السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مدفع رمضان.. المعلن الرسمي عن موعد الإفطار

مدفع رمضان.. المعلن الرسمي عن موعد الإفطار
20 يوليو 2014 11:25
أحمد سعداوي (أبوظبي) يمثل مدفع رمضان بشكله التقليدي أهم ملامح الطقوس الرمضانية، إذ يضفي على أيام وليالي هذا الشهر الكريم مذاقاً خاصاً رغم التطور الذي يعيشه الناس ودخول التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة في مناحي الحياة كافة، ويرتبط مدفع رمضان لدى الكثيرين بذكريات جميلة ومواقف إنسانية رائعة كان يجتمع فيها أهل «الفريج» في الإمارات قديما ليتناولوا إفطارهم فيما يعرف بالـ «مفاطر»، التي كانت تزين الفرجان قديما بما تعكسه من روح الحب والتآلف بين سكان المجتمع الإماراتي. بديل الأذان الموحد لا يزال العديد من الإماراتيين، خاصة كبار السن منهم يسعدون بسماع طلقات مدفع الإفطار، ويسترجعون معه أيام الطفولة حيث كان هذا المدفع رمزاً للوحدة بينهم عبر الإعلان للناس عن مواعيد الإفطار أو بدء شهر رمضان الكريم، وكذا إطلاق الطلقات في المناسبات الدينية والوطنية المختلفة، تعبيراً عن الفرح والبهجة باستقبال هذه الأيام الجميلة التي تحمل الخير والفرح للجميع على اختلاف مراحلهم العمرية وفئاتهم المجتمعية. اعتماداً على خبرته الممتدة في التراث الإماراتي وحياة الأهل الإمارات قديماً، يقول سعيد المناعي، مدير إدارة الأنشطة بنادي تراث الإمارات، إن مدفع رمضان له مكانة خاصة لدى كل أبناء الإمارات والشعوب العربية والإسلامية، خاصة وأن الأجواء في الإمارات قديما كانت تتسم بالبساطة والبعد تماما عن الزحام والضوضاء التي نجدها حالياً، وكان المدفع في هذا الزمن القديم، يعمل عمل الأذان الموحد، مشيرا إلى أن أولى الأمر كانوا يعطون المدفع اهتماما كبيراً، حيث كانت تتم تجربته قبل حلول شهر رمضان للتأكد من مدى جهوزيته للمهمة التي سيؤديها خلال ثلاثين يوماً، ونظراً لهذه الأهمية كان الأهالي يعتمدون على سماع مدفع الإفطار أكثر من الأذان، لأن موعد الأذان كان متفاوتاً لعدم وجود تنسيق وآلية توحد بين المؤذنين. طقوس الإطلاق يقول المناعي إن مدفع رمضان وصوت إطلاقه أو رؤية طقوس الإطلاق كانت تمثل فرحة كبيرة بالنسبة للكبار والصغار، خاصة الأطفال الذين كانوا في خطواتهم الأولى في عالم الصيام، حيث كان المدفع يمثل لهم بهجة تناول الطعام والشراب بعد يوم حار وشاق قبل ظهور وسائل الراحة حديثا. كما أن بعض الأطفال من سكان المناطق البعيدة كانوا يسيرون إلى أماكن تجعلهم قادرين على سماع طلقات المدفع بوضوح، ثم يسارعون فرحين للأهل لإخبارهم بحلول موعد الإفطار، الذي ربما لا يكون مسموعا بوضوح في تلك الأماكن. ويشير المناعي إلى أنه من أجمل المكافآت التي يتلقاها الأطفال في الزمن القديم هو اصطحاب الأهالي له لرؤية المدفع، حيث يحفزونه لعمل السلوكيات الإيجابية التي يطلبها منه أبواه عبر تشجيعه بجائزة الذهاب لرؤية المدفع والاستمتاع بالتعرف عليه بشكل مباشر. ومن الذكريات الجميلة التي يرويها المناعي، المرتبطة بمدفع رمضان الذي كان يتم إطلاق أولى مقذوفاته ليلة