الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ألمانيا.. الرعاية الصحية تفتقر إلى الأطباء

20 يوليو 2014 01:23
نعومي كريسج محللة اقتصادية أميركية متخصصة بالشؤون الأوروبية لعل من المثير للاستغراب أن قسم التخدير التابع لمستشفى يقع إلى الغرب من مدينة فرانكفورت الألمانية، يكاد يخلو تماماً من أي طبيب ألماني صغير السن من بين طاقمه كله. وتعمل طبيبة صربية مقيمة تدعى «إيفانا» بلغت عامها التاسع والعشرين، مع طاقم من الأطباء المساعدين الذين أتوا من الهند والمجر ومصر وأوكرانيا وسلوفاكيا. وهؤلاء هم جزء من موجة أطباء صغار السن تتدفق إلى ألمانيا من شرق وجنوب أوروبا. ويواجه قطاع الرعاية الصحية في ألمانيا مشكلة أساسية تكمن في أن الأطباء الألمان أصبحوا متقدمين في السن. ولقد تجاوز 44 بالمئة منهم الخمسين من العمر. يحدث هذا في وقت تتضاءل معه أعداد الأطباء الشبّان المتخرجين حديثاً والذين يمكنهم تعويض الكبار. ويكمن سبب هذه الظاهرة في أن الشعب الألماني ذاته يعاني من الشيخوخة بسبب قلّة الإنجاب وزيادة معدل العمر. ويعود السبب الثاني في الأهمية إلى أن الأطباء الألمان الشبان يفضلون الهجرة للعمل في الدول المجاورة، طمعاً في الحصول على أجور أعلى وخاصة في سويسرا والدول الاسكندنافية. ويخلق نقص الأطباء الألمان فرصة كبيرة أمام الأطباء الأجانب الذين يأتون إلى ألمانيا لسدّ هذا الفراغ بدافع الحصول على أجور أعلى من التي يتقاضونها في بلدانهم، وأيضاً من أجل اغتنام فرص الترقيات الوظيفية العادلة والاستفادة من شروط العمل المناسبة. ويبدو أن هذه الظاهرة أصبحت سائدة في العديد من دول أوروبا التي يتدفق إليها الأطباء المهاجرون قادمين من الشرق والجنوب. وارتفع عدد الأطباء العاملين في فرنسا الذين حصلوا على شهاداتهم الطبية من الخارج بمعدل 43 بالمئة بين عامي 2008 و2013 حتى بلغ 17835 طبيباً وفقاً لإحصائية أنجزها المجلس الطبي الفرنسي. وفي المملكة المتحدة، التي كانت سبّاقة لاستدراج الأطباء الهنود والباكستانيين، بلغ معدل الأطباء الحاصلين على شهاداتهم من الخارج 37 بالمئة. وفيما لا تزال الفرص الطيبة متوافرة بكثرة أمام الأطباء المهاجرين إلى البلدان الأوروبية‘ فإن اتخاذ القرار بالقضاء على هذه الظاهرة محفوف بالمصاعب. ويقول الدكتور الصربي «ملادن ستانكوفيتش» ذو التسعة والعشرين عاماً وزوج «إيفانا»: «لا تقتصر مشكلة العمل في ألمانيا على صعوبة اللغة وحدها، بل في أن يتم قبولك في المجتمع كشخص أو كطبيب. وعندما كنا في صربيا، كنا عازمين على عدم مغادرة وطننا. وسرعان ما شعرنا بأننا أصبحنا معرضين لضغوط قوية عندما بلغنا عامنا السابع والعشرين وحيث اكتشفنا أنا وزوجتي أنه لا مستقبل لنا هناك. وتحادثت معها في الموضوع وقلت: لا بدّ لنا من أن نفعل شيئاً... لم يعد في وسعنا الانتظار حتى نبلغ الأربعين». وغادر الزوجان اللذان ينتميان لعائلتين يكثر فيهما الأطباء، المعهد الطبي في مدينة «نيس» الصربية وتوجها إلى ألمانيا، والتحقا بدورة مدتها عام لتعلم اللغة الألمانية قبل أن يتوجها إلى المستشفيات والعيادات الطبية المنتشرة في بلدات وأرياف المقاطعات الألمانية التي تتميز بإجراءاتها الإدارية المخففة لقبول الأطباء الأجانب. ويقول «جورجن هوفارت» رئيس الرابطة الطبية في مقاطعة «راينلاند- بالاتينات» الألمانية: «كلما توغلت أكثر في الضواحي والأرياف، كلما وجدت أعداداً أكبر من الأطباء الأجانب. وبالرغم من أن أصحاب القرار في هذه المقاطعة لا يرحبون كثيراً بتوظيف الأطباء الأجانب، إلا أنهم يأتون إلى هنا بطرق مختلفة تحدوهم الرغبة في الحصول على رواتب مرتفعة وشروط عمل طيبة». ويبلغ الراتب الشهري للطبيب في صربيا عند تعيينه نحو 477 دولاراً (1750 درهماً) فيما يبلغ إيجار الشقة بمدينة «نيس» الصربية 163 دولاراً (600 درهم) شهرياً. وفي المقابل، يبلغ الراتب الشهري للطبيب المساعد عند التعيين في ألمانيا عشرة أمثال راتبه في صربيا. وتتوزع المستشفيات الريفية الألمانية في مناطق لايحبّذ الأطباء الألمان العيش فيها. وهم لا يتوقفون عن التطلّع لتقاضي رواتب أعلى مقابل ساعات عمل أقل، وهذا ما يدفعهم للنزوح المتواصل عبر الحدود إلى سويسرا وغيرها من البلدان ذات الرواتب المجزية، والتي تتوافر فيها شروط عمل أفضل. وخلال العام الماضي وحده، هاجر أكثر من 3 آلاف طبيب ألماني إلى سويسرا وأستراليا والولايات المتحدة. ولكن هذا الباب المروحي القابل للفتح والانغلاق بالاتجاهين، والذي يغادر الأطباء الألمان وطنهم عبر إحدى دفتيه ليدخل الأطباء المهاجرون من الأخرى، يُعدّ فاتحة لمشاكل وعراقيل كثيرة. وتعد اللغة أهم عائق يواجه الأطباء الأجانب. فالألمانية التي تتصف بالصعوبة البالغة في تصريف الكلمات ونطقها وطريقة التعامل مع الأسماء والأفعال والضمائر في التذكير والتأنيث، ليست لغة سهلة الانقياد أو الاستيعاب بالنسبة للأجانب. وكثيراً ما يرسب الأطباء القادمون من دول العالم المختلفة في امتحانات القبول اللغوية. وفي عام 2012 رسب ثلث الأطباء الأجانب في تلك الامتحانات وتحتم عليهم إعادة الانتساب للدورات اللغوية من جديد. وكانت «إيفانا» بدورها تعاني من مشكلة عدم استيعاب اللغة الألمانية، إلا أن مغادرة المستشفى الذي تعمل فيه لم تكن ممكنة قبل انتهاء مدة التعاقد معه والبالغة سنة كاملة. وكان عليها أن تعمل بجهد كبير على جبهتين، كطبيبة جراحة مساعدة خلال النهار وطالبة لغة أثناء الليل. وهي مغتبطة لأنها تستخدم في عملها أحدث التكنولوجيات الطبية بما فيها نظام «الجراحة بمساعدة الروبوت»، والتي لا يوجد مثيل لها في صربيا. وقالت لصديق ألماني بلغة ألمانية متعثّرة: «هنا، يمكنك أن تتعلم الكثير. وتشعر بأن الأمور تجري وتتطور بسرعة عجيبة». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©