الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عملية السلام... مأزق الجميع

عملية السلام... مأزق الجميع
1 أكتوبر 2010 22:04
المفاوضات المباشرة في هذه المرحلة هي أفضل الخيارات الصعبة أمام السلطة الفلسطينية، لأنها تسهم على الأقل مرحلياً في زيادة الضغط على إسرائيل لإيقاف الاستيطان وتخفيف الضغط الأميركي على الفلسطينيين (الطرف الأضعف)، إضافة إلى إبقاء الرئيس أوباما مهتماً باستمرار المفاوضات والتعامل مع القضية الفلسطينية، كما أنها تبقي دولاً عربية رئيسة، مثل مصر والأردن، وراء محاولة إبقاء فرص السلام قائمة. لكن من جهة أخرى، فإن وجود معارضة لهذه المفاوضات في الساحة الفلسطينية والعربية، من قبل حركة «حماس» و «حزب الله» وقطاعات أخرى فلسطينية، بالإضافة إلى سوريا وإيران، يبدو مفهوماً ومتوقعاً. ويضاف إلى ذلك أن الدول العربية ليست في جلّها وراء هذه المفاوضات، والدول المشاركة كمصر والأردن ليست متأكدة من النتيجة وذلك لقناعتها بمحدودية ما تنوي إسرائيل تقديمه في هذه المرحلة. وستتعرض المفاوضات لقضايا لا تقوى إسرائيل على تقديم حلول لها. فقضايا اللاجئين والمستوطنات والقدس والدولة والحدود والمياه وكل ما يتفرع عنها ستفعل فعل المتفجرات في المفاوضات. بمعنى آخر لا توجد قواسم مشتركة بين الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي، فكل منهما في المفاوضات لأسباب ودواع لا علاقة لها بموضوع التفاوض، فالإسرائيلي يريد أن يخفف الضغوط العالمية والأميركية عليه ويريد أن يفترس المفاوض الفلسطيني والأرض التي يقف عليها، بينما الوفد الفلسطيني يريد أن يوقف زحف الاستيطان ويخرج من المفاوضات بدعم عالمي أكبر لينجح في إقامة دولة فلسطينية وخلق شرخ أميركي إسرائيلي. بل على الأغلب يسعى الطرف الفلسطيني، في حال فشل المفاوضات، إلى إقناع القوى الدولية بأهمية مساعدته على إقامة دولة فلسطينية من طرف واحد وبضمانات دولية. ويزيد الأمر صعوبة إصرار إسرائيل على اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة، غير مكتفية بالاعتراف بإسرائيلية الدولة. لكن الاعتراف بيهودية إسرائيل سيعني إضراراً كبيراً بمصالح الفلسطينيين في أراضي 1948، والذين يمثلون اليوم 20 في المائة من مواطني إسرائيل. إن فكرة يهودية إسرائيل فرضية عنصرية تعيد إلى الذاكرة الكوارث التي جاءت مع الصهيونية منذ نشوئها. وهناك عنصر رئيس في المعادلة يترك أثراً كبيراً في السلوك الأميركي الراهن، فقد حلت مؤخراً الذكرى التاسعة لهجمات 11 سبتمبر، ومع ذلك لم يتم حتى الآن اقتلاع الإرهاب، كما أن الولايات المتحدة لم تحقق انتصاراً حاسماً في هذه الحرب أو في أي من حروبها الأخرى في العراق وأفغانستان واليمن وباكستان. ويضاف إلى ذلك أن الولايات المتحدة تدفع سنوياً مئة بليون دولار في أفغانستان وحدها، كما أنها أمام تحدي الوضع الاقتصادي منذ الأزمة المالية العالمية. هناك إذن بيئة سلبية للدولة الكبرى اقتصادياً وبيئة تفرز الإرهاب إقليمياً في الشرق الأوسط. هذه التطورات أسهمت في تنمية إدراك لدى فريق الرئيس أوباما بأن الكثير من الرفض للولايات المتحدة في العالم الإسلامي مرتبط بدعمها إسرائيل وحروبها واحتلالها الاستيطاني. الولايات المتحدة بدأت تكتشف أن جزءاً كبيراً من ورطتها في الشرق الأوسط مرتبط بحالة الاحتلال والقهر والاستيطان الإسرائيلية والآثار والأبعاد التي تثيرها هذه الحالة في المجتمعات الإسلامية. لنأخذ تصريح أوباما منذ أسابيع والذي يعكس طبيعة الأجواء في الإدارة الأميركية الراهنة: «إن حل الصراع في الشرق الأوسط مصلحة رئيسة للأمن القومي الأميركي... وإن صراعات كالتي تقع في الشرق الأوسط تكلفنا كثيراً من الدماء والإمكانات».. لكن كما هو الحال في كل مفاوضات، من يعرف كيف ستتطور في ظل ارتفاع وتيرة الهجوم الذي تتعرض له الإدارة الأميركية من القوى المؤيدة لإسرائيل في الساحة الأميركية؟ قد يقدم نتنياهو تنازلاً بسيطاً في شأن الاستيطان ينتج منه سقوط الحكومة الإسرائيلية الحالية وانتخابات جديدة يصعب على نتنياهو الفوز بها. ورغم تداخل الموقفين الإسرائيلي والأميركي ودور جماعات الضغط الإسرائيلية ودور الكونجرس الأميركي المنحاز لإسرائيل، فإن هذه الإدارة ترث من الإدارة السابقة حالة تراجع في منطقة الشرق الأوسط في ظل عدم القدرة على احتواء الإرهاب وتنظيم «القاعدة» والأوضاع في أفغانستان والعراق واليمن وباكستان وفلسطين. إنها إدارة لا تمتلك أوهاماً حول إسرائيل وشن الحروب الاستباقية والاستيطان. لكن لتحافظ على وضعها الدولي وتتخلص من سلسلة الحروب التي تورطت فيها، عليها أن تسير في خط صعب وأن تمارس ديبلوماسية دقيقة. إن تعاملها مع الصراع العربي الإسرائيلي بصفته جوهر صراعات الشرق الأوسط، يمثل مدخلاً ضرورياً يجب الترحيب به. فذلك هو التعامل السليم مع جوهر الورطة الأميركية في الشرق الأوسط الكبير. إن المأزق الذي تجد السلطة الفلسطينية نفسها فيه ويجد الشعب الفلسطيني أنه يعيش وسطه، تحوّل أيضاً إلى مأزق تعيشه الإدارة الأميركية هي الأخرى، وتحول أيضاً إلى مأزق لإسرائيل لا تعرف كيف تتعامل معه بعيداً عن الإمعان في تعميقه بمزيد من الاستيطان. د. شفيق الغبرا أستاذ العلوم السياسية - جامعة الكويت ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©