الرؤية عند معرفة بدأ شهر رمضان، أنه في ليلة الشك «ليلة التحري»، كان أحد الشوّاب الإماراتيين القدامي وهو «جاسم بن كلبان»، كان يقوم بالإمساك بـ «دوربين»، خاص به (الدوربين هو المنظار بلهجة أهل الإمارات وسكان منطقة الخليج)، وكان يشارك عبر هذا المنظار في استطلاع هلال رمضان كل عام، وكان هذا الطقس ضمن الأمور الاسترشادية في عمليات التحري واستقبال رمضان في القرن الماضي، وكان جاسم بن كلبان من الشخصيات المميزة في الفريج، وتزداد هذه الأهمية كل عام ليلة التحري. زي خاص عن رداء الشخص المسؤول عن إطلاق المدفع قديما، والذي كان يسمى الحارس أو «المطارزي»، يقول الوالد حثبور الرميثي، الذي تجاوز السبعين عاماً، وعاصر أجيالاً كانت تعتمد بشكل رئيس على المدفع في الإعلان عن دخول شهر رمضان وغيره من المناسبات الدينية، إن الحارس كان له رداء مميز وأهم ما فيه «التفق» أي البندقية باللهجة الإماراتية، وهناك محزم حول الوسط يضع فيه الخنجر، ومحزم آخر على الكتف يضع فيه رصاص البندقية. ويوضح الرميثي أن مقذوف المدفع، لم يكن ناريا كما يعتقد البعض، بل عبارة عن كرة حديدة ثقيلة الوزن لا تنفجر وإنما كان يضرب بها الجدار من أجل اختراقه اعتمادا على قوة الدفع، وفي رمضان يستبدل هذا المقذوف الحديدي بكيس به بارود مضغوط حتى يعطي صوتاً عالياً عند انفجاره بعد إطلاقه من المدفع. من ناحيته، يذكر الخبير التراثي أحمد المهيري أنه مع كثرة المساجد في المجتمع الإماراتي منذ القدم، إلا أن المدفع في شهر رمضان كان له أكبر الأثر في التنسيق بين المؤذنين، بحيث يكون الأذان واجبا على من سمع صوت إطلاق مدفع الإفطار، ويحق للصائم الذي لم يسمع الأذان أن يبدأ في تناول فطوره بعد سماعه صوت المدفع. كما كان المدفع يعتبر في الماضي وسيلة الإعلان الرسمية للتعريف ببدأ الأعياد والمناسبات الدينية المختلفة. أهمية كبرى من العادات الجميلة التي يسردها المهيري عن المدفع وأوقات الإفطار قديما، أن الناس قديماً من سكان الفريج كانوا يفطرون خارج المنزل فيما يعرف بـ «المفاطر»، وكان الفريج كاملاً المؤلف عادة من 10 إلى 12 بيتاً تقريبا، كانوا يتجمعون استعدادا لسماع إطلاق المدفع، ثم الأذان والصلاة ثم تناول الإفطار. ويشير إلى أنه في ذلك الوقت لم يكن هناك أي معدات حديثة تكشف عن موعد دقيق للأذان، الذي كان أحيانا لا يسمع بوضوح كاف، من هنا كان للمدفع أهمية كبرى خلال شهر رمضان في المجتمع الإماراتي عبر العصور القديمة وإلى الآن، باعتباره رمزاً تراثيا جميلاً وأحد الطقوس المميزة التي يترقبها الجميع مع قدوم شهر رمضان. مواقع المدافع حول مواقع توزيع المدافع قديما، يقول سعيد المناعي، مدير الأنشطة بنادي تراث الإمارات، إنه كان يتم وضع المدفع في أماكن محددة، وغالبا ما تكون عند قصور الحكام، ومنها المدفع الذي كان يوضع عند قصر الحصن في أبوظبي، ومدفع آخر لدى قصر الحاكم في رأس الخيمة، وغيرها من قصور ولاة الأمر في الدولة، وهذا دأب عرفه الإماراتيون عبر الزمن، مشيرا إلى أن «المسؤول عن تجهيز وإطلاق المدفع قبل ظهور دولة الاتحاد في الثاني من ديسمبر عام 1971، كان