الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأرض لو عطشانه..

الأرض لو عطشانه..
4 يوليو 2013 00:29
في الواقع لا يمكن أن نجد فيلما من إنتاج السينما المصرية، يخلو من منظر لنهر النيل، الذي يتوسط جانب كبير منه مدينة القاهرة ذات الكثافة السكانية العالية. فالنهر الذي يشق المدينة نصفين، ويعلوه كوبري يطلق عليه إسم (كوبري النيل)، يتمتع بحركة مرورية وسياحية، ما يجعل منه موقعا مهما لتصوير الأفلام. وإن جملة (الكازينوهات) المترفة المطلة على النهر، تستقبل كل يوم أفواجا من الناس من كل حدب وصوب، فالمنظر بمجمله يمتلك سحرا خاصا، والرؤية تتسع لمشاهدة مراكب الصيادين وهي تعبر النهر، فيما تتبعها المراكب السياحية لتحقيق فرجة، لا تضاهى، في هذا المكان الذي إستثمره الروائي النوبلي نجيب محفوظ برواية أطلق عليها عنوان “ثرثرة فوق النيل” بعد نكسة عام 1967 مباشرة وكتب لها السيناريو والحوار ممدوح الليثي، لتصبح فيلما سينمائيا بتوقيع المخرج حسين كمال، وقد إعتبره النقاد واحدا من أهم أفلام السينما المصرية التي أنتجت في تلك الفترة، وجسد فيها محفوظ حالة اللامبالاة والانكسار والاستسلام للهزيمة في تلك الفترة. وأعطى لمصر رمز الفلاحة الحامل التي ماتت دهسا بحادث سيارة على يد مجموعة من (المساطيل)، لكن أبطال الفيلم مثل نهرهم الخالد ممتدون، بعد أن تتوالى الأحداث، فنتصور حالة جديدة تبدأ من عوامل الهزيمة إلى تحوّلات الانتفاضة التي نادى بها بطل الفيلم عماد حمدي في آخر مشاهد الفيلم بحتمية الانتفاضة وتحطيم اللامبالاه والانحلال للنهوض بالدولة وكسر الهزيمة وتحويلها لنصر.. وهو ما تحقق بعد عرض الفيلم بسنوات من خلال عبور أكتوبر العظيم 1973. وإذا عدنا بذاكرتنا إلى الوراء حتى عام 1951، سنجد فيلم “إبن النيل” الذي كتب له القصة والسيناريو وأخرجه يوسف شاهين، وفيه يتبدى الصراع بين الريف متمثلا في نهرها العظيم، والمدينة بما فيها من تداخلات وإشكاليات، فيكون هو محور الفيلم الذي يؤكد على قيم وأخلاقيات وتقاليد أهل القرى والأرياف، تلك القيم المستمدة من أصالة الأرض والنهر، ولهذا يعود بطل الفيلم شكري سرحان إلى قريته، بعد أن تسحبه جذوره، ليجد فى انتظاره زوجته زبيدة (فاتن حمامة) ومعها ابنها التي أنجبته بعد سفره إلى القاهرة والذي كاد أن يغرق في النهر. وليس ببعيد عن هذا المحتوى، يقدم لنا المخرج يوسف شاهين في مقاربة جديدة، إحدى روائع السينمائية الكلاسيكية، فيلم بعنوان “الأرض” من إنتاج عام 1970، تأليف حسن فؤاد، سيناريو وحوار الكاتب المسرحي عبد الرحمن الشرقاوي. وتدور أحداث الفيلم في إحدى القرى المصرية عام 1933، حيث يبلغ العمدة الفلاحين أن نوبة الري لأراضيهم قد أصبحت مناصفة بينهم وبين محمود بك، غير أن الفلاحين يثورون على هذه التعليمات وعلى رأسهم محمد أبو سويلم (محمود المليجي) الذي يقترح تقديم عريضة إلى الحكومة، ويسافر إلى القاهرة لمقابلة محمود بك، لكنه لا يهتم بالأمر، ويقدّم إقتراحا آخر، يتمثل في إنشاء طريق يربط بين قصره والشارع الرئيسي، مما يستلزم إنتزاع أجزاء كبيرة من أراضي الفلاحين، فيثور الفلاحون ثانية للدفاع عن أرضهم وهي بمثابة عرضهم وشرفهم وجذورهم، فينتهز الاقطاعي محمود بك الفرصة لصالحه، فترسل الحكومة قوات الأمن لتأديبهم، ويتم إنتزاع الأراضي منهم بقوة السلطة. وفي مشهد ختامي