الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الرياضة

الاهتزازات العصبية في المونديال تعادل 10 أضعاف قنبلة هيروشيما

28 يونيو 2006 00:29
سؤال على إحدى الشاشات الفرنسية: عولمة الأقدام··· متى عولمة الرؤوس؟ العالم كله يتابع المونديال·· الفرد الذي في سويسرا والذي يتجاوز دخله السنوي الــ 30 ألف دولار، والفرد الذي في تشاد والذي لا يتجاوز دخله السنوي الألف دولار· على مدى شهر تتشكل القرية الكونية: لا مكان للكراهية، ولا للضغينة، ولا للخداع· الوجوه مهيأة للصدمة بالحد الأدنى من الألم، لكنها، بالضرورة، مهيأة للانتصار بالحد الأقصى من البهجة·· شيء ما يشبه الحرب العالمية، ولكن بالأقدام· السلاح الأبيض هنا هو الكرة، والباحثون الألمان يقولون إن الاهتزازات العصبية التي تحدث خلال أيام المونديال تعادل الاهتزازات العصبية الناجمة عن عشر قنابل بحجم قنبلة هيروشيما! كم هو عدد الساعات التي تنفقها البشرية من أجل ذلك المهرجان؟ يحكى عن تريليون ساعة (أي ألف مليار)، ربما أكثر ربما أقل· المهم هنا أن مستوى الملل يتراجع كثيراً، فالكل أعصابهم مشدودة، وكل واحد اختار فريقه قبل أن تبدأ المباريات· اللامبالون قليلون جداً· قلنا هذه حرب كونية يشارك فيها الجميع· ''هنري كيسنجر''، وزير الخارجية الأميركي الأسبق، كان قد كتب مقالة في مطلع التسعينات من القرن الماضي ربط فيها بين الفلسفة الاستراتيجية لدولة ما والأداء في ملعب كرة القدم· هكذا نستطيع المقارنة بين ''بيسمارك'' وراقص السامبا· الألماني يعتمد استراتيجية الصاعقة، البرازيلي يرقص فوق العشب كما لو أنه يرقص في كرنفال الريو، الفرنسي يلعب ديكارتياً، أي منهجياً، يستعمل عقله ثم تخرج الكرة من فوهة المسدس، الانجليزي يستخدم دماغاً من الثلج وقدمين من النار، الإيطالي يتعاطى الكرة على أنها طبق فاخر من السباجيتي، الأسباني يوحي للخصم بأنه يحارب طواحين الهواء· المغامرة لا التفكير ''كيسنجر'' اعتبر أن المسألة تتعلق بالعقل الاستراتيجي للأمة· وعلى هذا الأساس، كتب مازحاً أن اللاعبين الأميركيين يتصرفون كما لو أنهم قاذفات قنابل، وقلما تصاب· ولكن ماذا إذا كانت بطاريات الصواريخ المضادة لدى الخصم من النوع الشديد الفاعلية؟ في نظره، الأميركيون يمتلكون كل الامكانات لكي يفكروا· والنتيجة أنهم يفضلون المغامرة على التفكير· من الصعب القول الآن إن الفرق العريقة تلعب بنمطية محددة· الأداء بات مركباً، والمدربون يحاولون الإفادة من كل نقاط القوة لدى الآخرين· الألماني قد يضطر، في بعض الأحيان، أن يكون الصاعقة والفراشة في نفس الوقت·· البداية كانت في أثينا وسبارطة· لكل دولة مفهومها الفلسفي· الأولى الحكمة، الثانية القوة· هكذا كانت المدينتان تمارسان لعبة كرة القدم التي لم تكن، بطبيعة الحال، بالأصول والتقنيات المعتمدة اليوم· هل ترى أن الدمج بين الحالتين هو الذي حمل اللاعب البرازيلي الشهير ''بيليه'' على رفع شعار ''قوة الحكمة أو حكمة القوة''؟ كرة القدم التي اجتاحت الجماهير أضحت جزءاً لا يتجزأ من اللعبة الثقافية اليومية· قد تندلع حرب بين هندوراس والسلفادور في أميركا اللاتينية من أجل مباراة، وقد يهاجم الهوليجانز الجسر القائم على نهر التايمز· لكن المهم أن اللعبة دخلت في الآداب والفنون، وذات يوم قدم ''صمويل بيكيت'' مسرحية صغيرة اللاعب فيها واحد ولكن مع كرتين للتدليل على الازدواجية التي يواجهها الكائن البشري بين الحياة والموت· رقصة البجع الطريف أنهم في ألمانيا يسألون الآن: ما علاقة رجال مثل ''جوته'' أو ''شتراوس'' أو حتى ''أدولف هتلر'' بكرة القدم؟ لا وقت لدى الكاتب والموسيقي والزعيم لمثل هذه اللحظات اللاهية· هذا كان أيام زمان· ثمة روايات كثيرة تنشر الآن وتدخل مباريات كرة القدم كعنصر أساسي فيها· وحتى في الموسيقى الكلاسيكية دخلت هذه اللعبة من الباب العريض· يقول الروسي ''الكسندر غيندانوف'': ''بأقدامنا نؤدي ·· رقصة البجع''· ولكن أليس هناك علماء اجتماع يقولون إن المفترجين، ومهما بلغ مستواهم الثقافي، إنما يعودون، في لحظة ما، إلى العصر الحجري· لعلمكم كان ''ألبرت اينشتاين'' يتابع المباريات· كانت عيناه تذهبان بعيداً ثم تقفلان· يبقى على مقعده نائماً· هذا حدث مرة واحدة لأنه لا وقت لديه· كتب عن ''العبث الفيزيائي'' فوق أرض الملعب باعتبار أن اللعب لا يخضع لمعادلات معينة، ودون أن يتعلق الأمر بالمساحات أو بالعدد وانما بفلسفة الأداء· اللعبة اجتذبت كتاباً من مصر، والجزائر، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، وصربيا، وإيطاليا· كتب ''فاديمير يجافيتش'' ''الحياة كرة مستديرة'' فيما اعتبر النقاد أن الحديث الذي أجرته الكاتبة ''مارجريت دورا'' مع الفرنسي ''بلاتيني'' إنما تمثل قطعة أدبية نادرة ''حيث ''أظافر'' الكاتبة، وعيناها بطبيعة الحال، تصل إلى آخر نقطة في شخصية اللاعب الشهير· أفضل من الأحزاب مفكرون دخلوا في اللعبة: ''ألبير كامو''، الحائز جائزة نوبل، و''هنري مونترلان'' و''شارل بيجي'' و''رولان بارت'' و''جان بودريار'' و''بيار ماك أولان''· كل من زاويته الخاصة هل اللعبة هي لتبرير العبث الداخلي أم أنها تختزل ذلك الصراع السيزيفي بين الأقوياء، وحيث الصدفة تحسم الأمور في الكثير من الأحيان؟ في جمهوريات كثيرة نشأت بطريقة وأخرى على امتداد العالم الثالث، تجد أن الحكومات تشجع جماهير كرة القدم باعتبارها بعيدة عن السياسة وتفاعلاتها وتداعياتها، لا بل ان الفرق المحلية أكثر اجتذاباً للناس من الأحزاب التي تعاني من الحيرة اما بسبب الفوضى الايديولوجية أو لأن السلطة تضغط، وتحول دون أي نزعة إلى التغيير· أقصى ما يفعله المتفرج أنه يقذف بزجاجة الكوكاكولا فوق رؤوس الناس· هنا لا نتحدث عن محترفي الشغب الذي تشكل اللعبة، بالنسبة إليهم، فرصة لقيئ ''تلك الكمية من البربرية التي تبقى عالقة في اللاوعي''· اللعبة النظيفة أمامنا قد تكون وراءها مشاهد قذرة· الروح الرياضية ليست دوماً بالروح المرهفة ثمة من كتب عن ''مؤامرات'' ومحاولة اغتيال أقدام لاعبين بارزين''· الطريف أن الناس اعتادت التركيز على الرأس في عملية الاغتيال· هنا على القدم· ''غريتا غاربو'' وقعت فنانات كبيرات شجعن الفرق التابعة لبلادهن· هناك حادثة طريفة وقعت لــ ''غريتا غاربو'' حين حاولت أن تشارك المنتخب الأميركي تدريباته· أحدهم قذف الكرة بقوة هائلة، فاصطدمت جانبياً برأس النجمة الشهيرة التي وقعت مغشياً عليها· منذ ذلك الحين أوقفت أي نشاط من هذا القبيل، خلافاً لــ ''كاترين دونوف'' التي انزلقت قدمها ذات مرة، لكنها كانت تصر على أن تظهر إلى جانب ''بلاتيني'' لكي تثير خيال الفرنسيين وحماستهم، فيما كان لافتاً أن الأميركية ''كيم نوفاك'' كانت مفتونة بالبرازيلي ''بيليه''، أما ''رومي شنايدر'' فكانت متحمسة جداً للفريق الألماني· وللعلم فقط، هناك كأس العالم للنساء، والأبرز في هذا المجال الأميركية ''مياهام'' التي حققت لبلادها فوزاً ساحقاً على الفريق الصيني في عام ·1999 لكن المباريات النسائية قلما تفتن الألباب· هذه لعبة الأقوياء، ولهذا يقبل عليها الملايين··· عالم يصبح عالمياً العالم يصبح عالمياً خلال المونديال· تعبير ''ثقافة كرة القدم'' بات شائعاً جداً· إنها الرياضة الأكثر استقطاباً ·· وهناك دول فقيرة مثل البرازيل والكاميرون يمكن أن تنتج فرقاً مذهلة يقال إن الطقس الحار هو الذي يجعل الحضور العربي محدودا قياساً على المناطق الأخرى من العالم· ذات يوم من عام ،1973 غضب مدرب أحد أندية كرة القدم من أداء بعض اللاعبين، قال لهم: ''إنكم تلعبون على طريقة بديع الزمان الهمذاني'' صاحب المقامات الشهيرة· ماذا عساه ''هنري كيسنجر'' لو أراد وصف الأداء الاستراتيجي لفرق عربية أظهرت كفاءتها في المونديال، لا أحد يحلم بالوصول إلى الكأس· لماذا؟ أورينت برس
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©