الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تركيا واستحقاقات الشراكة المتوازية

1 أكتوبر 2010 22:03
وجدت تركيا نفسها أثناء سنوات الحرب الباردة في موقف اقتصادي وسياسي يدفعها للتركيز على علاقاتها مع الغرب، على رغم أنها اتجهت فوراً بعد انتهاء الحرب الباردة إلى تقوية علاقاتها مع الدول المجاورة، خاصة منها دول الشرق الأوسط. وفي ذات الوقت استمرت أنقرة في جهودها المتواصلة لإثبات أهليتها لأن تلعب دور الجسر السياسي والاجتماعي والاقتصادي بين الثقافات المختلفة من الشرق والغرب، وكذلك بين النظم السياسية والاجتماعية على الجانبين من خلال الانضمام إلى العديد من المنظمات الإقليمية، وفي الوقت نفسه ترسيخ إصلاحات محلية. وقد صوَّت الشعب التركي مؤخراً لمصلحة استفتاء سيعمل على تعديل دستور عام 1980 الذي وضع في عهد الانقلاب، وإعادة هيكلة النظام القضائي ودعم حقوق شريحتي النساء والأطفال. وتشمل التغييرات كذلك إلغاء مادة في الدستور كانت تعفي قادة الانقلاب العسكري عام 1980 من مواجهة المحاكم أو العقوبات القانونية. وتبدو تركيا اليوم من خلال إرساء قواعد هذه الإصلاحات مستعدّة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهذا من شأنه أن يساعدها أيضاً على كسب ثقة السكان وتقوية فرص التفاهم بينهم وبين الطرف الأوروبي، بينما تتحسن كذلك، في الوقت نفسه، علاقاتهم مع دول الجوار في الشرق الأوسط ولكن على رغم جهود الحكومة المحلّية والإقليمية، لا يبدو أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أصبح مطمحاً قريب التحقق حتى الآن. وفي الوقت الذي هيمنت فيه نظرية هنتنجتون الشهيرة حول "صِدام الحضارات" على الجدل السياسي الدولي بعد عام 2001، أطلق رئيس الوزراء التركي أردوغان ورئيس الوزراء الإسباني "ثباتيرو" منظمة تابعة للأمم المتحدة سميت "حلف الحضارات"، وهي، باختصار، تهدف إلى جَسر الهوة بين الثقافات المختلفة وإنشاء شبكة من الشراكات لتيسير الحوار. وإلى جانب ذلك لدى تركيا أيضاً دور قوي ومؤثر تلعبه في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، واتحاد التعاون الاقتصادي للبحر الأسود، ومنظمة المؤتمر الإسلامي. ولكن حتى تتسنى مساعدة تركيا على لعب دورها كجسر ناجح بين الشرق والغرب، من الأساسي أن تعمل منظمات المجتمع المدني في دول الاتحاد الأوروبي، وأيضاً في تركيا، على تغيير وجهات النظر السلبية والصور النمطية المتفشية لدى كل واحد من الطرفين تجاه الطرف "الآخر"، خاصة مع وجود مقاومة على المستوى العام، وعلى الجانبين أيضاً، لفكرة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وفي عام 2007، كشفت أرقام "اليورو باروميتر"، وهي سلسلة من الاستطلاعات أجرتها الهيئة الأوروبية أن 85 في المئة من الأوروبيين مقتنعون بأن الفروق الثقافية بين تركيا وأوروبا أكثر قوة من أن تسمح بانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي. ولاشك أن الرأي العام له أهميته البالغة في هذه الحالة، ويبدو ذلك واضحاً إذا أخذنا في عين الاعتبار أن بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي -مثل فرنسا والنمسا- قد أعلنت أن انضمام تركيا سيخضع لتصويت مواطنيها. والحال أن مثل هذه العراقيل والتعقيدات أدت إلى فتور في حماسة الأتراك للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وفي عام 2009، أظهرت أيضاً استطلاعات "اليورو باروميتر" أن أقل من 50 في المئة من الأتراك ينظرون إلى انضمام بلادهم إلى الاتحاد الأوروبي على أنه أمر إيجابي. بينما أظهرت دراسة أحدث أجرتها عام 2010 مؤسسة "كومبانيا دي سان باولو" الإيطالية وصندوق مارشال من الولايات المتحدة، أن الدعم التركي العام للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي انخفض إلى 38 في المئة لا غير. وتُظهِر هذه الاستطلاعات بوضوح وجود نقص حقيقي في المعلومات لدى الأوروبيين فيما يتعلق بتركيا، وفيها هي أيضاً في المقابل فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي. ولذا فإن هناك حاجة ماسة للعمل من أجل تغيير وجهات نظر المواطنين وتوجهات الرأي العام هنا وهناك، وهذه مهمة لا يمكن إنجازها إلا بالاشتغال بالدرجة الأولى في إطار جهود المجتمع المدني. وفي هذا المقام ينبغي أيضاً الاعتراف بأن برنامج "إيرازموس" لتبادل الطلاب الذي أطلقه الاتحاد الأوروبي بين الجامعات التركية والأوروبية، أسهم بقوة في إزالة الكثير من الإجحافات والصور النمطية. وقس على ذلك أيضاً برامج التعاون بين منظمات المجتمع المدني على الحدود بين تركيا واليونان وبلغاريا التي تشجع الحفاظ على التراث الثقافي المشترك. وعلى المستوى البيئي، أوجدت المشاريع التي تجمع الجماعات البيئية اليونانية والتركية بيئة صديقة لسكان كلا البلدين، كما أتاحت فرص العمل جنباً إلى جنب لتحقيق هدف مشترك بإيجاد تنمية مستدامة في منطقة بحر إيجة. وبهذه الطريقة، في نظري، يمكن تغيير كثير من الصور النمطية لدى المواطنين الأوروبيين تجاه تركيا وبالتالي تجاه الإسلام، الأمر الذي سيساعد، دون شك، في تمهيد الطريق أمام تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وفي المقابل، ستزيد عضوية تركيا من صدقية الاتحاد الأوروبي في دول العالم الإسلامي. وكل هذه التطورات المترابطة كفيلة بزيادة الاستقرار الإقليمي، وتعزيز فرص الاستفادة من علاقات الجوار، وهو أمر سعت إليه كل من تركيا والاتحاد الأوروبي منذ فترة طويلة. سيغدوم أوستن أستاذ بجامعة غيدز في أزمير - تركيا ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©