المدينة المفقودة

كنت كمن يسابق الزمن لإنهاء مهمتي في واشنطن، فلم أشعر بالرغبة في البقاء طويلاً في هذه المدينة التي كانت سبباً في ضياع أحلامي. وفي مساء اليوم التالي من وصولي غادرتها، كانت الرحلة شاقة، فلم أكن في مزاج للقيام بها غير أنني أشعر بأنني مطارد وأمامي سفر طويل متواصل، الحياة نفسها شاقة، إنها كفاح متواصل وصراع من أجل البقاء، وبحث متواصل عن شيء ما، عن الحب وعن السعادة وعن المال والمجد، وأهم من كل ذلك البحث عن السلام الداخلي الذي جميعنا يرنو إليه. وصلت إلى تامبا إحدى مدن ولاية فلوريدا وهي مدينة ساحلية جنوبية ساحرة تقع في الساحل الغربي لفلوريدا وتطل على خليج المكسيك، هي دافئة ومشمسة على عكس غالبية المدن الأميركية الباردة في كل شيء، خصوصاً في مثل هذا الوقت من العام. وذلك ما شجعني على استكشاف المدينة سيراً على الأقدام، فكل شيء هنا يشي بالجمال، في الطبيعة وفي البحر وفي الأسواق. يقال إن هذه المدينة هي مدينة أطلنتا الأسطورية المفقودة، وربما قصد بذلك التشبيه لأنها مدينة خيالية الجمال تشعرك بذلك الغموض الأسطوري، غير أنها اليوم مدينة حديثة وعصرية. عندما وصل المستكشفون الإسبان لشواطئ هذه المدينة في عام 1528، كان لا يزال بها بقية حضارات بدائية تسكنها، كان منها قبائل من الهنود الحمر الذين سكنوا المنطقة لما لا يقل عن 3500 عام، وفي بداية القرن الثامن عشر انقرض الهنود الحمر سكان المنطقة الأصليون بسبب الطاعون الذي انتقل إليهم من المستوطنين الأوروبيين، ولم يكن لديهم أي مناعة ضده أو أي أدوية أو مضادات حيوية. وفي منتصف القرن التاسع عشر وقعت أعمال عنف وإبادة بين ما بقي من الهنود الحمر والمستوطنين البيض. ومع اكتشاف الفوسفات في المنطقة ودخول خطوط السكك الحديدية، ساعد ذلك على استقرار الأمور في تامبا وانشغل البيض بجمع الثروات، وفي بدايات القرن العشرين تحول هذا الإقليم إلى مركز صناعي رئيسي. أما ما يميز المدينة عن غيرها، فهو طقسها شبه الاستوائي على مدار العام، وهو ما يخلق العواصف الرعدية خلال موسم الصيف، وبين يونيو وسبتمبر يصبح من الطبيعي هطول الأمطار بعد ظهر كل يوم، وذلك ما يجعل المدينة من أكثر المدن الأميركية تعرضاً للعواصف والأعاصير. وعلى الرغم من أن المدينة لا تزال تعرف بسيجارها المميز، غير أنها تحولت لتصبح المدينة الصناعية والتجارية والمالية للساحل الغربي من ولاية فلوريدا، وهي الثالثة على مستوى الولاية من حيث عدد السكان، وتسعى لتكون منطقة تجارية حرة. rahaluae@gmail.com