الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«أمير الشعراء».. أوكسيجين القصيدة

«أمير الشعراء».. أوكسيجين القصيدة
3 يوليو 2013 22:06
جهاد هديب بات “أمير الشعراء” ملمحا ثقافيا من الملامح التي قدّمت صورة أخرى للعاصمة الإماراتية أبوظبي في المنطقة العربية. هذه الصورة في عناصرها الكثير من الرغبة في استعادة الشعر من أبراجه العاجية لتصير له قدمان تسيران به في الشارع ويكون على مرأى ومسمع من الناس في يومهم العادي بعيدا عن وجهة نظر الفرد منّا بهذا الشاعر أو ذاك، أو رغبتنا في أن يسود هذا الشكل الشعري للقصيدة العربية أو غيره، وكذلك هذا التيّار الشعري أو ذاك الاتجاه إذ يبتعد عن اليومي أو ينحو باتجاه التأمل. فالأهمية الحاسمة التي تقف وراء فكرة هذا البرنامج هي أن يتنفس الشعر العربي في لحظته الراهنة أوكسجينا يتنفسه الناس بكافة مستوياتهم الثقافية والاقتصادية وأينما وجدوا على المساحة الجغرافية واللغوية الممتدة من المحيط إلى الخليج، وأيضا إلى أولئك العرب في مهاجرهم ومنافيهم الطوعية أو القسرية. ثم، بالتأكيد هي فرحة ولا أجمل، أن يفوز شاعر عربي، غاليا لم يتجاوز العقد الرابع من عمره، بجائزة “أمير الشعراء” يعني ذلك شهرة واسعة في أوساط ثقافية عربية وأدبية بعينها، حتى لو لم يفز بالمركز الأول إذ يكفيه الوصول إلى مركز متقدم من الجائزة والخروج على الملأ عبر شاشتي الفضائيتين (تلفزيون أبوظبي ـ الامارات وتلفزيون شاعر المليون). فضلا عن المبلغ المالي (ما يعادل 270 ألف دولار أميركي) الذي من العسير على شاعر عربي أن يجمعه بعرق ينضحه جبين الشعر أو “يتكسّبه” منه. وعن “أمير الشعراء” بحسب القائمين عليها فهي المسابقة “الثقافيّة الأكبر عربيّاً، والتي يحسب للعاصمة أبوظبي أن يتنافس على مضمارها الثقافيّ شعراء القصيدة الفصحى بكل ألوانها، سواء كانت القصيدة عموديّة مقفّاة كما عرفت منذ عصور خلت، أم كانت ضمن إطار النّمط الحديث، أي نمط القصيدة الحرّة، أو قصيدة التّفعيلة”، وذلك بحسب ما رشح عن المسابقة من بيانات صحفية متتالية كانت تُنشر في الصحف اليومية مع الانتهاء من كل مرحلة من مراحل المسابقة. إنما، هل كان ذلك بناء على معايير نقدية أم معايير أخرى تقنية؟ لا إجابة واضحة غير ما يمكن للمرء أن يتلمسه من الإشارات التي تصدر من هنا أو هناك أو من خلال ما يظنه المرء أقرب إلى الصواب إذ يتابع حلقتين أو أكثر من البرنامج الذي يعرض للمسابقة بفقراتها المتنوعة. وبعيدا عن الإجابة، سواء اتفق معها المتفرج أم اختلف، فإن نتائج الحلقة الأخيرة من المسابقة تكون قد أُعلنت فيما هذه السطور قيد الطبع، وسوف يكون هناك شاعر عربي جديد قد حمل “عبء” لقب “أمير الشعراء” بكل إرثه التاريخي والإحساس بالمسؤولية التي تهب على صاحب اللقب من جهة أن أول من حَمَل هذا اللقب كان أحمد شوقي وأن الشاعر حافظ ابراهيم الذي نافسه على اللقب لم يكن أقلّ أصالة منه على صعيد الموهبة أو الأهمية في استكمال البُعْد الإحيائي للشعر الكلاسيكي العربي الذي بدأت بشائره مع محمود سامي البارودي. وفي حين أنه من غير الممكن تحقق الإجماع حول مَنْ هو “أمير الشعراء” الأكثر فرادة أو الأكثر جدارة باللقب من بين هؤلاء إلا أن البرنامج بحد