الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مقاهي المثقفين «خارج الخدمة» وأركانها تشتاق إلى جلسات الحوار

مقاهي المثقفين «خارج الخدمة» وأركانها تشتاق إلى جلسات الحوار
2 يوليو 2012
بيروت (الاتحاد) اكتسبت الأمكنة أهمية تراثية وتاريخية، أعطت لكل مكان عصره الذهبي، كما هو الحال أنه لكل زمان رجاله، لاسيما تلك التي كان يسكنها الفكر والثقافة والشعر والأدب، والتي اطلق عليها اسم مقاهي المثقفين، أو أرصفة الأدباء بالمفهوم الحيوي كرمز للمبدعين في هذا العالم، لكنها اليوم تصنف بأنها « خارج الخدمة» وتشتاق أركانها إلى جلسات الحوار. “مقاهي” المثقفين في بيروت، ليست بغريبة عن سكان العاصمة، وقد لعبت في الماضي دوراً رئيسياً ومهماً في تنشيط الحركة الإبداعية، وفي ما يسمى بـمعادلات التغيير وثورة التحولات الكبرى، وكان لهذه المقاهي ما يعرف بـالأرصفة، الأثر الكبير في رسم المفهوم الجديد، وتحريك رموز الفكر والفن والسياسة، في مقاه مثل الهورس شو، الإكسبرس، الويمبي، الدولتشي فيتا، هذه المحطات شكلت غزوات ثقافية عربية ولبنانية، لمعت خلالها أسماء كبيرة في جلسات الحوار والنقاش البناء، حول استشراق آفاق المرحلة المقبلة، لصالح الشعوب والأجيال والغدر الأفضل اليوم بعد انكفاء شارع الحمراء، وابتعاد المثقفين عن استراحاتهم التي كانت تشكل معاقل مهمة، أصبحت مقاهي المثقفين فارغة صامتة وخالية من أصحابها، حيث فقد شارع الحمراء وهجه وتألقه الإبداعي في كافة ميادين المعرفة، وفي التفاتة أخرى نرى ثمة أمكنة ثانية بدأت تستضيف مجموعات المثقفين بمختلف تياراتهم الفكرية ولو بنسبة أقل، والشارع الجديد هو الوسط التجاري الملقب بـالداون تاون خصوصاً بعد انكفاء دور مقاهي المثقفين القسري في شارع الحمراء، والسؤال: هل ما زال الشعراء وأهل الفكر في لبنان، على وفائهم إلى مقاهي شارع الحمراء؟، خصوصاً وقد ارتبطت بعض المقاهي، بأسماء روادها من المثقفين، كما هو الحال في مصر وفرنسا، وبعض دول أوروبا؟ وهل المثقف اللبناني اليوم، أمام هجرة جديدة داخل المدينة نفسها؟ وهل يمكن الحديث عن “تشتت” المثقفين ما بين الأمكنة الجديدة؟ المثقف المتألق مختلف أماكن الإبداع والنبض، تسودها اليوم رياح المعالم الهجينة، بانتظار مرحلة تغييرية بطلها المثقف والمبدع والمتألق، وهل مقاهي “الدوان تاون” ستحقق ما حققته مقاهي الحمراء، من دور أساسي في استقطاب كبار المثقفين العرب والأجانب؟ وماذا يقول بعض المثقفين عن هذا التغيير في المكان والزمان؟ الفنان فوزي البعلبكي تطرق إلى هذا الموضوع في كثير من الجلسات التي كانت تجمعه ورفاق الإبداع، فيسترجع الذكريات الدفينة لأمكنة في بيروت، وتحديداً قبل الأحداث المؤسفة حيث كانت هناك مقاه مثل “الهورس شو” الذي كان يجمع الرسامين مع الممثلين مع الأدباء والشعراء. وقال: تعرفت في هذا المكان إلى الشاعر محمد الماغوط ورفيق شرف، كما كان مقهى “الكافية دو باري” مخصصاً في تلك المرحلة، لاستقطاب الممثلين تحديداً، أما مقهى “الإكسبرس” فكان يجلس إليه السياسيون بشكل لافت، والدولتشي فيتا” كان يستقبل ويستقطب الندامى مثل الراحل زهير السعداوي ورفاقه وكان يرتاده صلاح البيطار، والحوار كان يأخذ بعداً مهماً وحيوياً، نظراً