الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سلاطين الأسرة الشرقية عمّروا «جونبور» بالمساجد والمدارس

سلاطين الأسرة الشرقية عمّروا «جونبور» بالمساجد والمدارس
20 يوليو 2014 01:00
د. أحمد الصاوي (القاهرة) جونبور هي إحدى المدن التاريخية المهمة في شمال الهند، وهي تقع اليوم في الشمال الشرقي لولاية أوتار براديش الهندية، وتعد من أشهر المدن التي شيدها المسلمون في شبه القارة الهندية وعمروها بالمساجد والمدارس. أسست هذه المدينة التي تعرف تاريخياً بشيراز الهندية في العام 1359 م على يد سلطان دلهي فيروز شاه طغلق، وقد أطلق عليها هذا الاسم تخليداً لذكرى ابن عمه السلطان محمد بن طغلق، والذي كان يلقب باسم جوانا خان، وقد عهد فيروز شاه بحكم هذه المدينة لعبده مالك سرور نظراً لانشغاله بأحوال السلطنة، وقد أسس هذا القائد العسكري وابنه بالتبني مبارك شاه أسرة محلية حاكمة تعرف في تاريخ الهند الإسلامية بالأسرة الشرقية، وأعلنت هذه الأسرة استقلالها عن سلطنة دلهي في العام 1393م. بلغت سلطنة ونبور أوج قوتها في عهد الأخ الأصغر لمبارك شاة والذي تولى الحكم في العام 1402م باسم السلطان شمس الدين إبراهيم شاه وخلال سلطنته التي استمرت أربعين عاماً نجح إبراهيم شاه في مد نفوذه شرقاً إلى بيهار وغرباً إلى قنوج، وفي سلطنة حسين شاه «1456 - 1476م» أصبحت جونبور تمتلك أكبر جيش في الهند، ومن ثم طمح هذا السلطان إلى غزو دلهي، ولكنه فشل في ذلك ثلاث مرات ونظراً للخطر العسكري الذي شكله هذا الجيش الكبير اضطرت أسرة لودي الحاكمة في دلهي إلى مهاجمة جونبور وإسقاط الأسرة الشرقية في العام 1493م. وقد عني سلاطين الأسرة الشرقية بأمر المدينة الحديثة النشأة وعمروها بالمساجد والمدارس حتى أصبحت تماثل في الازدهار مدينة شيراز في بلاد فارس ونظراً لقربها من حدود إيران، فإن التأثيرات الإيرانية تبدو حاضرة في عمائرها أيضاً إلى جانب التأثيرات الهندية المحلية. مسجد عطاء الله ومن أشهر المعالم التاريخية والسياحية في جونبور المسجد المعروف بمسجد عطاء الله وهو من أقدم مساجد المدينة إذ بدأ تشييده في العام 1377 م ولم تتم الأعمال الإنشائية فيه إلا في العام 1408م خلال عهد السلطان شمس الدين إبراهيم. وعمارة هذا المسجد تبدو شديدة التأثر بعمارة المعابد الهندية وربما يعود هذا التأثير إلى حقيقة أن المسجد قد شيد في ذات البقعة التي كان يشغلها معبد هندوسي قديم كان يعرف باسم معبد أتالا، ومن هذا الاسم اشتق اسم مسجد عطاء الله، والحقيقة أن بعضاً من هذه الملامح الهندية يعود أيضاً لطابع المساجد التي شيدت في عهد دولة سلاطين آل طغلق في دلهي وبخاصة مسجد بيجامبور الذي اقتبست عقود ودعامات هذا المسجد من عمارته. ويبدو واضحا هنا مدى تأثير العمارة الهندية القديمة على المسجد الذي يفتقد الترابط بين مكوناته وهو أمر يتكرر في المساجد الآسيوية التي تعتمد على الإيوانات في تصميمها تحت تأثير العمارة السلجوقية. تأثيرات هندية وقد غطي كل قسم بقبة بصلية الشكل، فأصبح الجزء الذي يتوسطه إيوان القبلة، حيث يوجد المحراب، وكأنه مؤلف من ثلاث قباب شيدت على خط واحد أما أماكن الصلاة فهي موزعة بين طابقين الأول منهما يتميز بأن به أروقة تشبه في تكوينها ظلات الصلاة في المساجد الطغلقية، وقد حمل السقف المسطح فيها على دعامات قوية أو روابط حجرية تمتد