الحرس الأميري الخاص بكل إمارة، قبل أن تنتقل تلك المهمة إلى جهات أخرى في العصر الحديث». يرتبط مع أهالي الشارقة بتاريخ عتيد المدفع.. يروي صفحات من التراث أزهار البياتي (الشارقة) منذ عقود مضت ارتبطت إمارة الشارقة بصوت دوي مدفع رمضان، ليتحّول إلى تقليد متبع ينتظره سكان الإمارة وأهلها بكل شغف وحنين، فيستبشر به جموع الصائمين، مستعيدين به طقسا من أهم طقوس المورثات العربية والإسلامية، محملا بنفحات من الحس التراثي الأصيل والثقافة الإنسانية لماضي الآباء والأجداد. تاريخ طويل للمدفع تاريخ طويل مع شارقة الإمارات، يرجع لمطلع العقد الثلاثيني من القرن المنصرم، حين كانت الحياة آنذاك تتسم بالبساطة والهدوء، وتفتقد لجميع وسائل الرفاهية والتقنيات الحديثة، مما يدفع الناس للاعتماد على «ضرب المدفع» ودويه الصادح في العديد من المناسبات والاحتفالات الشعبية، سواء كانت للتهليل بمواسم النصر والفرح أو للتذكير بموعد أذان الإفطار خلال أمسيات الشهر الفضيل، مع التبشير بهلة العيدين. وعن أهمية وجود مدفع رمضان في الزمن القديم، يقول عبيد راشد بن صندل، باحث في مجال التراث «حياتنا في تلك الأيام لها وقع مختلف، ونمط بسيط ورائق، فلم نكن ننعم بترف الكهرباء والمدنية، ولا نملك أجهزة المذياع والتلفاز، ورغم ذلك كنا نعيش جميعا بجو أسري حميم، ومجتمع متعاضد وآمن، مبدأنا القناعة والرضا بما يقسمه الله، وعندما يأتي رمضان الكريم فرحته تعم وتطغى على مظاهر الحياة كافة، فنستبشر مع غروب كل يوم نسمع به صوت مدفعه المدوي ونترقبه بشوق المتعطش لشربة ماء، وكأنه يصدح ليأذن للصائمين ويبشرهم بفرحة الإفطار ومرضاة الله». ويتابع «في الشارقة كان المدفع يتربع عند مدخل الحصن وقصر الحاكم، كما يتنقل حسب المناسبات من حصن لآخر، ويطلق في عدد من المناسبات والاحتفالات الشعبية التي تهم السكان، منها 7 طلقات عند دخول شهر رمضان المبارك، لتلحقها وبمعدل طلقة واحدة طوال أيامه الثلاثين، وتكون عند غروب الشمس وفي لحظة أذان المغرب بالتمام، حيث تلتقي جموع الأهالي والجيران في الساحة العامة التي تجمع عددا من «الفرجان»، وحيث تمد هناك موائد الإفطار ليتحلق حولها الصائمون مجتمعين على الخير والمودة ومتشاركين في سبيلها الأجر والثواب، كما كان المدفع يطلق طلقاته السبعة أيضا في العيدين الصغير والكبير، بالإضافة إلى استخدامه في فعاليات وأغراض أخرى، يأتي منها الترحيب بوصول ضيف مهم لزيارة الحصن أو من أجل التهليل بالنصر». مكانة وجدانية مع مرور السنين استمر المدفع التقليدي في الحضور والتواجد في حياة أهل الشارقة كتقليد إسلامي عتيد، ويصب في صميم التراث وينسجم مع قيّم العادات والتقاليد التي يتمسك بها سكان الخليج العربي، كما اعتمده الناس وسيلة إعلام وإعلان عن مناسبات بحد ذاته، ولكنه ظل مرتبطا ارتباطا وثيقا بشهر رمضان الكريم، معززا مكانته في المشاعر والوجدان، وممارسا دوره ودلالاته الإيمانية والروحانية عند الصائمين، ليمتد هذا الموروث الشعبي والتاريخي ويظهر بشكل رسمي مع بدايات تأسيس شرطة الإمارة عام 1967. في هذا الإطار، يقول بن صندل «مع مد التطور