للفاعلية الإنتاجية والانفتاح والنقاش البناء. قديماً كان يوجد إلى جانب كل دار سينما في الحمراء، مقهى يتبادل الأدوار مع صالة السينما في الشهرة والصيت، أما اليوم فقد هذا الوهج رمزيته ووجدانيته من ناحيتي، ما زلت أواظب على الحضور، والتجوال في شارع الحمراء قدر الإمكان، وهذا يعود للعلاقة المرتبط بها مع بعض الزملاء والأصدقاء، أما بالنسبة إلى «الداون تاون» ومقاهي الوسط التجاري، فأرى بأن لا خصوصية هناك بل حاجة استهلاكية، روادها أهل السياسة فقط. ذاكرة حية الشاعر نعيم تلحوق، تحدث عن أهمية شارع الحمراء، الذي لا يزال يحتفظ بدوره ورونقه ومعناه الثقافي، لدى شريحة كبيرة من المثقفين، عدا أن هذا المكان يبقى ذاكرة حية لحقبة معينة وتاريخية، لن يستطيع أي مكان آخر أن يأخذ حركة النشاط التي كان يتمتع بها. لقد شكلت مقاهي الحمراء نسيجاً للحياة الثقافية الموجودة، وعندما بدأ إقفال المقاهي مثل “المودكا” وغيرها، كان هذا الإقفال بمثابة ضربة عنيفة، لأن هذه الأمكنة كنا نتفاعل معها في سياق استراحة جميلة، لذلك فإنني أرى أن أي مكان آخر ينشأ، لن يكون بديلاً عن الحمراء. البيت الثاني وكان الشاعر عصام العبدالله قد أدلى بدلوه حول هذا الموضوع في حديث آخر، معتبراً أن مقاهي الحمراء كانت بمثابة البيت الثاني، وبات من الصعب أنه كلما افتتح شارع أن نحمل أغراضنا وننتقل إليه. بالنسبة لي لكل زمان شارع ورجال، ونحن لا نزال هنا. جلسات قديمة أما الفنان رضا كبريت فقد أشار في جلساته القديمة في شارع الحمراء إلى أن المقهى، كان المنبر الشعبي للتداول بالمفهوم الثقافي، لكن نرى اليوم مقاهي الحمراء، مجرد مباهاة بالشكل وبالهندسة المعمارية التي تشبه أي عاصمة أوروبية، لقد جرى إلغاء هوية كل المعالم والرموز في العاصمة بيروت، ومنها رمز المثقف ونحن كنا نتجالس في المقاهي، وكان النقاش يكتسب أهمية خاصة، نظراً للقضايا المطروحة ذات الإشكالات الفنية والفكرية والسياسية المختلفة. واليوم نشهد حالة من العدائية بين المثقفين أنفسهم، وها هي “مقاهي الأرصفة تعاني تراشقاً نستغرب حصوله”. د. حمد الطفيلي تحدث عن المقهى الأساسي الذي أخذ طابعاً خاصاً، ولا يزال في وجدان المثقف، ولا يمكن أن يمحى من الذاكرة مثل مقهى “الدولتشي فيتا” “والومبي” و”المودكا” و”الكافية دو باري” وشارع الحمراء كان أهم شارع في بيروت، وبالرغم من تراجع دوره تجارياً واقتصادياً لذلك لم نفارقه، لأن تشتت الأمكنة يؤدي إلى تشتت الفكر، لذا نحن نتواصل هنا لنثبت أننا موجودون. ثقافة وقال أحد المثقفين إن بيروت ليست مدينة سياحية فقط، بل هي عاصمة لديها البعد الثقافي الأساسي، وقد اجمع معظم المثقفين والشعراء والأدباء، بأن لا بديل عن شارع الحمراء والمقاهي التي كانت تجمع الطابع السياحي والتجاري والشعبي والثقافي معاً. وهو وإن فقد بعض البريق، إلاّ أنه بقي محافظاً على العصب المتين، في مواجهة الأزمات المتواصلة. وأضاف، أعتقد أن لكل جيل زمانه ومكانه، هناك أمكنة مرتبطة بذاكرة أجيال معينة، هناك أرصفة، مقاه، دور عرض، نشأ عليها جيل بأكمله، وشكلت جزءاً من وعيه وذاكرته، وجزءاً من وجدانه، وثقافة انتمائه إلى عاصمة تسمى بيروت.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©