الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

المشركون يكذّبون بالحق.. وكفرهم عناد واستكبار

26 أكتوبر 2017 20:52
أحمد محمد (القاهرة) قال مشركو مكة: يا محمد والله لا نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله، ومعه أربعة من الملائكة يشهدون أنه من عند الله وأنك رسوله، فنزل قوله تعالى: (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ)، «سورة الأنعام: الآية 7». قال الطاهر بن عاشور في «التحرير والتنوير»، قد كذبّ المشركون بالحق لما جاءهم، أنكروا كون القرآن من عند الله، وكونه آية على صدق الرسول، وزعموا أنه لو كان من عند الله لنزل في صورة كتاب من السماء، فإنهم قالوا: لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة، وقالوا: حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه، فكان قوله: فقد كذبوا بالحق لما جاءهم مشتملا بالإجمال على أقوالهم. والكتاب الشيء المكتوب سواء كان سفراً أم رسالة، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم لا محالة لأن كل كلام ينزل من القرآن موجه إليه لأنه المبلغ، والقرطاس «بكسر القاف» هو اسم للصحيفة التي يكتب فيها ويكون من رق ومن بردي وغيرهما، ولو لمسوه بأيديهم لقالوا إن هذا إلا سحر مبين، أنهم يغالطون أنفسهم ويغالطون قومهم لستر مكابرتهم ولدفع ما ظهر من الغلبة عليهم، وهذا شأن المغلوب المحجوج أن يتعلق بالمعاذير الكاذبة. وقال محمد رشيد رضا في تفسير «المنار»، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعجب من كفر قومه به وبما أنزل عليه مع وضوح برهانه وظهور إعجازه، وكان يضيق صدره، وينال منه الحزن والأسف، كما قال تعالى: (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىَ إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ...)، «سورة هود: الآية 12»، يبين الله عز وجل أسباب ذلك من طباع البشر وأخلاقهم واختلاف استعدادهم، ليعلم أن الحجة مهما تكن ناهضة، والشبهة مهما تكن داحضة، فإن ذلك لا يستلزم الإيمان بما قدمت عليه الحجة، وانحسرت عنه غمة الشبهة، إلا في حق من كان مستعداً له، وعلة تكذيبهم بالحق إنما هي إعراضهم عن الآيات، وما أقفلوا على أنفسهم من باب النظر والاستدلال، ألم تر أن آيات التوحيد في الأنفس والآفاق هي أظهر الآيات وأكثرها، ولم يمنعهم من الكفر بها مبالغة الكتاب المعجز في تقريرها، لو أننا نزلنا عليك كتاباً من السماء في قرطاس، كما اقترحوا فرأوه نازلاً منها بأعينهم، ولمسوه عند وصوله إلى الأرض بأيديهم، لقال الذين كفروا منهم كفر العناد والاستكبار: ما هذا الذي رأينا ولمسنا إلا سحر بيّن في نفسه، ثابت في نوعه، وإنما خيل إلينا أننا رأينا كتاباً ولمسناه، وما ثم كتاب نزل، ولا قرطاس رئي ولا لمس، وكذلك قال أمثالهم من قبل. والرؤية واللمس أقوى اليقينيات الحسية وأبعدها عن الخداع ولا سيما إذا اجتمعا، والثقة باللمس أقوى لأن البصر قد يخدع بالتخيل وقد قال تعالى في سورة الحجر: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ)، «الآيات: 14 - 15»، ولكن مكابرة الحس بعد اجتماع الرؤية واللمس وتقوية أحدهما الآخر قلما يقع إلا من جاحد معاند مستكبر، أو من مقلد أعمى لا تتوجه نفسه إلى معرفة شيء يخالف ما تقلده من آبائه وقومه. وقال السعدي، هذا إخبار من الله لرسوله عن شدة عناد الكافرين، وأنه ليس تكذيبهم لقصور فيما جئتهم به، ولا لجهل منهم بذلك، وإنما ذلك ظلم وبغي، لا حيلة لكم فيه، فقال: ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم وتيقنوه لقال الذين كفروا ظلما وعلوا: إن هذا إلا سحر مبين، فأي بيّنة أعظم من هذه البينة، وهذا قولهم الشنيع فيها، حيث كابروا المحسوس الذي لا يمكن دفعه من عاقل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©