الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

سحق الدول الفاشلة وصفة مجنونة لتحقيق السلام العالمي

25 يونيو 2006 01:28
غادة سليم: لازالت نظرية توماس بارنيت أستاذ العلوم السياسية في كلية أركان حرب البحرية الأميركية والتي تنادي بضرورة إخضاع الدول الفاشلة للعولمة بقوة السلاح تثير جدلا واسعا في أوساط المفكرين السياسيين على الرغم من مرور عامين على صدور كتابه ''الخريطة الجديدة للبنتاجون: الحرب والسلام في القرن الحادي والعشرين''· واستطاعت هذه النظرية أن ترسخ مصطلح '' الدول الفاشلة '' في أذهان الكثير من صناع القرار السياسي فباتوا يتحدثون عن عالم مشطور إلى نصفين، دول فاعلة وأخرى فاشلة· وبدأت تبرز أصوات لها ثقلها تطالب بإعادة تنظيم العالم والتدخل بقوة لسحق الدول الفاشلة واستبدالها بأخرى متعاونة وملتزمة بمعايير العولمة· وبات المصطلح ذاته يستخدم عند وصف دول تعاني من الديون أو الاضطرابات الأمنية أو تصدر الإرهاب الدولي أو تنتمي إليها عصابات تهريب المخدرات أو تفرض عليها عقوبات اقتصادية أو سياسية· وهي قائمة تهم طويلة ومطاطة كفيلة بتعميم الفشل على الكرة الأرضية باستثناء دول الصفوة ومن الحلفاء الأوفياء· التلاحم العالمي بات الكثير من المحللين السياسيين في الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة يلجأون إلى نظرية بارنيت للبحث عن تفسير لسياسات بلادهم الخارجية والتي يرون أنها مفاجئة لكل توقعاتهم ومخالفة لكل تحليلاتهم· ووجدوا أن إصرار أميركا على تغيير الخرائط السياسية لمناطق جغرافية بأكملها رغم العجز في ميزان المدفوعات، وعدم تحديدها لجدول زمني لانسحاب قواتها من العراق رغم الضغط الشعبي الداخلي، وغيرها من السياسات يوجد ما يبررها في سطور تلك النظرية· فالخطة التي يقدمها الكاتب لتحقيق الاستقرار والأمن العالميين تقوم على دمج ما يسمى بالعالم غير المستقر وغير الآمن في العالم المستقر بقوة السلاح· ويقسم بارنيت العالم إلى شطرين، دول متماسكة متآلفة في الثقافة والاقتصاد وأخرى مفككة فقيرة متخلفة يطلق عليها اسم الدولة الفاشلة· ويعرفها بأنها كل دولة تفشل في دمج ما هو قومي بما هو عالمي وتبقي محافظة على خصوصية أفكارها واقتصادها وإعلامها وقواعد الحكم الخاصة بها بعيدا عن الانصهار في بوتقة العولمة· فهو يرى أن الانفجار السكاني والأداء السيئ لاقتصاديات تلك الدول وما يترتب عليه من توترات سياسية سيؤدي إلى انفجار الوضع في العالم وبالتالي سيؤثر سلبا على اميركا وحلفائها· أما الدول الفاعلة فهي التي تنجح في الاندماج مع الاقتصاد العالمي وتسعى إلى تنسيق قواعد حكمها الداخلي مع الحكم العالمي الصاعد· ويعتقد بارنيت بأن من يهدد أميركا الآن ليست الدول القوية بل الدول المقهورة والفاشلة· وأن لدى اميركا مسؤولية لخلق عالم أفضل وذلك بإدخال كل الأمم إلى حظيرة العولمة أو ما يسميه بالتلاحم العالمي· وتؤيد مجلة (فورين بوليسي) الأميركية المتخصصة في السياسة الخارجية هذه الرؤيا من خلال استعراضها لأهم ما جاء في التقرير الاستراتيجي الأخير للأمن القومي للولايات المتحدة· وتخلص فيه إلى أن أميركا أنهكت طوال القرن العشرين بالدخول في صدامات مع دول قوية مثل ألمانيا واليابان والاتحاد السوفيتي بينما تهددها الآن دول ضعيفة فقيرة ومشتتة· وتدلل على ذلك بوجود 140 عملية عسكرية قامت بها القوات الأميركية في التسعينات ضد دول غير مندمجة في نظام العولمة· وهي دول في حوض الكاريبي وإفريقيا والبلقان والقوقاز وآسيا الوسطى والشرق الأوسط وجنوب غرب آسيا وجنوب شرق آسيا· وانتقلت عدوى الحديث عن ''الدول الفاشلة'' إلى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان الذي حذر قائلا:'' أن تجاهل الدول الفاشلة سيخلق مشكلات معقدة ستعود لتنقض علينا في المستقبل''· وكذلك فعل الرئيس الفرنسي جاك شيراك عندما تحدث عما تحمله الدول الفاشلة من مقومات عدم استقرار للعالم· فاليوم ·· لم يعد قادة العالم قلقين من الدول القوية بل يقلقهم أن الساحة الدولية باتت خالية منها· قوة جبارة ويرى بارنيت أن الأمن يتطلب قوة وقوانين واقتصادا وأمورا كثيرة متصلة ببعضها· وأن القوة العسكرية يجب أن تكون جبارة وهجومية متلازمة مع نظام إداري لإعادة بناء