مؤثر، يتصدى لهم الفلاح محمد أبو سويلم، ويتم سحله على مرأى من الفلاحين، فيما ـ وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة ـ يلتقط حفنة من تراب أرضه، الذي يمتزج بدمه. ويلخص هذا الفيلم المتميز حكاية الانسان والأرض، ورفض فكرة الاقطاع والهيمنة، ويبقى تراب وطين الأرض العطشى أهم قيمة إنسانية. ولا نعتقد أن أحدا من محبي السينما العربية يستطيعون نسيان مشهد الفنان المصري الراحل محمود المليجي، وهو ملقى على الأرض، متشبثا بكلتا يديه بها، وأصابعه مغروسة في الطين، ودماؤه تنزف على الأرض التي أحبها، بينما مجموعة من أعوان الحكومة المصرية في تلك الحقبة الملقبين بـ”الهجانة” يجرونه جرا ويسحلونه بحبال غليظة، في مشهد من أقوى مشاهد المخرج المصري العالمي يوسف شاهين، فيما تتوج ذروة الفيلم بأغنيته الشهيرة بتوليفة ثنائية الأرض والماء: “الأرض لو عطشانه/ نرويها بدمانا/ عهد علينا وأمانة/ تفضل بالخير مليانة/ يا أرض الجدود/ يا سبب الوجود راح نوفي العهود/ يا رمز الخلود قلوبنا تهون/ وعمرك ما تنامي عطشانة/ الأرض لو عطشانة/ نرويها بدمانا”. وتبدو في هذه الأغنية جلية دلالات الماء، فهي رمز للطهارة والارتواء والنقاء والخصب والنماء والتجدد، وربما تكمن هنا أهمية هذه الأغنية التي تعكس قيمة النهر في المجمل العام. وإذا كنا نود إرتباطا أكثر وضوحا في هذا المجال، فلنعد بالذاكرة إلى عام 1963، حيث فيلم المخرج فطين عبد الوهاب بعنوان “عروس النيل” عن سيناريو وحوار فائق إسماعيل، وتمثيل رشدي أباظة ولبنى عبد العزيز وعبد المنعم إبراهيم. ويحكي الفيلم قصة المهندس الجيولوجي سامي، الذي يذهب إلى مدينة الأقصر للتنقيب عن البترول، ويحاول عالم الآثار منعه من القيام بمهمته، بحجة أن المنطقة تستخدم كمقبرة لعرائس النيل، وأكد الأهالي له، أن لعنة الفراعنة ستنزل عليهم، لو أن أعمال الحفر والتنقيب بدأت في المكان، ووسط تداخل الأحداث، تظهر له فتاة رائعة الجمال في زيّ عروس النيل، تدعى (هاميس)، تطالبه بوقف عملية الحفر، لأن أجسام عرائس النيل مدفونة في منطقة عمله، كما أخبرته أنها إبنة (آتون ـ إله الشمس)، وأنها آخر عروس نيل، وأن والدها أرسلها إلى الأرض لمنع إنتهاك حرمات مقابر عرائس النيل. وتتسلسل الأحداث، لنرى كيف أنها بدأت تضايقه في عمله، ومن مفارقات الفيلم، أن لا أحد بإمكانه أن يراها سواه، فيتوقف العمل في الحفر، ويعود سامي إلى القاهرة حيث مقر عمله الأصلي، لكنها ما زالت في أثره، فيقع في غرامها، ويناقشها في موضوع الزواج دون أن يصل معها إلى حل. وتصل أحداث الفيلم إلى نهاية مؤثرة، حينما يعثر على تابوت به جثة عروس النيل هاميس، فيغلق التابوت، ليعود إلى مكان آخر للتنقيب عن البترول. ومن الملاحظ مدى تأثر سينما زمان بثقافة الأسطورة الفرعونية، وكيف أن هذه السينما وظفت هذه الثقافة ذات الصلة المباشرة بنهر النيل، توظيفا خاصا، يبرز مكونات هذه الثقافة في إطار سينمائي يقوم على جماليات كوميديا المفارقة ومزج الواقع بالمتخيل. أعمال سردية رصدت سيرة الناس وتحولاتهم على ضفتيه مياه النهر تسري وتسرد لا ضير من العودة ثانية إلى رواية نجيب محفوظ “ثرثرة فوق النيل”، ووفق مخيلته الابداعية، فهو متعلّق بشدة بهوية المكان الذي هو بمثابة عنصر سردي في الرواية، سواء كان هذا المكان القاهرة وحارتها وأزقتها، أو ريفها، بما