ذاته ـ إذ يعمل على تقريب الشعر من الناس والناس من الشعر ـ فإنه يمنح الشعر العربي دما جديدا مع كل واحدة من دوراته إذ يقدم عددا من الشعراء في حقلي القصيدة العمودية على وجه التحديد والقصيدة الموزونة أو قصيدة التفعيلة بدرجة أقلّ، في حين أن قصيدة النثر ما زالت حصيلتها في البرنامج تعادل الصفر فأقل. وفي هذا السياق فإن بنية البرنامج، لجهة فقراته حيث الأهم من بينها هي قراءة الشعر “بين يدي لجنة التحكيم” التي بيدها أن تمنح الفوز لهذا الشاعر أو تمنعه عن ذاك، هي أقرب إلى الامتحان الشفوي منه إلى المساجلات والمطارحات الشعرية التي كانت مزدهرة مع ازدهار الشعرية العربية الكلاسيكية ونقدها، وليس المقصود هنا المعارضة الشعرية وحدها، تلك التي لها صلة مباشرة بمعارضة فكرة أساسية في قصيدة ما وفقا للروي نفسه، بل أيضا ثمة شيء آخر يتعلق بالتشبيه ومن ثم بالمجاز والكناية والاستعارة والتورية. لكن لم تشهد الشعرية العربية في أي مرحلة من مراحلها، الكلاسيكية أو غير الكلاسيكية، تنافسا في الخطابة الشعرية، إذ كان معروفا أن البعض من كبار الشعراء، كأبي تمّام مثلا، لم يكن يلقي شعره بل يترك لسواه من الذين امتهنوا الإلقاء الشعري أو يُحسنون روايته، أن يفعلوا ذلك على لسانه. لقد كان واضحا على هذا الصعيد أن فرادة الشاعر في الإلقاء الشعري وقراءة القصيدة تبعا لطريقة القراءة المنبرية الكلاسيكية المعهودة، هي جزء من شعرية القصيدة وفحولة الشاعر، أو من محاكمتهما معا من قبل اللجنة، بالإضافة إلى عوامل أخرى، مثل اختبار الارتجال الذي، ربما، من غير الممكن تحققه في هذه الأزمنة التي نحيا فيها بالقياس إلى ما كانت عليه الحال في أزمنة شعرية سابقة، لظروف وأسباب من الصعب الخوض فيها هنا في هذا المقام. هذه الخطابة، إذ تقترن بالمباشَرَة بالمعنى وصراحة القول الشعري، فقد جعلت من العسير على المتفرج أن يخرج ببيت أو بيتين من الشعر يحفظهما ويعيد ترديد هما بينه وبين نفسه، عندما يفرغ من الحلقة بكل ما فيها من حدّة في التنافس ومن ضغط على العصب الحساس للشاعر والمتلقي معا، خاصة أن الأمر يأخذ في بعض الأحيان أبعادا سياسية لا طائل شعريا من ورائها، لدى البعض من الجمهور المتحمس للشعر القادم من البعض من الجغرافيات العربية، التي يتنافس شعراؤها على اللقب، فلا هي ـ أي هذه الأبعاد ـ تفيد الشعر ولا الشعر يطوّر من ذائقة جمهوره. بهذا المعنى، لم يكن الأمر واضحا على المستوى النقدي، أي حضور منهجية نقدية أو منهجيات مختلفة يجري من خلالها محاكمة النصوص وإلقائها على الملأ وفقا لاعتبارات ماثلة في الوعي النقدي، إنما على العكس من ذلك، فقد بدا عدم إجماع لجنة التحكيم على منهجية نقدية بعينها أكثر وضوحا، حيث تركت الأمور للذائقة الشخصية التي كانت مؤثرة في كل ما جرى طرحه على القصائد من ملاحظات نقدية أو ما لم يكن أحيانا أكثر من مجرد انطباعات عجولة في أحيان أخرى. وفي صدد هذه الانطباعات العجولة فقد شهدت الحلقة التاسعة (ما قبل الأخيرة) ـ من هذه الدورة الخامسة من برنامج “شاعر المليون” لليلة الأربعاء الماضي ـ خروجا على “النص النقدي” الموازي، إذا جاز التوصيف، وذلك عندما ارتأى الدكتور الناقد المعروف صلاح فضل، صاحب “إنتاج الدلالة