الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قانون يمنع استعادة المعمرين الفرنسيين لأملاكهم بالجزائر

قانون يمنع استعادة المعمرين الفرنسيين لأملاكهم بالجزائر
1 أكتوبر 2010 20:31
شهدت المحاكم الجزائرية في السنوات الأخيرة قضايا غير متوقعة تمثلت في إقدام مئات المعمرين الفرنسيين على رفع دعاوى قضائية يطالبون فيها باسترجاع أملاكهم السابقة التي تركوها في الجزائر غداة استقلالها عن فرنسا في 5 يوليو 1962، وصُدم الجزائريون بكسب هؤلاء للقضايا المرفوعة واستعادة أملاكهم فعلاً ليعيدوا تأجيرها لجزائريين أو يقومون ببيعها، وهو ما أثار جدلاً وضجة كبيرين لم تنتهيا إلا منذ أيام قليلة. بعد نجاح الثورة الجزائرية في دحر الاحتلال الفرنسي وإعلان استقلال الجزائر في 5 يوليو 1962، شرع الأغلبية الساحقة من المعمرين، وعددهم 420 ألف معمِّر، بمغادرة الجزائر مع الجيش الفرنسي، وقال هؤلاء إنهم اضطروا إلى ذلك خوفاً من انتقام الثوار والسكان منهم بسبب وقوفهم مع فرنسا ضد الثورة، بينما قالت الجزائر إنهم غادروا البلد بمحض إرادتهم على الرغم من أن اتفاقية إيفيان بين فرنسا وقيادة الثورة تمنح لهم الحق بالبقاء والحفاظ على أملاكهم، أو تعويضهم عنها إذا رغبوا بالرحيل. أملاك شاغرة إثر مغادرتهم، قام جزائريون فوراً بشغل أملاكهم من سكنات ومحال تجارية وفنادق وغيرها من العقارات، وأصدرت الحكومة قانوناً لـ”الأملاك الشاغرة” ينص على أنها تصبح ملكاً للدولة إذا مرَّ عامان كاملان ولم يعد أصحابُها الذين تركوها، وفي 5 يوليو 1964 أصبحت معظم أملاك المعمرين ملكاً للدولة الجزائرية طبقاً لهذا القانون، وبموجبه أيضاً مُنحت لشاغلي هذه الأملاك من الجزائريين عقود ملكية، بينما اكتفت بمنح قرارات إدارية لمؤسسات وإدارات عمومية باستغلالها. وشغل الجزائريون هذه الأملاك لأكثر من أربعة عقود دون أن تظهر أية مشكلة، عدا مطالبة فرنسا بالتعويض لمعمِّريها طبقاً لاتفاقية إيفيان، فلبت الجزائر هذه المطالب مرتين في الستينيات والسبعينيات، واعتقد الجميع أن هذا الملف قد طوي، قبل أن يُفاجأوا منذ سنة 2004 بإعادة عدد من المعمرين فتح هذا الملف من خلال اللجوء إلى المحاكم الدولية ورفع أزيد من 6 آلاف قضية على الحكومة الجزائرية للتعويض عن أملاكهم بالجزائر، وكذا رفع دعاوى أخرى أمام المحاكم الجزائرية لطرد شاغلي أملاكهم السابقة وإعادتها لهم. أحكامٌ غريبة وفي الوقت الذي حكمت فيه محاكم دولية بـ”عدم الاختصاص” في قضايا المعمِّرين في نوفمبر 2006، أصدرت محاكم محلية بالجزائر العاصمة ووهران وتلمسان وقسنطينة أحكاماًً لصالح المعمرين الأوروبيين باستعادة أملاكهم وبخاصة تلك التي تشغلها مؤسسات عمومية بقرارات إدارية وليس بعقود ملكية من الدولة؛ إذ استغل المعمرون تأخر الدولة في ضمها إلى أملاكها منذ الاستقلال وعجزها عن التأسيس كطرف مدني ليكسبوا القضايا المرفوعة بعقود ملكيتهم الأصلية التي منحتها لهم الإدارة الفرنسية، وبموجب هذه الأحكام القضائية استعاد عددٌ منهم أملاكه ليقوم بإعادة تأجيرها أو بيعها، وهو ما صدم المحامية والحقوقية الشهيرة فاطمة الزهراء بن براهم التي أبدت تعجُّبها وذهولها من عدم اكتراث العدالة الجزائرية بعقود الملكية التي تمنحها إداراتٌ جزائرية للسكان وإصدار أحكامها طبقا لـ”عقود الملكية الأصلية” العائدة إلى العهد الاستعماري، وتتساءل باستغراب: هل يعقل بعد مرور 48 سنة كاملة من الاستقلال أن يستعيد معمِّرون فرنسيون أملاكهم السابقة، وبموجب أحكام من العدالة الجزائرية، عوضا أن تعوِّض فرنسا للجزائر عن احتلال البلد واستغلال أراضيه وأملاكه بطريقة غير شرعية ونهب خيراته وثرواته والتنكيل بسكانه. عملية قذرة أكدت ابن براهم أن معمِّراً فرنسياً يسمى ميمون لم يغادر الجزائر فور استقلالها وفضل البقاءَ فيها، يشرف على هذه “العملية القذرة” من خلال زيارة فرنسا والاتصال بالمعمرين السابقين وإقناعهم بمنحه تفويضاً للتصرف بأملاكهم السابقة ومقاضاة شاغليها من الجزائريين، ثم يعود إلى الجزائر محمَّلاً بعقود الملكية الأصلية والتفويضات ويباشر رفع دعاوى أمام المحاكم الجزائرية التي تحكم لصالحه. وبهذه الطريقة، أخليت عمارة كاملة من سكانها الجزائريين بموجب حكم قضائي لصالح معمِّر، كما أن معمرا آخر ربح دعوى ضد هيئات عمومية جزائرية تشغل عمارة أخرى من 15 طابقاً وتضم مقر الخطوط الجوية الجزائرية وديوان الثقافة والإعلام ومطبعة عمومية، لاسيما وأن هذه الهيئات تفتقر إلى عقد ملكية للبناية بعد أن منحت لها الدولة قراراً إدارياً بسيطاً لاستغلالها. شبكات متواطئة يؤكد لخضر بن سعيد، ابن شهيد، أن هناك أكثر من 300 قضية من هذا النوع رفعها معمرون، ويتهم منظمات “الأسرة الثورية” من مجاهدين وأبناء شهداء بالتخاذل واللامبالاة إزاء هذا الموضوع الخطير، أما القيادي الثوري أحمد محساس فيؤكد أن ما حدث وقع بتواطؤ من بعض المتنفذين الذين سارعوا إلى إعادة شراء هذه الأملاك من المعمرين الأوروبيين فور استعادتها قصد المتاجرة بها، ويقول محساس إن هناك “شبكات” تشكَّلت وتخصصت في شراء عقود الملكية الأصلية من المعمرين ثم مقاضاة شاغليها الحاليين وبالتالي الاستيلاء عليها، وأبدى حسرته الكبيرة للتراجع الخطير عن مكاسب الاستقلال الذي جاء بعد دفع الجزائريين أكثر من مليون ونصف مليون شهيد، ليستعيد المعمرون “أملاكهم” بحيل غريبة وكأن كل تلك التضحيات ذهبت سدى. قانون جديد الواضح أن رفع هذه القضايا أربك القضاء والسلطات الجزائرية معاً لسنوات، قبل أن تهتدي هذه الأخيرة إلى حل يحفظ للجزائريين أملاكهم ويضع حدا لأطماع المعمِّرين والشبكات التي تتواطأ معهم لإعادة المتاجرة بأملاكهم السابقة، وجاء هذا الحل مؤخرا من خلال المادة 42 في قانون المالية التكميلي لسنة 2010، والتي تبطل كل القرارات الإدارية والقضائية السابقة التي استفاد منها قدماء المعمرين الفرنسيين أو وكلاؤهم في الجزائر في السنوات الأخيرة، وتمنعهم من استرداد أملاكهم السابقة، كما تنص على عقوبات بالحبس من سنة إلى 3 سنوات بحق كل شخص أو جهة توفر “غطاءً قانونياً” أو تساعد في تحويل تلك العقارات خارج ملكية الدولة. وهو ما يفتح المجال لإبطال مختلف القضايا التي لا تزال أمام المحكمة العليا، وكذا مقاضاة كل المتواطئين في هذه القضايا ومعاقبتهم، بينما يبقى الإشكال في القضايا المفصول فيها والتي تم بموجبها إعادة بيع الأملاك المسترجَعة، وإمكانية تعويض الدولة للجزائريين المتضررين.
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©