فيه من أرض وأصالة وقيم وتقاليد خاصة. وقد إستحضر الرجل في جملة من كتاباته نهر النيل بقوة، وبخاصة في الثرثرة... مسجلا القيمة الفكرية والانسانية للنهر العظيم في حياة مصر والمصريين عبر حقب تاريخية مختلفة. لذلك وكما نلمح من كتاباته وتصريحاته أن له علاقة خاصة مع هذا المكان الأثير، وهي علاقة تفرض حضورها على كل إنسان يعيش في هذا البلد أو يزوره، يقول محفوظ: “في الأوقات التي كنت أجلس فيها بمفردي على شاطئ النيل، كنت أشعر وكأن هناك علاقة حبّ، ومودة تربطني بالنيل، فأناجيه، وأتحاور معه كأنه شخص آخر، أحيانا كنت أحدّق فيه، ولا أشبع من النظر إليه” (كتاب “نجيب محفوظ وعشر سنوات من نوبل”، عرض د. محمد الرميحي، مجلة “العربي” عدد 478 ـ 1998). وكما يبدو من قراءة الرواية بعيدا عن الفيلم، فإن المكان الأساسي الذي كانت تجري فيه ثرثرة الشخصيات، هو (العوامة الراسية في نهر النيل)، أما النهر نفسه فقد كان شاهدا على هذه المغامرة، لهذا وفي تقديري أن هذه الرواية الرائعة هي رواية النيل بامتياز، وفي ذلك يقول الناقد المغربي عبد الجليل لعميري، في دراسة له بعنوان “شعرية المكان في ثرثرة فوق النيل”: “انطلاقا من العنوان “ثرثرة فوق النيل”، تحدث “الثرثرة” كفعل جماعي “فوق النيل”، أي بشكل عمودي، مما يجعلها ظاهرة ومكشوفة لنا، وهي “ثرثرة” متعددة، اذ تتكرر كل ليلة، لكنها تتم فوق الماء المتجدد/ الجاري، انه ماء نهر النيل، الذي يشق مجراه في المكان والزمان، لهذا نتمكن من خلال هذه الثرثرات الليلية المتراكمة تشكيل معرفة أكثر وضوحا عن شخصيات العوامة، وكأن المياه الجارية تحتها تجلو وجوه الشخصيات وتطهرها من همومها وأوساخها. وان وجود النيل ـ هنا ـ علامة على حتمية التجدد والشفافية التي يهرب منها انيس (وزير شؤون الكيف) وأصحابه، ولعل حادثة مقتل الرجل المجهول جعلتهم ينتبهون ـ ولو نسبيا ـ إلى خطورة الجمود الذي يعيشونه في العوامة على سطح نهر جار كثيرا ما يجرف العوامات التي تفقد حبالها الرابطة لها بالأرض/ الواقع”. ومن الجيل الجديد من كتاب الرواية في مصر نختار الكاتب محمد العشري، صاحب رواية “خيال ساخن” والتي نجح من خلالها في تقديم حالة إبداعية مثيرة للاعجاب والاهتمام، فقد عاد وبجرأة عالية إلى فن الأسطورة، بالسباحة في نهر النيل، رحلة في مركب صغير، تدخل بأبطال الرواية إلى الحياة الفرعونية البعيدة، والصحراء المتاخمة لضفتي النيل وأثره في تشكيل حياة المصريين، وتنتهي بهم الرحلة في الزمن الحاضر، بحثاً عما يفتقده الإنسان الآن من دفء وحب وأمان، وبحثاً عن نافذة يرى منها الإيجابي في الشخصية المصرية عبر التاريخ. مراوحة ما بين الواقعي والخيالي، القديم والجديد، وأثر النيل في تكوين المصريين، وفي جانب آخر أشعل الخيال في إحداث ثورة داخل الرواية، من خلال رمزية “سوق الحيوانات”، فقد كان بمجازياته ورموزه، متعطشاً لرؤية ما يقوم به المصريون في حاضرهم، في ظل ما ما يعيشونه من واقع جديد، في إطار المشهد السردي الجديد في مصر. ولا يمكن لنا في السياق أن نغفل رواية “إبن النيل” لجاذبية صدقي، وهي رواية كتبت خصيصا للفتيان والطلائع، وتنتمي في أسلوبها إلى الأدب الواقعي الاجتماعي، ضمن مفهوم قصص الأدب التربوي، نظرا لما تشتمل عليه في فكرتها ومضمونها على قيم أخلاقية وتوعوية، بالاضافة إلى تكريس مفهوم قيم الانتماء للأرض والوطن