الأدبية” و”بلاغة الخطاب وعلم النص”... عندما ارتأى أن يطرح ملاحظة على الشاعر اليمني فتساءل عن أطفال اليمن ولماذا يعطَوْن “الجنبية” لكي يجري تعليقها على خواصرهم عِوَضا عن منحهم الورود، ما جعل المرء يقارن في وعيه الشخصي مباشرة في تلك اللحظة بالذات بين المستوى الاجتماعي المتحضر الذي بلغته الثورة اليمنية على الصعيد الاجتماعي، سواء لجهة انخراط المرأة فيها أم لجهة ديمومة سلميتها، وهو الأمر الذي عجزت عن تحقيق تقدم ملحوظ فيه ثورات عربية أخرى قورنت ذات لحظة “عاطفية مبالغ فيها” بأنها أهم من الثورة الفرنسية. ألم يكن الأحرى الانتباه إلى ذلك إذا كانت هناك ضرورة للخروج على النص النقدي؟ أخيرا، جاء في تعريف آخر للجائزة بأنها “ثقافيّة أدبيّة تختص بالشّعر الفصيح، وباتت تشكّل خدمةً لأهداف النّهوض بالشّعر العربي”، بل إن حضور التفعيلة فيها قليل أيضا، بالتالي يطرح هذا الأمر تساؤلا من نوع: ألَم يُبعد هذا الأمر قَدْرا لا يُستهان به من جمالية القصيدة العربية الحديثة التي هي في أغلبها تنتمي إلى شكل قصيدة التفعيلة عن المنافسة في المسابقة؟. ربما، من المؤكد أن هذا الغياب لقصيدة التفعيلة كان سببا ونتيجة معا، اقتضت حضورهما حاجة الشعر إلى الخطابة حيث القصيدة العمودية مناسِبَة أكثر لهذا المقام من قصيدة التفعيلة أو القصيدة الموزونة، أي أن هذا الأمر يتعلق بطبيعة اختيار عناصر محاكمة الشعر وتقييمه في البرنامج لأسباب تتعلق بطبيعة البرنامج نفسه وليس لقصور في “شعرية” قصيدة التفعيلة. ما يعني أن هذه العناصر تحتاج إلى إعادة نظر فيها ليتم إدخال أكبر مساحة ممكنة من قصيدة التفعيلة إلى المنافسة وليس إدخال قصيدة النثر أيضا حيث لا يعلم المرء إذا كان لدى لجنة التحكيم أو، ربما، إدارة البرنامج موقف نقدي منها. أسماء وأرقام في عالم الشعر تكونت لجنة التحكيم في شاعر المليون من: الدكتور علي بن تميم، والدكتور عبدالملك مرتاض، والدكتور صلاح فضل، بالإضافة إلى عضوي اللّجنة المنظّمة: الدكتور غسان الحسن، والدكتور محمد ولد عبدي. ـ قامت اللّجنة المنظّمة لـ “أمير الشّعراء” التي تشرف عليها لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافيّة والتراثيّة في إمارة أبوظبي؛ بعمليّات الفرز والتقييم وفق معايير محدّدة، حيث تمّ اختيار 300 شاعر يمثّلون 30 دولة لإجراء المقابلات المباشرة مع لجنة التّحكيم بأبوظبي نهاية مارس الماضي حيث شارك في هذه الدورة شعراء من أفريقيا: بوركينا فاسو، وغانا، ونيجيريا، وتشاد، ومالي، وكذلك من أوروبّا: بلجيكا، وبريطانيا، وألمانيا. ـ فاز بلقب “أمير الشعراء لدورته الأولى للعام 2007 الشاعر الإماراتي كريم معتوق، تلاه الشّاعر الموريتاني سيدي محمد ولد بمبا بلقب الدّورة الثانية 2008، ثم الشاعر السوري حسن بعيتي بلقب الدّورة الثالثة 2009، وحاز الشّاعر اليمني عبدالعزيز الزّراعي اللقب للعام 2011 /2010. ولمعرفة نتيجة الموسم 2012 / 2013 يمكن متابعة “الاتحاد” في نسختها الالكترونية. ـ نجحت أبوظبي في الكشف عن 125 موهبة شعريّة، وإعادة إحياء الاهتمام الشعبيّ بالشّعر العربيّ الفصيح، خلال الدورات الأربع الأولى من عمر البرنامج.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©