والنهضة والزحف العمراني الذي طال المجتمع، أصبحت الشارقة مدينة زاخرة بالمساجد والجوامع، وأصبح الأذان يسمع من المكبرات الصوت ومحطات التلفزة، ولكن لا يزال هناك الحنين لدوي مدفع الإفطار وقع مختلف عند معظم الناس، وتبقى الحاجة لسماعة خصوصية وتفرد، كونه يعتبر تقليدا مرتبطا بذهنية المسلم الصائم، لذا فقد حرصت الإمارة على استمراره موسما بعد آخر خلال السنوات الماضية، واليوم أصبحنا نرى كيف تعددت وتوزعت مدافع رمضان خلال لتغطي عدة مناطق من الشارقة وضواحيها الشرقية، كما تخصص فضائية تلفزيون الشارقة برنامجا خاصا عنه يبث على الهواء مباشرة وطوال أيام الشهر المبارك». يتخلى عن وظيفته القتالية ويشيع البهجة في دبي خولة علي (دبي) يعود تاريخ حضور المدافع في الإمارات إلى القرن السابع عشر والتاسع عشر حيث شهدت أطماع كثيرة من المستعمرين وبالتالي شهدت أنواعا مختلفة من المدافع، وأكثرها تعود للاستعمار البريطاني حيث نجد بعض هذه المدافع مازالت شاخصة أمام المتاحف والحصون؛ فمنها ما هو موجود في مقابل بوابة حصن الشارقة، ويبلغ قطر فوهته نحو 4 سنتيمترات، وهو مصنوع من البرونز وعليه بعض الرموز والتاج البريطاني، ويعود للقرن التاسع عشر الميلادي. أما المدافع الحديدية فمن أهمها مدفع من الصلب في قلعة الفهيدي بدبي قطر فوهته نحو 9 سنتيمترات، وباروده كروي الشكل ويرجع إلى القرن الثامن عشر. وأسهم أهل الإمارات في إصلاح بعض هذه المدافع المعطوبة وصناعة بارود خاص بها. ليصدح عاليا مرتين في السنة عند رؤية هلال رمضان ويوم العيد. ويعود راشد بن هاشم، الذي ولد وترعرع في الشندغة دبي القديمة، في خمسينيات القرن الماضي، إلى لحظة دوي مدفع رمضان الذي كان يعتبر أحد الوسائل المتبعة سابقا للإعلان عن خبر دخول رمضان على أهالي الفرجان والأحياء قديما. في هذا الإطار، يقول «لا يمكن أن ينفصل المرء عن ماضيه عن ذكرياته وعن طفولته التي تغذت بينابيع الصبر والشدة والتراحم والترابط الذي شيدت بها دعائم بنية الحياة الاجتماعية السائدة في تلك المساحة البسيطة التي سكنها أهالي دبي قديما، فلا يمكن أن تمحو من ذاكرتنا ونحن صغار الكثير من المعاني والمفاهيم والمواقف التي تأكد تأصل جذور المعاني الإنسانية السامية المستنبطة من تعاليم الدين الحنيف وسنته، وكرس ذلك في الجيل الذي لم يخرج من نطاق الألفة الحقيقية التي قلما نجدها في أيامنا هذه، لتظل الذكريات حاضرة نستعيدها لحظة بلحظة موقف بموقف، ونفتقد جمالياتها ما أن تلوح المناسبات لنستشعر عمق تلك الحياة وتفاصيلها التي نتوق لها في أيامنا هذه خصوصا في رمضان هذه الضيف العزيز الذي كان يستقبل بالتهليل والتكبير لتصبح الديار عامرة بالخير والبركات». ويوضح بن هاشم «لمراسيم إطلاق مدفع رمضان حضورها ومكانتها بين الناس قديما، فالكل يترقب دويها وانبعاث دخانها الذي يحمل بشرة خير بدخول الشهر الكريم وإعلان الصيام». وعن استخدامه في الكشف عن رؤية الهلال، يقول بن هاشم «في خمسينيات القرن الماضي كان الأهالي قديما كبارا وصغارا يترقبون رؤية هلال الشهر الكريم، حيث عادة ما يتوجه مجموعة من الأفراد للوقوف