الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السيارات والضجيج والتصحر أخطار تحدق بدمشق

السيارات والضجيج والتصحر أخطار تحدق بدمشق
5 يوليو 2011 19:59
أصوات كثيرة ترتفع في دمشق لإنقاذ المدينة من جميع أنواع التلوث البيئي، فهذه المدينة التي تحمل أيضاً اسم (الفيحاء) أصبحت تعاني بشدة تلوث الهواء، والتلوث السمعي، وكذلك التلوث البشري، لا سيما أن الدراسات العلمية وقياس نسب التلوث تلح على ضرورة تفعيل الإجراءات والخطوات لإعادة الهواء النقي والهدوء إلى المدينة التاريخية ولفض الازدحام البشري من أحيائها وشوارعها. ينسب العديد من خبراء البيئة وأطباء الصحة التلوث في هواء دمشق إلى التضخم الكبير في أعداد السيارات بعد رفع الحظر عن استيرادها للعموم والذي استمر لعقود، وبحسب إحصائيات وزارة النقل السورية يقدر عدد السيارات في سوريا عام 2000 بحوالي 6,23 مليون سيارة مختلفة ما بين سياحية وأجرة ونقل. وفي عام 2004 قفزت أعداد السيارات في سوريا إلى 8,31 مليون سيارة من مختلف الفئات. غازات السيارات دخلت إلى مدينة دمشق وحدها عام 2005 أكثر من مائتي ألف سيارة، حتى بلغ عددها ما يزيد على (290) ألف سيارة، في حين بلغ عدد السيارات في ريف المدينة حوالي 150 ألف سيارة، وتُسجل يومياً في مديرية نقل دمشق حوالي 450 سيارة، ونحو 40 سيارة في الريف، وبالتالي فإن أعداد السيارات في دمشق في تعاظم مستمر. وتقول دراسة لوكالة «جايكا» اليابانية نشرت قبل سنوات في دمشق إن شوارع العاصمة السورية لا تستوعب أكثر من خمسين ألف سيارة، فإن هذه الشوارع تعاني يومياً ضغط ما يزيد على خمسمائة ألف سيارة، أي ما يعادل عشرة أضعاف استيعابها، وهو ما يؤدي إلى ازدحام كبير جداً، وإلى بطء حركة السير، الأمر الذي ينجم عنه المزيد من الغازات التي تطلقها عوادم السيارات في هواء المدينة، حيث يعتبر الدكتور ماهر بوظو، أحد الناشطين بمجال سلامة البيئة، أن غازات السيارات ترفع نسبة أكسيد الكبريت والآزوت في الشوارع المزدحمة. واستناداً إلى قياسات وزارة البيئة السورية لملوثات الهواء في مدينة دمشق في العام الماضي 2010 تبين أن نسبة غاز ثاني أكسيد الكبريت تجاوزت الحد المسموح به في أكثر من منطقة مزدحمة بدمشق، حيث تجاوز المعيار المسموح سنوياً بمقدار 3.5 مرة، أما أكاسيد الآزوت، فقد تجاوزت نسبتها 5.6 مرة. كما تجاوز تركيز كبريت الهيدروجين في الهواء بمقدار أربع مرات. وهو ما يؤثر على الصحة العامة بشكل مباشر، وذلك في مناطق وأحياء البرامكة وساحة المحافظة وسط المدينة والميسات شمال المدينة والعباسيين وباب توما شرق المدينة ومناطق أخرى منها. ويقر الدكتور يوسف مسلماني، الباحث والخبير الدولي في مجال حماية البيئة، بأن دراسات تلوث الهواء في دمشق تعطي مؤشراً يدعو إلى القلق. ويشير إلى أن دراسة للبنك الدولي أجريت عام 2004 قدرت أن هناك حوالي 3500 حالة وفاة و17 ألف حالة التهاب قصبات مزمن على مستوى سوريا ككل سنوياً، جراء تلوث الهواء في المناطق الحضرية السورية. الغبار ملوث ثان يلعب التدهور البيئي العام الناجم عن الجفاف وتناقص المساحات الخضراء دوراً في تلوث البيئة، وفي مقدمة هذا التلوث الغبار، حيث أشارت دراسة البنك الدولي إلى أن متوسط تركيزه تجاوز المعيار المسموح به في جميع مناطق دمشق، ولا سيما في منطقة باب مصلى وسط حي الميدان، وتعتبر وزارة البيئة السورية تجاوز معدلات الغبار للمعيار السنوي بمعدل عشر مرات ناجماً عن طبيعة مدينة دمشق الجافة والطقس السديمي الذي يخيم عليها، وهي التي كانت واحة خضراء تحيط بها الغوطتان الشرقية والغربية. ويلاحظ خبراء بيئيون أن إزالة البساتين داخل وحول مدينة دمشق، وتحويل أراضيها إلى مناطق سكنية أو صناعية قد أسهم في تلوث البيئة بشكل حاد، وأثر على طقس المدينة، وزاد من ذلك أن دمشق التي كانت تضم أقل من نصف مليون مواطن حتى منتصف القرن الماضي، أصبح يسكنها الآن