حقق الاقتصاد المكسيكي نمواً أسرع من نظيره البرازيلي خلال العام الماضي ليبدو مؤهلاً للتفوق على منافسه اللاتيني مرة أخرى خلال العام الحالي. ويُعزى بطء النمو في البرازيل نسبياً للمستهلك المثقل بالديون ولانهيار الإنتاج الصناعي الذي اعتمدت عليه عملة البلاد الريال في القوة التي اكتسبتها مؤخراً. كما أدى بطء النمو العالمي، خاصة في الصين إلى انخفاض أسعار السلع التي تقوم البرازيل بتصديرها.
وتصدر المصانع المكسيكية كميات قياسية من التلفزيونات والسيارات والكمبيوترات والأجهزة المنزلية، لتحل محل بعض السلع الصينية التي تستوردها الولايات المتحدة. ومن الناحية الاقتصادية لم تعد المكسيك ضعيفة كما كان في السابق. وسجل الناتج المحلي الإجمالي نمواً 3,9% خلال العام الماضي متفوقة على البرازيل التي حققت نمواً بنحو 2,7%.
وتلوح في الأفق بوادر مشجعة للسنوات المقبلة، حيث أعلنت كل من “نيسان” و”مازدا” و”هوندا” عن خطط لبناء مصانع جديدة لها في المكسيك، بالإضافة إلى استثمارات متوقعة في قطاع الطيران والإلكترونيات. وفي واحدة من البوادر المثيرة للقلق، تهديد الحكومة البرازيلية هذه السنة بإلغاء اتفاقية للمركبات استمرت 10 سنوات مع المكسيك. وفاقت صادرات البرازيل من السيارات حصة المكسيك في معظم مدة الاتفاقية، لكن تحول ذلك في العام الماضي عندما بلغت صادرات المكسيك 70% إلى 2,4 مليار دولار. ووافقت المكسيك خلال مارس الماضي على خفض صادراتها إلى البرازيل إلى 1,55 مليار دولار سنوياً خلال الثلاث سنوات المقبلة لتعمل بعدها بمبدأ التجارة الحرة.
ويعكس هذا النزاع رغبة كل من البلدين في تحقيق التنمية. والتزمت المكسيك بفتح أسواقها وانتهاج التجارة الحرة ورفع القيود المفروضة، بينما اعتمد النموذج البرازيلي على تدخل الحكومة من خلال الشركات المملوكة من قبلها. وأثر بزوغ نجم الصين في نفس الوقت على المكسيك والبرازيل بطرق عكسية، حيث تنافس الصين المكسيك وتشتر من البرازيل. وظلت المكسيك تعاني معظم العقد الماضي من السلع الصينية التي حلت محلها في أسواق أميركا التي تشتري 78% من الصادرات المكسيكية. كما ساعد طلب الصين للمواد الخام على نمو الاقتصاد البرازيلي حيث سمح الاستقرار للحكومة بإعادة توزيع الثروة وتوسيع دائرة الائتمان.
ويرى جري نيومان، الاقتصادي لأميركا اللاتينية في “مورجان ستانلي”، أن نمو البرازيل مرتبط لحد كبير بنمو الصين. كما أن البرازيل نجحت في خلق الأجواء الملائمة لبروز الطبقة الوسطى. في غضون ذلك، ترتبط ثروات المكسيك بأميركا في وقت تدخل فيه الحكومة في حرب ضد عصابات المخدرات القوية، التي تستنزف 1% على الأقل من نمو الناتج المحلي للبلاد. وقادت الحرب التي تخوضها الحكومة ضد هذه العصابات إلى حالة من التشاؤم تحولت إلى مرض تفشى بين أفراد الشعب. وعلى الرغم من ارتفاع حالات الانتحار في البرازيل عنها في المكسيك، إلا أن طبيعة القتل في المكسيك واستخدام الحكومة للجيش في محاربة تهريب المخدرات، جعل المزيد من الأنظار تتركز على معدل الموت فيها.
ولم ينعكس نمو الاقتصاد المكسيكي على الشعب حتى الآن، لا سيما وأن الأجور ارتفعت بنسبة طفيفة. وفي حقيقة الأمر، سبب واحد هو الذي ساعد المكسيك في الحصول على حصة سوقية على حساب الصين، وهو تقلص فجوة الأجور بين البلدين. ويُذكر أن هناك العديد من أوجه الشبه بين البرازيل والمكسيك على العكس من ما تبديه المنافسة بينهما، حيث نجح كل منهما في تحقيق الاستقرار الاقتصادي بعد عقود من الانتقال من أزمة إلى أخرى، بالإضافة إلى تحسين رفاهية شعوبهما. ويواجه البلدان الآن نفس المشاكل، من مدارس غير مؤهلة وبنية تحتية متهالكة ومن تفشي البيروقراطية والفساد.
وحال الشلل السياسي الذي تعاني منه المكسيك، دون اتخاذ الحكومة لتدابير فعالة لفك الاحتكار ولإعادة صياغة قوانين العمل وجمع المزيد من الضرائب، التغييرات التي من شأنها إضافة 2,5% لمعدل نمو البلاد.
ويكمن السؤال حول الكيفية التي يمكن بها لهذه البلدان ذات الدخول المتوسطة، التوصل إلى طريقة تحقق بها المزيد من النمو. وتقول شانون أونيل، المحللة في “مجلس العلاقات العامة”، المنظمة الأميركية غير الربحية :”من السهل التحول من ناتج محلي إجمالي للفرد من 5 آلاف إلى 10 آلاف دولار، لكنه من الصعب التحول من 10 آلاف إلى 20 ألف دولار، وهو التحدي الذي يواجهه البلدين”.
نقلاً عن: «إنترناشونال هيرالد تريبيون»
ترجمة: حسونة الطيب
عدد اليوم
