الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مليكة علي تهزم السرطان بالإيمان والصبر

مليكة علي تهزم السرطان بالإيمان والصبر
17 فبراير 2009 22:20
يأتي الإنسان للدنيا بصرخة الحياة، يعلن عن وجوده، وتشير الصرخة إلى أن الحياة تحمل من الحزن والقلق ما يبكي أحياناً، هي حياة كل فرد جبلت على الأفراح والأحزان والألم والوجع، فالإنسان، على امتداد عمره قد يصاب في بدنه أو قد يفقد عزيزاً، وعاديات الدهر لا تستثني الغني أوالفقير، الكبير أو الصغير، ولا يسقط من حسبتها أحد، ولكن تبقى الإرادة وقوة الإيمان ومبدأ التشبت بالحياة حوافز لتجاوز كل المحن والآلام· فقدت الثدي والجنين في لحظة واحدة الإيمان والصبر عند الصدمة الأولى يجعلان الإنسان يتغلب على ما لا يحتمل من المرض والوجع، هي حالة مليكة علي، امرأة في مقتبل العمر لها طفلتان، وعرفت في مرحلة متأخرة أنها مصابة بالسرطان، وكانت حاملا في الشهر الخامس بجنين ذكر، تقرر في لحظة واحدة استئصال ثديها وتنزيل جنينها، فكيف لها أن تتحمل خدش أنوثتها وفقد أمومتها؟ إلا بالصبر والصلاة والابتهال لله سبحانه وتعالى لتبقى حية من أجل بناتها، احتملت وجع المرض وروضت النفس على تقبل الأمر الواقع، فأمكنها تجاوز انهيار صحتها، وما ينتج عنه من تدهور نفسي، وربما تعتبر هذه السيدة مثالا للصبر، إذ استطاعت الشفاء بنسبة 90 % واسترجعت ابتسامتها التي لم تغب يوماً رغم ما عانته من آلام مضاعفة خلال فترة المرض، إذ تحملت خبر المرض وفاجعة فقدان جنينها، وهي التي لن تتمكن من الإنجاب مرة ثانية، كما تحملت فقد جزء مهم جدا من تركيبة جسمها كأنثى، كل ذلك وهي وحدها في الغربة مع بناتها الصغيرات، فمن هو الذي لا ينهار أمام كل ذلك؟ إلا من له قوة الإيمان، هكذا تحكي مليكة قصتها مع الألم والأمل· جرح في الأنوثة تحكي مليكة بداية قصة مرضها وهول الصدمة عليها، وتقول: ''عشت لسنوات في الغربة حياة هادئة، سعيدة بأسرتي التي تخفف عني لوعة فراق أهلي، سعيدة لا شيء ينقصني إلا دفء أحبتي، كانت لي بنتان وفكرت في الحمل لعلّ الله سبحانه وتعالى يرزقني بولد ذكر، وفعلا وعند الشهر الرابع أجريت بعض الفحوصات وكان الجنين ولدا، عندما أخبرت زوجي شعرت بأن الدنيا لم تسعه من الفرحة، ولكن خلال هذا الشهر ازدادت حالتي الصحية سوءا، إذ شعرت فيما قبل بسوء حالي، لكن أرجعت ذلك كله لعوارض الحمل، راجعت أكثر من طبيب، أجريت بعض الفحوصات الدقيقة والتحاليل ولم يستغرق ذلك وقتا طويلا لأتلقى الخبر الفاجعة، فأنا مصابة بمرض سرطان الثدي، وفي مرحلة متأخرة، أخبروني أنه من الضروري استئصال الثدي، كان هول الصدمة كبيرا جدا، لم أستوعب أن جزءا من تكويني الأنثوي سيصير ذكرى، خاصة وأن عمري لا يتجاوز 35 سنة وبناتي صغيرات وأحمل في بطني جنينا، حيث لم أدرك بداية أنه من الضروري التضحية به للإبقاء على حياتي، دوامة من اليأس دخلت فيها ولم أستطع التخلص منها لأسابيع، هذا بالإضافة إلى أنني أعيش في الغربة وبعيدة عن مساندة أهلي، وليس هناك من يساعدني على مصابي إلا زوجي وهو مشغول في عمله وليس لديه وقت، وبمراعاته لي قد يفقد عمله· تفكير··وتفكير·· وإحباط وتشنج··وألم·· وكل مصطلحات خيبة الأمل أمامي، حيث في غفلة من الزمان قد يفقد الإنسان كل شيء في الحياة، في جزء من الثانية قد يتلاشى عمره كاملا، ويترك أحبّاءه وأهله وما بناه في الدنيا، كان الموت قريباً جدا مني، شعرت برهبته على أطراف أصابعي، فيما كان المرض ينخر جسدي، بكيت وتألمت وتوجعت، وطلبت من الله أن يغفر لي، حيث أنني لم أستوعب بداية ما يجري حولي، ولفني الخوف من كل جانب، أرعبتني فكرة الموت، خفت على بناتي ودار شريط حياتهن المستقبلية في ذهني، من سيربيهن؟ وكيف سيعشن؟ وبالتأكيد أن والدهن سيتزوج فهو في مقتبل العمر ويحق له ذلك؟ ومن سيعتني ببناتي؟ وهل زوجة الأب ستكون رحيمة بهن؟ أسئلة كثيرة أتعست حياتي، وضاعفت من حجم المرض''· سلمتهم روحي من أجل بناتي وتضيف مليكة مسترجعة حكايتها مع المرض:''تحت إلحاح الأطباء وما تدعيه حالتي الصحية من استعجال، بدأت العلاج الذي لم يكن له طريقة إلا استئصال الثدي، وللقيام بذلك كان ضرورياً التخلص من الجنين والتضحية به من أجل الإبقاء على حياتي، لم أوافق راضية، فالأمر فوق كل الاحتمال والتحمل، تركت الأمر لله وسلمتهم جسدي، أو ما تبقى منه، وانحصر تفكيري فقط في ابنتيّ، وأنه يجب تحمل كل آلام الدنيا من أجلهما، وأنه سأقاوم لأحيا من أجلهما، فعندما تصبح حياة الإنسان في لحظة من الزمن بين يدي الموت فهو لا يذكر لا أمواله ولا أي شيء من مغريات الحياة بقدر ما يبكي على أولاده، ثم والديه، رحلة مرضية عضوية ونفسية، دخلت المستشفى وكانت مدة العلاج طويلة جداً، زوجي من يقوم بزيارتي ويراعي بنتيه اللتين تركناهما مرات عدة عند جارة لنا، لم تستوعبا ماذا يجري لماذا تغيرت حالنا رأسا على عقب في فترة قصيرة جداً؟ لماذا هذا الشتات والضياع؟ لماذا فرقتنا أهوال المرض؟ لا أريد أن أتذكر كل هذه الأشياء، فأن تفقد الاستقرار والأمان، وتفترق في لحظة عن أولادك، وتفقد حلما ينمو بداخلك، وأن تفقد جسدك، أو بالأحرى جزءاً لا يمكن للمرأة التخلي عنه بسهولة وهو الثدي، وما يلحق ذلك من تبعات فحتى الأمومة لن أحلم بها يوماً، حيث أوقف الأطباء عمل الهرمونات المسؤولة عن العادة الشهرية، لأن ذلك يستدعيه العلاج، وكل ذلك وأنا بالغربة، لا أحد يساندني معنوياً، لا أحد يرافقني للمستشفى إلا في حالات نادرة، ورحلة العلاج طويلة جداً، زوجي فقط من تحملني، أصبت بهزال شديد وفقدت كامل شعري جراء العلاج بالمواد الكيماوية، فلم أعد إلا بقايا امرأة، وابنتاي أصابهن الضعف والهزال تبكيان طوال الوقت وعاشتا معي مرحلة الألم والوجع الذي لا يطاق، خاصة عندما أتلقى العلاج بالمواد الكيماوية، كنت أرى في عينيهما الحسرة والألم، فهما ليستا كبقية الأطفال يلعبون ويخرجون ويستمتعون، لا فقط من بيت لبيت نتركهما حتى أرجع من المستشفى لأخذ العلاج، الذي يبقى مفعوله بجسدي أياما ويؤثر على حالتي النفسية من دوران وآلام تعصر قلبي· سرّ علاجي قوة الإيمان بالله والصبر مليكة علي تماثلت للشفاء، وأخبرها الأطباء مؤخرا بأنها تعافت بنسبة 90% وأنها تجاوزت مرحلة الخطر، وتنعم اليوم بحياة سعيدة بالقرب من ابنتيها وزوجها وتقول إن السر في ذلك هو قوة الإيمان والصبر: ''لا أخفي أن حياتي في بداية المرض انقلبت رأسا على عقب، لكن فجأة تغير كل شيء وأنا أتلقى العلاج، كنت أنظر إلى من هم أكثر مني ضعفاً وهزالا وكنت أستمد قوتي من ضعفهم، وأقول مع نفسي على الأقل أنا أمشي على رجليَّ وهناك غيري لا يستطيع، وكنت دائماً أقول إن المرض مهما كان قاسياً لن ينهي حياة الإنسان إلا بإرادة الله، وكلّ مسطر في لوح محفوظ، تفصل بين حياة المريض ومن ينعم بصحة جيدة مع الموت نفس المساحة، فكثير كانوا ينعمون بصحة جيدة نسمع عنهم أنهم توفوا فجأة، والعديد من الناس نسمع أنهم يعانون من جراء المرض وتستمر حياتهم سنين عديدة، كما كنت استمد قوتي بقولي كيف أبكي على حياتي وأنا التي لم أتميز بشيء غير أن لي أسرة وأولاد، وهناك منهم أهم مني، لهم رسائل في هذه الدنيا وتوفوا، فأين هم الرسل والأنبياء والصحابة، وهكذا بدأت أسترجع قوة إيماني وكنت أجلس أصلي وأبتهل لله سبحانه وتعالى ليبقي حياتي من أجل بناتي، وكذلك كنت أتلقى مهاتفات من أهلي كانت ترفع من معنوياتي كثيرا، رحلة تعلمت منها الكثير، تعلمت أن الصعوبات تهون بالتسليم بقوة الله سبحانه وتعالى، وتعلمت أن أستغل كل دقيقة من حياتي في حب عائلتي، وفعل الخير، والتمتع بقلب لا يشوبه غل أو خبث، وكل ذلك يتعلمه الإنسان عندما تكون حياته في المحك، يدرك في لحظة أن حياة من ينعم بالصحة الجيدة، ومن يمشي ويمرح، ويخرج ويتسوق ومن يقضي كل حاجاته دون مساعدة ومن يحتفظ بجسده كاملا فهو ينعم بحياة جميلة، وهو أغنى من أغنياء العالم·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©