بين زوج من الدعامات المبنية بالحجر، وهي ذات مقطع مثمن وعدد هذه الأروقة التي تسير موازية لجدار القبلة ثلاثة في إيوان القبلة ومثلها في القسمين الجانبيين أيضاً، وتتجلى التأثيرات الهندية المحلية في هذه الطريقة التي تخلى فيها المعمار عن العقود الإسلامية والتي كانت تنطلق من قمم الدعامات أو الأعمدة لتحمل عند أقصى ارتفاع لها سقف ظلة الصلاة، وهو ما كان يمنح المساجد الإسلامية إضاءة غامرة وتهوية كبيرة. ولا شك في أن هذه الطريقة الهندية في التسقيف قد ساعدت مهندس المسجد على تشييد طابق ثان للصلاة إلا أنها أفقدت المسجد الطابع الفلسفي الخفي في عمارته، فالإنسان يدخل للمسجد متعبداً رافع الرأس في فضاء مشبع بالإضاءة الطبيعية، كما أن الإمام في الصلاة هو من أحاد المسلمين وليست له قداسة كهنة المعابد التي تفرض عمارتها على مرتاديها الانحناء والنظر للأرض قبل المثول أمام الكهنة في أقداسهم الخافتة الضوء. مقصورة لصلاة السلطان ومن أهم ما يميز عمارة مسجد عطاء الله وجود ثلاثة مداخل له ووجود مقصورة لصلاة السلطان بجوار المحراب وهي من العناصر التي عرفت طريقها للمساجد عقب تعرض معاوية بن أبي سفيان للاغتيال على يد الخوارج. ويشغل الجانب المواجه لأروقة القبلة الآن مدرسة حديثة تعرف بمدرسة الدين والدنيا، وهي قائمة في الظلة الخلفية التي تتألف من رواق واحد فقط. باري مسجد من المعالم الرئيسية في جونبور مسجدها الجامع والمدرسة وهو من عمائر القرن 15م ويعرف بين سكانها باسم باري مسجد أي المسجد الكبير وقد شيد هذا المسجد المؤلف من طابقين من البناء في العام 1470م أي خلال عهد آخر سلاطين الأسرة الشرقية حسين شاه. ويشبه هذا المسجد الجامع في تخطيطه العام المساجد التي شيدت في سلطنة دلهي خلال فترة حكم فيروز شاه الثالث وهو أيضاً يشبه في بعض تفاصيله المعمارية مسجد عطاء الله، ويتميز المسجد الجامع بقاعة كبرى للصلاة بها المحراب الذي يعين اتجاه القبلة وهي مغطاة بقبة ضخمة يصل قطرها إلى أكثر من 11 متراً. ونجد على جانبي القاعة الرئيسية بالمسجد إيوانين يغطي كل منهما قبو طولي ولعلهما كانا يستخدمان في التدريس طالما عرف هذا الأثر الحافل بالزخارف الإسلامية بأنه المسجد الجامع والمدرسة الخاصة بجونبور. شبه القارة الهندية عالم حافل بأجناس وعقائد ولغات شتى، ومنذ القدم هذا العالم له شخصيته المستقلة وفلكه العقائدي والفلسفي الخاص، اقتحم الإسكندر الأكبر بلاد الهند غازياً وخلف وراءه تأثراً كبيراً بفنون الإغريق، ولكن دون تبديل كبير في شخصية الهند. وبدءاً من عام 92 هـ دخل الإسلام إلى الهند من جهة السند والبنجاب، ولكن نجاحه الأكبر كان في جنوب البلاد عبر التجارة الموسمية لينتشر الإسلام سلمياً بين الطبقات المقهورة والفقيرة هناك، وبدورهم نقل الهنود المسلمون دعوة الإسلام وحضارته إلى ما جاورهم من جزر المحيط الهندي وسواحله الجنوبية. أدرك المسلمون مبكراً أنهم يدخلون عالماً خاصاً فتعاملوا معه برفق يناسب البلد الذي كتب عنه البيروني كتابه الشهير «تحقيق للهند من مقولة في العقل أو مرذولة»، فكان الإنتاج الفني للهند في العمارة والفنون الإسلامية عروة وثقى بين روح الفن الإسلامي وشخصية الهند التليدة، هنا وعلى مدار الشهر الكريم نعرض لأهم ملامح إسهامات الهند في الفن الإسلامي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©