الدول الفاشلة التي لا بد من سحقها وتحطيمها· وأن تكون هذه القوة بتأييد من نظام عالمي يسمح بالبقاء على معظم القواعد العسكرية القديمة وإضافة قواعد جديدة في مواقع جديدة· فمن أبرز ما جاء في كتابه عبارة تقول: إن جنود المستقبل لن يتلقوا أوامرهم من اليابان وألمانيا فقط بل من قواعد جديدة في أوزبكستان وأذربيجان وأفغانستان والعراق وجيبوتي ومن غرب إفريقيا وجنوب إفريقيا ومن أميركا الجنوبية· وينادي بارنيت بإزالة جميع الحواجز بين دول العالم حتى يحدث الاندماج التام· ويطالب بوجود نسخة معدلة من النظام العالمي الجديد تضمن احتواء هذه الدول المفككة وتقدم لها بعض المغريات الاقتصادية مقابل أن تسلم ملف الأمن للقوة العظمى في العالم· فتتولى الولايات المتحدة أمر الجماعات والأفراد المارقين الذين يتمردون على قواعد العولمة· وتتجلى عبقرية بارنيت في إصراره على إقناع الناس بأن نظريته من المسلمات· وأن الدول القوية تتفق معه لأنها مسألة أخلاقية تضمن الأمن للعالم· وتظهر النزعة المتعالية عنده في قوله : '' بأننا الوحيدون أصحاب القوة العسكرية العظيمة في التاريخ، ونحن الوحيدون الذين نملك خطة متكاملة لهذا الكون·'' لا شك أن الطرح لا زال مستهجنا لدى الكثيرين ·· إلا أنه لا يمكن تجاهله· لأن أهميته تكمن في أن من يطرحه هو بارنيت المنظر الاستراتيجي للبنتاجون وأحد الأصوات المسموعة من إدارة بوش والرجل صاحب الخبرة الواسعة في عالم السياسة والأمن والذي قضى أكثر من خمسة عشر عاما في البنتاجون يروج لنظريته الاستراتيجية هذه عن الحرب والسلام في العالم· وهو من علماء السياسة البارزين في جامعة هارفارد ويتتلمذ على يديه أجيال من العاملين في السياسة من مختلف أنحاء العالم· كل هذا يسهم في إشاعة مفهومه '' للدول الفاشلة '' ويجعل من محاولة إخضاعهم بالقوة واقعا لا محالة· قوائم الفاشلين ترى ما هو عدد الدول الفاشلة في العالم؟ سؤال فرضته نظرية بارنيت على عدد من المنظمات والهيئات والإدارات· فالبنك المركزي الدولي استطاع أن يحدد 30 دولة فاشلة باعتبارها دولا ذات مداخيل اقتصادية ضعيفة، أما إدارة التنمية الدولية في بريطانيا فضمت قائمتها 46 دولة، بينما قائمة الاستخبارات المركزية الأميركية فضمت 20 دولة· وأما التقرير الاستراتيجي الأخير للأمن القومي للولايات المتحدة فلم يحدد عدد الدول بل جمع عدد السكان وقال أن هناك ملياري شخص على الأقل يعيشون في دول على حافة الانهيار· فما هي معايير الفشل التي يتم على أساسها تصنيف الدول ؟· يقول صندوق السلام الدولي أن أي حكومة تفقد السيطرة على أراضيها لا محالة ستخضع للتصنيف· بالإضافة إلى الأنظمة التي لا تسيطر على شعوبها وتقديم الخدمات الأساسية لها وأخرى تفشل في تحصيل الضرائب أو وضع ضوابط للسوق السوداء أو فرض الأمن الداخلي· كذلك الدول التي تخضع لعقوبات دولية سواء كانت سياسية أو اقتصادية بإرادتها أو خارج إرادتها وكل دولة توجد قوات عسكرية أجنبية على أراضيها أو تشهد اشتباكات عسكرية وعدم استقرار أمني أو اقتصادي أو ما شابه· وهو ما يجعل عبارة دول فاشلة تمتد جغرافيا من موسكو في آسيا إلى المكسيك في أميركا الشمالية· وفي الوقت الذي يحدد البنك الدولي معايير اقتصادية للفشل تتبنى منظمات دولية أخرى معايير سياسية واجتماعية· وأشار البنك إلى أول عشر دول على قائمته الخاصة بالفاشلين هي ساحل العاج والكونجو والسودان والعراق والصومال وسيراليون والتشاد واليمن وليبيريا وهايتي· أما ال20 اسما التالية في القائمة فتضم أسماء دول يخشى كثير من المحللين السياسيين أن تفهم على أنها استهدافا لشعوب ذات مواصفات دينية أو عرقية معينة· ويقصد بها تحديدا الهلال الإسلامي وتمتد من أفغانستان والجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفيتي إلى عدد كبير من الدول الإسلامية والإفريقية ودول الشرق الأوسط· وفي تقرير لمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ذكر أن هناك حوالي 12 مؤشرا ينذر كل دولة بأنها على حافة الوقوع في قائمة الفاشلين من بينها غياب الديمقراطية والانتخابات والفقر وعدم القدرة على الوفاء بسداد المديونية بالإضافة إلى وجود صراعات عرقية وطائفية ·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©