على الكثبان الرملية حتى يستطيعوا رؤية الهلال، وما أن يلمح أحدهم الهلال حتى يبشروا به الآخرين، عندها يساق المدفع على عجلة خشبية إلى فضاء واسع غير مأهول بالسكان ويتم إطلاق فيه المدفع. ويتابع «أذكر حينها ما أن نسمع أن المدفع يجهز حتى ننطلق مع الصبية بشوق لرؤية لحظة إطلاقه، ونظل نراقب بشغف القائم بمهمة الإطلاق وهو المرحوم صالح الباطني، الذي كان أحد حراس مربعة الحماية الموجودة على أطرف البلد في ذلك الوقت، حيث يقوم بتنظيف المدفع وحشوه بالبارود والخيش في فوهته وإعلان بدء الإطلاق، ويكون الدوي قويا فنضع أيدينا على آذننا من هول الموقف الذي اتسم في الوقت نفسه بالبهجة والفرحة التي رسمت على محيا الأهالي، ثم ننطلق مهرولين نطوف الفرجان ونردد «هلا رمضان ... هلا رمضان». ويؤكد بن هاشم «عملية إطلاق مدفع رمضان كانت نوعا من الإعلان عن مناسبة دينية في وقت لا توجد أي وسائل يمكن أن نعمم وننشر به الخبر على وجه السرعة المطلوبة، فبعد أن يطلق المدفع يطوف عدد من الأشخاص يحمل كل واحد منهم في يده طبل يطوف بالفرجان ويطرق عليه وهو ينادي ويردد »أتى رمضان وغدا صيام«، وهذه العبارات تكون مؤشرا على مدى الترابط والتكاتف الاجتماعي السائد في المنطقة حينها».. وحول أماكن تمركز المدافع قديما يقول بن هاشم «كانت توزع هذه المدافع المصنوعة من الحديد والبعض الآخر من الصفر في أماكن عدة، منها في ديرة حيث يرتكز مدفع عند برح حشر وهي منطقة تسمى سابقا عبرة الرس، والبرج كان موجود في الخور، وقريبا منه توجد مساحة خاوية يرتكز المدفع على جانب منه. وعادة ما يطلق المدفع في مناسبتين في السنة الإعلان عن بداية الصوم ودخول العيد. ومدفع آخر موجود عند حصن الفهيدي قديما وعادة ما يعلن من خلاله مناسبة العيد نظرا لقرب المصلي من الحصن، وهناك أيضا مدفع قرب نايف. ومازلت بعض هذه المدافع موجودة في متحف الفهيدي بدبي». ويوضح بن هاشم «ما أن توسعت البلد حتى أوكلت مهمة إطلاق المدفع إلى الجهات الأمنية لفرض أكبر قدر من الحماية، وهذه المدافع تأخذ وتنظف وتوضع في أماكن خاصة للعام القادم». مصادفة خير من ألف ميعاد ارتبط مدفع رمضان بالشهر الفضيل حتى أصبح من التقاليد المهمة للإعلان عن الإفطار في كثير من الدول العربية والإسلامية، فلا يزال وقعه مأثراً في نفوس الصائمين الذين يبدأون إفطارهم على دوي صوت المدفع، وقد أرجع المأرخون تاريخ إطلاق مدفع رمضان إلى العهد المماليك، حيث أراد السلطان المملوكي «خشقدم» أن يجرب مدفعاً جديداً وصل إليه. وقد صادف إطلاق المدفع وقت موعد الإفطار فظن الناس أن السلطان تعمد إطلاق المدفع لتنبيه الصائمين إلى موعد الإفطار، وتوجهت وفود منهم إلى مقر الحكم لشكر السلطان على هذا العمل، وعندما رأى السلطان سرورهم قرر المضي في إطلاق المدفع كل يوم إيذاناً بالإفطار. أحيل إلى التقاعد عام 1979 رمز الحماية والفرح في الفجيرة لا تزال تلك الصور، وذلك المشهد عالقاً في الذاكرة عند الجيل الأول من أهالي الفجيرة وهم يتسمرون عند أبواب بيوتهم العتيقة على ضفاف الساحل أو القريبة من المزارع، وكلهم إذن تصغي لصوت المدفع معلنا