والقيم الاقتصادية والجمالية والوجدانية. وقد أتت الكاتبة على ذكر النيل في عديد المواقع والمشاهد من الرواية، وتدور فكرتها حول قصة كفاح الصبي حمدان الصياد الفقير اليتيم (بطل الرواية)، وهو ابن احدى قرى الصعيد المطلة على نهر النيل (قرية الصفاء)، وكيف يكافح ويساعد أهل قريته في شدتها، ثم يمضي للمدينة ويتحول من صياد إلى طالب علم فيحارب الجهل وينقذ قريته من براثن الفقر والجهل والمرض، ويصير طبيباً يعود لقريته يخدم بلده وأهلها، ويجعل من قريته قرية نموذجية مثالية حتى تصير معلماً سياحياً ويُشيد بها مستشفى نموذجياً تحظى بفخر كل البلاد حولها، ويباركها أهلها وتسعد بزيارة العلماء الأجانب لها. ولعل القسم الثاني من الرواية كثير الشبه بقصة “قنديل أم هاشم” للكاتب الكبير يحيى حقي مع اختلاف التفاصيل الروائية. فيما يلعب نهر النيل في رواية جاذبية صدقي، دوراً بطولياً في حياة حمدان، فالنهر يقاسمه حياته، ويتأثر به في كل الاحوال، وهو جزء من حياته ومكون من مكونات شخصيته: “ارتوى منتعشاً كالعود الأخضر من مياه نهرها العذب”، قد تكرر ذكر نهر النيل ومترادفاته أكثر من مائتي مرة، بدلالات مختلفة. ولعلنا نختتم هذا الباب، بالحديث قليلا عن قصة يعقوب الشاروني “الرحلة العجيبة لعروس النيل” وهي قصة تتمتع بأسلوب شائق، ضمن قالب الأدب القصصي الفانتازي القيمي البيئي، إذ تدعو إلى الحرص على نظافة النهر، كما تحث على إحترامه وتقديره من خلال الحث على عدم رمي المخلّفات في مياهه، وتدور القصة بالمجمل حول خروج عروس النيل من النهر، معلنة إحتجاجها، على المعاملة السيئة التي يتعامل بها الناس مع النهر، ولا يراعون في حياتهم مسألة تلويثه وإهماله. وبذلك يكافئها والدها (النيل)، بما وعدها به قبل سنوات، بأن يحول ذيلها السمكي إلى قدمين، لتتحول إلى إنسية، تستطيع التكيف مع حياة البشر. أعياد النيل تتبدى القيمة الفكرية والاجتماعية الانسانية العظيمة لنهر النيل الذي أسر قلوب المصريين القدماء وحضارتهم التي إستمرت بضع آلاف من السنين، من خلال العادات والتقاليد الموسمية المرتبطة بالنهر، ومنها تلك الأعياد التي أقاموها للاحتفاء به، ومنها: عيد حفل عروس النيل، وقد أتينا على ذكره في مقدمة الدراسة، وهناك ما يعرف بـ(ليلة الغطاس) وهو عيد قديم سابق على الفتح الاسلامي، وكان يقام في ليلة الحادي عشر من طوبة، على شاطئ النيل، ومن طقوسه الغطس في مياه النهر، تجنبا للاصابة بالأمراض طوال العام، ولعل ذلك ما شكّل لدى النّاس ثقافة خاصة حول أهمية قدسية هذا المعلم العظيم، وهناك ثمة طقس إستقيناه من عيد الدراسات القديمة، متمثلا في (عيد وفاء النيل)، ويعتقد أنّه من أهم أعياد المصريين القدماء، وكان الفرعون نفسه، أو نائبه، يحرص على حضور هذا الحفل بمشاركة الشعب، وظل هذا الاحتفال مستمرا حتى وقت قريب في مصر المعاصرة، ولكنه إتخذ له شكلا يتماهى مع هذا الاحتفال. جريمة أجاثا كريستي في النيل لقد عرفت مصر منذ قديم الأزل بأنها هبة النيل، فقد شكل هذا النهر العظيم، حياة مصر والمصريين، كما ساهم في تشكيل سلوكهم ومزاجهم، ومخيلتهم، كما جمع شؤون حياتهم وطقوسهم، ومختلف أنواع الآداب والفنون، لذا فقد تناولوه في كتاباتهم وشتى إبداعاتهم، منذ عهد الفراعنة، وحتى وقتنا هذا، لمنزلته الرفيعة المقدسة، ولتأثيره على نوع الكتابة، ويبدو أن سحره قد