على شغل وظائف واتخاذ مساكن . لكن ذلك لم ينجح؛ حيث استمر الغجر السوفييت في التنقل وتشكيل مجتمعات تقليدية. وبالمقابل، اختار الاتحاد الأوروبي المقاربة الناعمة؛ فركز على الإعانات والتعليم والعمل مع المجتمع المدني للتوعية والتثقيف. لكنه يصعب حتى الآن تقييم النتائج. كثير من البلدان الأوروبية الشمالية، التي كانت الأكثر انفتاحاً على المهاجرين المسلمين حتى الآن، لم تعرف هذه التجربة المحبِطة: وهي بلدان لا تضم غجراً تقريباً. وإلى ذلك، فإن تجاربهم السابقة في إدماج المسلمين، مثل «العمال الضيوف» الأتراك في ألمانيا، كانت مُرضية عموماً، ما قد يفسر سبب تفاجىء الألمان والاسكندنافيين عندما لم يبدِ الأوروبيون الشرقيون، الذين كانوا يفرون على مدى عقود من بلدانهم الشيوعية، قدراً أكبر من التضامن مع اللاجئين. وخلاصة القول هي أن الكثير من مشاكل أوروبا الحالية مردها إلى جهل الناس بما يجري في البلد الجار، على الجانب الآخر من حدود وطنية شفافة؛ والحال أن غياب الفهم المتبادل هذا يمثّل تهديداً أكبر على وحدة الاتحاد الأوروبي وتماسكه من الشعبوية أو التفاوت الاقتصادي. *محلل سياسي مقيم في برلين يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©