ما يزيد عن ثلاثة ملايين شخص، وقد يصل هذا الرقم إلى خمسة ملايين خلال النهار، حتى صارت المدينة تضيق بسكانها وتقترب كثيراً من المدن المزدحمة في العالم. ويعتبر الخبير البيئي السوري هيثم نشواتي أن الضجيج هو أخطر أمراض العصر البيئية، وأن حركة السيارات في دمشق مسؤولة عما نسبته 60 إلى 80% من الضجيج، تليها الفعاليات الأخرى المتمثلة بعمليات البناء والورش الصغيرة والحركة التجارية. ويقول الدكتور محمد أشقر، أخصائي الأذن والأنف والحنجرة، إن «نسبة الضجيج المرتفعة تتسبب في نقص السمع وإحداث ما يسمى اضطراب التواصل، والتعجيل بنقص السمع الشيخوخي». التلوث البشري ويضيف أن الضجيج يوصف بأنه تلوث سمعي يؤدي إلى نتائج ضارة على سلوك الفرد الاجتماعي الذي يصبح أكثر عصبية ويعاني من تعكر المزاج وقلة النوم، كما أن تعرض الشخص للأصوات الصاخبة لفترات طويلة قد يؤدي إلى فقدانه للسمع أو حدوث طنين في الأذنين وفقدان للتوازن ودوار. وبحسب الدكتورة منى عباس فإن أخطر نتيجة للضجيج على الإنسان في المدن ذات الضوضاء تتمثل في أن عمر الإنسان يتناقص من ثمانية إلى عشرة أعوام بحسب دراسة قام بها علماء نمساويون. يبدو التلوث البشري تعبيراً طريفاً، لكن خبراء البيئة والصحة يقصدون به الازدحام السكاني في المساحة الجغرافية المحدودة، وهذا التلوث البشري تعاني منه عدة مدن كبرى في البلاد العربية والعالم، ويبدو أنه زحف إلى مدينة دمشق التي أصبحت مدينة مليونية منذ عقدين من الزمن. ويعتبر الدكتور أنور الخطيب الأستاذ الجامعي أن مدينة دمشق ذات المساحة المحدودة والتي تضم أربعة ملايين نسمة تعاني من التلوث البشري بسبب اكتظاظ الناس، وأن المدينة تتحمل أكثر مما تحتمل من هذا العبء. ويؤكد الناشط البيئي سمير صفدي أن للتلوث البشري نتائج ضارة جداً تنعكس على الحالة النفسية للإنسان، ويدفع إلى حالة من العصبية، وقد يؤدي إلى أمراض نفسية وجسدية، ويذهب الصفدي أبعد من ذلك حين يذكر أن العديد من الشباب أصبح يصاب بأزمات قلبية نتيجة هذا التلوث في مدينة متغيرة المناخ ويجتاحها التصحر القاسي. ولمعالجة ظاهرة الازدحام البشري دعا صفدي إلى نقل وزارات الخدمات إلى خارج العاصمة دمشق، وإلى توزيعها على المحافظات الأخرى لوقف هجرة الريف إلى العاصمة، كما أكد على أهمية أن يكون توسع المدينة أفقياً وخارج مساحتها المحدودة. ويقترح مختصون عدة حلول لإنقاذ دمشق من كل أنواع التلوث، وفي مقدمة هذه الحلول إقامة المزيد من الجسور والأنفاق لتسهيل حركة المرور وانسيابها، وضبط عوادم السيارات التي تطلق الغازات الملوثة، والعمل على استخدام الغاز كوقود للسيارات، والتشجيع على استخدام السيارات الكهربائية، ودعم وسائل النقل العام غير الملوثة للبيئة، والتخفيف من عدد السيارات الخاصة الموضوعة في الاستخدام. وعلى الصعيد العملي فقد تمت إقامة العديد من الجسور والأنفاق في مدينة دمشق، كما تعمل الجهات المسؤولة على دراسة موضوع (المترو) الذي أصبح الحديث عنه متكرراً منذ سنوات باعتباره الحل الأمثل لمشكلة النقل داخل المدينة، مع الحفاظ على البيئة، ويقال الآن على لسان الجهات المسؤولة إنه يتوقع أن يتم تدشين المرحلة الأولى من هذا المشروع عام 2015. أما في مسألة الضجيج، فإن هذه الظاهرة لا تزال مستمرة، رغم أن محافظة دمشق أقامت عدة مناطق صناعية خارج حدود المدينة، وهي تمنع بشدة قيام ورش صناعية داخل الأحياء السكنية. ويقول بعض خبراء البيئة أن حل مشكلة الازدحام المروري وازدياد عدد السيارات يمكن أن يخفض الضجيج بنسبة تصل إلى 80%. وفي مواجهة التلوث الغباري، فإن المختصين يدعون إلى زيادة المساحات الخضراء داخل العاصمة السورية، وإلى مضاعفة عمليات التحريج الصناعي حولها، وإقامة الضواحي السكنية خارج حدودها، بعد تأمين الأراضي المناسبة لإقامة الحدائق والمساحات الخضراء فيها.
المصدر: دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©