دخول وقت الإفطار، وانقضاء يوما من شهر الصيام؛ فقبل ارتفاع المآذن ودخول مكبرات الصوت إلى المساجد كان صدى المدفع يتردد في الآفاق، وفي الفجيرة كما هو حال باقي إمارات الدولة استخدم المدفع ليس فقط في المناسبات والأعياد وتحديد وقت الإفطار والسحور بل كان للمدفع دورا مهما في الذود عن حياض الوطن والدفاع عن الأرض، وإظهار القوة والهيمنة وبسط السلطة والنفوذ وتوفير الحماية للمواطنين والتصدي للأعداء. ولا يعرف بالضبط تاريخ دخول المدفع إلى الخدمة في الفجيرة إلا أن أحمد الشامسي، رئيس مجلس إدارة هيئة الفجيرة للآثار والسياحة، يقول إن تاريخ استخدام المدفع في إمارة الفجيرة يرجع إلى أكثر من 200 سنة. ويشير إلى الحادثة المدونة في كتب التاريخ، والتي ترجع إلى عام 1924 في عهد الشيخ حمد بن عبدالله الشرقي حاكم الفجيرة الأسبق عندما قام الأسطول البريطاني في مهاجمة قلعة الفجيرة، واستخدمت الفجيرة للمرة الأولى المدفع لرد المعتدي ولا تزال آثار الاعتداء واضحة على فوهة المدفع الموجود في القلعة الرابضة في قلب مدينة الفجيرة إلى جانب المتحف الذي يحكي أسرار وقصص المدفع والدور، الذي لعبه في الزمان الغابر، حيث يفخر المتحف بوجود مدفعين وهما من أقدم المدافع في الفجيرة وضعا على مدخل المتحف ليحكيا للزوار الدور المهم الذي كان مناط في المدفع. ويشير الشامسي إلى أن المدفع جمع ما بين دور الحماية والتصدي لأي هجوم وما بين نشر أخبار الفرح في الأعياد فعندما كنا أطفال وبعد ذلك طلاب في المدارس في السبعينات من القرن الماضي نسمع ونتابع باهتمام بالغ وترقب دائم صوت المدفع وهو يدوي في أرجاء المكان عند لحظة الإفطار، وكذلك عند الإعلان دخول شهر الصيام وإعلان العيد ولم يطلق المدفع إلا بأمر من الحاكم بعد التأكد من دخول وقت الإفطار أما وقت الإعلان عن أول أيام العيد فلا يتم إطلاق المدفع إلا بعد شوف هلال شوال أو اكتمال شهر الصيام وبعد التداول بين الحاكم والأعيان يتم الإعلان النهائي وإطلاق المدفع قبيل صلاة العشاء حتى لا يكون هناك لبس أو تردد في تحديد أول أيام العيد، أما الفرحة الكبيرة التي تعم المنطقة فهي تلك التي يتم خلالها إطلاق المدفع بعد أداء صلاة العيد وتبادل التهاني والتبريكات بالعيد السعيد وسط التهليل والتكبير. ويوضح رئيس هيئة الآثار والسياحة في الفجيرة أن أهم طقوس الزمان الماضي وبالأخص خلال شهر رمضان هو تناقل أخبار ضرب المدفع وتنسج الكثير من الروايات عن قوة هذا المدفع ومدى صوته لدرجة المبالغة أحيانا فالمدفع هو جزء أصيل من مظاهر الفرح خلال تلك الأيام وحول آخر استخدام للمدفع في إمارة الفجيرة. ويقول الشامسي إنه في عام 1979 تم الاستغناء عن خدمات المدفع وظل هذا الرمز التاريخي بين ردهات المتاحف والحصون والقلاع ليسرد لجيل اليوم أهم المحطات التي مر بها المدفع وعن عدد المدافع القديمة في الفجيرة، مضيفا أن هناك نحو سبعة مدافع يرجع تاريخها إلى أكثر من 200 سنة، وأن لدى الهيئة خطة لجمع وحصر وصيانة المدافع لتكون مرجعا تاريخيا ورمزا من رموز الفخر والاعتزاز.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©