السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«عجائب المخلوقات».. مدن القزويني المتخَيَّلة

«عجائب المخلوقات».. مدن القزويني المتخَيَّلة
21 يوليو 2014 00:30
جهاد هديب (أبوظبي)في إطار سلسلة جديدة تُعنى بموروث النثر العربي وتحمل العنوان: «عيون النثر العربي القديم»، صدر مؤخراً عن هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة منتخبات من كتاب: «عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات» لزكريا بن محمد القزويني (1208م - 1283م) من اختيار وإشراف الدكتور أحمد خريس من فلسطين. والحال، أن القارئ لهذا الكتاب في اللحظة الراهنة لا يعرف إلى أي حدّ من الممكن له أن يصف كتاب: «عجائب المخلوقات وغرائب المخلوقات» بأنه مجموعة قصصية بالمعنى الحديث والمتداول للكلمة، من شدة ما أنه كتاب «مخيلة» بالفعل. فالرجل عندما كتبه، في صيغته الأصلية، لم يكن قد غادر المكان الذي يقيم فيه أثناء الكتابة، بل هو في الكثير من مقاطع كتابه كان يذهب إلى كتب أخرى لكتّاب آخرين يستعين بها لينتخب منها قصصاً يعيد تأليفها أو ترتيب إسنادها الروائي. أما المصدر ها هنا فهو ليس النص الأصلي للكتاب مثلما تركه القزويني بل جرى التدخل فيه من قبل الدكتور أحمد خريس. لقد انتخب الباحث، وبحسّ نقدي رفيع، ما هو أكثر إثارة للإدهاش، ثم قام بتبويبه بحيث بدا كما لو أن كل نص من النصوص، وقد اقتُطع من سياقه الأول، ما هو إلا النص في حداثته وذاكرته معا. حداثته، إذ ينتسب إلى زمن راهن لغة وتخييلا وصناعةً لكتاب، وذاكرته، إذ هو يرتد بحمولته التخييلية تلك إلى نص مضى على تأليفه قرون طويلة. هكذا الآن فإن لدينا قزويني آخر أكثر حداثة بمدنه التي تنسب إلى المخيلة وحدها، المخيلة فقط. ثمة راوٍ واحد في الكتاب هو القزويني ذاته، يروي حكايا عن بشر ومدن وأمكنة هي متخيلة، وصلتها بالواقع هي كذلك، أي أنه من غير الممكن تحديد «صدقية» الكلام عليها إلا عبر المخيلة، فتصبح حينئذ أشبه بمدن بعيدة قادمة من أزمنة غابرة، يبدو ذلك واضحاً بجلاء من البنية التركيبية والنحوية التي ينبني عليها السرد في كتاب «عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات»، فهذه البنية برمتها تقوم على الفعل الماضي أما التخييل« أي السرد أو فعل «الحكي» فيقوم على القدوم من مكان بعيد من غير المتاح للإنسان العادي أن يبلغه، أو من زمن مضى من غير الممكن «تكذيب» وجوده في زمنه أو «تصديقه» أيضاً. من هنا فإن «عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات» يذكر بالكتاب المعروف «مدن لا مرئية» للإيطالي إيتالو كالفينو. وبمعنى آخر الكتاب واحد من الكتب التي تخص العزلة، إنما جرى تأليفه بحس «شعري» عالٍ بأرستقراطية النثر، إذا جاز التوصيف. في ما يلي ثلاثة من تلك الخيالات: الأولى: بعثة ذي القرنين إلى بحر الخزر «وحكى بعض التجار، قال: ركبت هذا البحر فدارت بي الدوائر، حتى حصلت في هذه الجزيرة، فرأيت فيها خلقاً كثيراً، وبقيت بها زماناً، واستأنست بهم وتعلمت لغتهم، فإذا الناس في بعض الأيام مجتمعون ينظرون إلى كوكب طلع من أفقهم، ثم شرعوا في البكاء والعويل، وقالوا: إن الكوكب يطلع في كل ثلاثين سنة مرة، فإذا وصل إلى سمت رؤوسنا يحرق ما في هذه الجزيرة. فتأهبوا للنقل في المراكب، فلما دَنا الكوكب من سمت رؤوسهم ركبوا فيها، وأخذوا معهم ما خف من القماش، فركبت معهم فغبنا عنها مدة، فلما علموا أن الكوكب زال عن سمت رؤوسهم عادوا إليها، فوجدوا جميع ما كان فيها رماداً، فشرعوا في استئناف العمارة». الثانية: مدينة من حجر «وحكى بعض التجار أن بجزيرة (الضوضاء) مدينة من حجر أبيض يسمع منها ضوضاء زجلية، ولا ساكن بها من البشر، وربما دخلها البحريون وشربوا من مائها، فوجدوه حلواً طيباً فيه رائحة الكافور، ويقولون: كنا نعرف منتهاها، غير أن بقربها جبالاً عظيمة، تتوقد منها بالليل نار عظيمة، وذكر أن في حواليها حيّة تظهر في كل سنة مرة، فيحتال ملوك الزنج في أخذها، فإذا أخذوها يطبخوها، ويتخذون من جلدها فراشاً يجلس عليه صاحب السل، يأمن من غائلته (أي الهلاك به)، ويوجد ذلك في خزائن الملوك». الثالثة: جزيرة سكسار «حكى يعقوب بن إسحاق السراج، قال: رأيت رجلاً في بعض الأسفار في وجهه خموش، فسألته عن ذلك، فقال: ركبت البحر، فألقتنا الريح إلى جزيرة لم نستطع أن نبرح (نغادر) عنها، فأتى قوم وجوههم وجوه الكلاب، وسائر أبدانهم كأبدان الناس، فسبق إلينا واحد منهم بعصا، ووقف الآخرون، فساقنا إلى منازلهم، فرأينا هناك الجماجم والسيقان وأذرع الناس، فأدخلونا بيتاً رأيت فيه إنساناً، فجعلوا يأتوننا بالفواكه والمأكول، فقال ذلك الرجل: يطعمونكم لتسمنوا، ومن سمن منكم أكلوه. قال: فكنت أقلل المأكل حتى لا أسمن، وكل من سمن من أصحابي أكلوه، حتى بقيت أنا وذلك الرجل، لأني كنت هزيلاً، والرجل كان عليلاً، فقال ذلك الرجل: إنهم إذا حضر لهم عيدٌ يخرجون كلهم إليهم بعضُ عيدان الأشجار فعمي، فعصرت له شيئاً من العنب، ثم قلت له: اكرع، فكرع، فتحللت رجلاه، فرميته، وبقي أثر الخموش في وجهي، والله الموفق».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©