أغرى كثير من الكتاب غير المصريين، مثل أجاثا كريستي، التي كتبت رواية بوليسية بعنوان “جريمة في النيل”، كما تناوله حديثا بعض المستشرقين بالرصد والدرس والتحليل، مثل رائعة إميل لودفيغ “النيل حياة نهر”، والذي يمثل مرجعا مهما لمعظم الباحثين في هذا المجال، كما تناوله بعض الدارسين من زوايا ووجهات نظر إنسانية وإجتماعية مختلفة، مثل الدكتور قاسم عبده قاسم في إطروحته التي سمّاها “النيل والمجتمع المصري في عصر سلاطين المماليك”، وكذلك أطروحة الدكتوراه القيمة للدكتورة نعمات فؤاد بعنوان “نهر النيل في الأدب العربي”. دراسات عن النهر والناس لا تقتصر قيمة نهر النيل في حياة المصريين على الثقافة والأدب والفكر والابداع، بأشكاله وصنوفه، بل تتجاوز ذلك إلى الثقافة السياسية والاجتماعية، ومن ذلك نتذكر تأثيرات جغرافية النيل على الكثيرين من الكتاب والمفكرين، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر أمين سامي، الذي وضع لنا كتابا لا يضاهى في قيمته ومعلوماته، أسماه “تقويم النيل”، ويقع في ستة مجلدات، وصدر في طبعته الأولى عام 1915، يؤكد من خلاله على أن هذا الاهتمام بالنيل راجع إلي أن جميع من سَكَنَ مصر أو خالط أهلها أو زارها أو جاورها، يعلم تمام العلم أن النيل هو السبب في ثراء مصر ورخائها، وأنه الركيزة الأولى التي قامت عليها حضارتها المبكرة، تلك الحضارة النبيلة الراقية منذ آلاف السنين، والتي كان لها الفضل علي العالم كله، حيث نهل أبناؤه من وادي النيل مبادئ هذه الحضارة والعمران، يوم لم يكن حضارة ولا عمران إلا ما نشأ ونما في أحضان هذا الوادي الخصيب، وهكذا يتضح لنا أن كتاب “تقويم النيل” الذي ظهر مؤخرا في طبعة جديدة للقارئ العربي، ومن قبله العديد من كتابات المؤرخين عن النهر، إنما تعكس مدى أهمية النهر الخالد ومكانته في نفوسهم وشعورهم القوي بفضله عليهم، لذا كان من اليسير أن نلمح مشروعية إعادة تقديم هذه النوعية من الكتب المتعلقة بنهر النيل اليوم للقارئ العربي كنوع من تأكيد الحقوق الثابتة والتاريخية لمصر في نهر النيل وكسند ثقافي للسياسة الخارجية المصرية تجاه دول حوض النيل التي تتسم بقدر من الخصوصية التي تفرضها قضية مياه النيل لما لها من أبعاد إستراتيجية أمنية وسياسية واقتصادية إذ يكفي معرفتنا من خلال هذا الكتاب أن النيل قد تسبب في وقوع سبع وأربعين أزمة اقتصادية في مصر طوال العصر المملوكي وحده، لذا تعتبر قضية المياه من القضايا الحيوية التي تشغل كافة دول حوض النيل، لاسيما في مصر التي دائماً ما تسعى إلى ضمان حقها التاريخي في مياه النهر خاصة مع بعض التوترات التي تشوب علاقة مصر بدول حوض النيل لرغبة بعض تلك الدول تغيير الوضع القائم لتعظيم الاستفادة من مياه النهر من جانب، واحتواء الدور الإقليمي لمصر في منطقة شرق إفريقيا والقرن الأفريقي من جانب آخر. المراجع: ـ الفن المصري، الدكتور ثروت عكاشة ـ الجزء الأول ـ دار المعارف ـ القاهرة 1971 ـ توظيف التراث الشعبي في المسرح العربي، الدكتور أحمد صقر ـ مركز الاسكندرية للكتاب 1998 ـ دراسات في الفلكلور، الدكتور أحمد أبو زيد ـ دار الثقافة للطباعة والنشر ـ القاهرة 1972 ـ أسطورة أوريست والملاحم العربية، الدكتور لويس عوض ـ دار الكاتب العربي لطباعة والنشر ـ القاهرة 1968
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©