الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكتابة الخام

الكتابة الخام
6 يوليو 2011 20:08
منطلقة من كون الشعر “غواية” تصدر الشاعرة آنو السرحان ديوانها الجديد بهذا العنوان الصادر عن المؤسسة العربية للنشر، وتقدم نصوصها بالكثير من الأسئلة التي هي وقود الشاعرة وزادها ومبعث قلقها، وهي ليست الأسئلة التي تغوص في الذات فقط، ولا تلك التي تتخلق من أفكارنا الخاصة فيما يدور حولنا، بل ومع الآخرين وأفكارهم والغوص في داخل الظلال والمرايا لتكسر مسافة الشعور القصية بلغة تناجي الطفولة والحنين وتتشبث بأشيائها القريبة. وأيضا كتابة الأنثى وهي تسطر شعورها وتصفف كلماتها نحو عبارة مختزلة لتعبر عنها وهي قدرة الشعر في قراءتنا، ويمكننا بالإضافة إلى هذا الهاجس الذي يرسم الشعر غواية والأنثى لوحة تتماهى وتجنح في كل النصوص، أن نضيف هذا الشعور المسكون بعلاقة الشاعرة بوالديها، تلك العلاقة الوجودية التي تعبر عنها في الكثير من نصوصها، فتقول مثلا وهي تقرأ ملامح حياتها: “لوصدفت مثل أبي لكنت الآن أما”. وهي تكتب عبارتها وتترك للقارئ متعة أن يكتشف ويتماهى ويكمل هذا الشرط الوجودي والأمنية العميقة. وهي أيضا لاتتحول إلى طفلة مسكونة بالحنين إلا بعد أن يمسح على شعرها ونجد هذا في مقطع آخر: “تمسح بفرحك على شعري لأتحول إلى طفلة”. وفي نص آخر يأخذها الأب والأم إلى أن تقول: “الأم كرة أرضية، الأب: مجرة كونية”. في هذه الأجواء بالإضافة إلى نص آخر عن أطفال العراق، ونصوص متفرقة، تكتب آنو السرحان هذه الغواية، بلغة حديثة وتشكيل بلاغي بصري ملفت يعتمد على التقطيع لبعض الكلمات لترمز إلى حالة من المسافة أو لوجود الكلمة ضمن إطار هذا التقطيع ومعناه. فمفردة لايخون تكتب (لا ي خ و ن) وكلمة الرجال وغيرها، وأحيانا تذهب إلى تقويس بعض الكلمات في غير حالتها المعروفة في علامات الترقيم، وهي رغبة في تكوين الفلسفة الشعورية الخاصة بالكلمة بعيدا عن القاعدة الجاهزة، فنجد كلمات كثيرة في أغلب النصوص تحتويها علامة الأقواس وربما ساهم في صنع هذا التصور الجمالي في تشكيل المجموعة كونها كتبت بالخط الحر، مما يترك بعدا وأجواء جمالية تناسب هذه الغوايات بين دفتيها. وتنمو الأسئلة وتكبر في روح شاعرة مسكونة بالطفولة والحنين والأحلام، أسئلة الوطن، وطن الشاعرة الخاص الذي تنتمي إليه ولاتفصح عنه إلا ضمن حدود غربتها الروحية وخيبات العمر أو انتصاراته، فالحياة التي تصفها وتقول: “الحياة أشبه بمسبحة انقطعت وتناثرت حباتها كل في اتجاه”، هي التي تولد الأسئلة المجنونة أو الحكيمة أو التي يتصورها الشعر دون سواه. وأيا كان فهي وقود وزوادة الشعر الخام ومعمله الأكثر جدارة وصداقة مع الشعر، وهي الحياة المعقودة بالأمل كلما ضاقت مساحة التنفس ذاك التي تقول عنه: “وإذا فقدت الأمل فقدت كل شيء”، ثم هو سؤال الوجود الأكبر الذي يذكرنا ببيت أبي العلاء المعري الشهير: “هذا جناة أبي علي وماجنيت على أحد”، حين نقرأ آنو السرحان: “ثلاثون عاما وأبي يدعي لي... حتى صرت مالا أريد”. وهي أسئلة الطريق وحيرة الدرب والخيارات ولغة البدائل، ففي خطوة نقرأ صوتها العميق: “عندما نكون أمام مفترق طرق علينا أن نحسن الاختيار وإلا دفعنا الثمن غاليا”، ندفع الثمن الذي تولد منه الجراحات والطعنات والنكسات والأخطاء، وهي مع كل هذا تقرأ عناوين الحياة الواسعة بطريقتها فتعبر عن السعادة في زمن مرير وصعب وحزين، لتقول: “السعادة: خرافة اخترعها التعساء” في قصيدة رائعة تحت عنوان “قلادة” بدأتها بمقولة تؤيد كل غواياتها للروائي باولو كويلو، ولعل ذلك ماجعلها تكتب بعد هذا النص مباشرة قصيدة “يقين الحزينة” والتي تقرأ الحياة بتأمل وتتنبأ مشوار الروح مع الموجودات، حيث جنازة الكائن التي تمشي خلفها كل الأشياء القريبة الحسية والمعنوية، حتى الضحكات والآمال وقصص الحب والندم كيقين لايقبل الشك، ولو في روح الشاعرة على الأقل. هذا النص ونصوص أخرى تدور في هذه الفضاءات لكن آنو السرحان لاتنسى في لحظتها الشعرية غواية النص وأشرعته تلك الغواية التي لاتنحصر في اللغة وصنع الدهشة بالمقاربات، بل هي تكتب تصوراتها الخاصة بلغة شعرية تملك زمامها، تلك التصورات التي لاتخلو من حزن وخسارات ومن حب وفرح وحرية وجدران ومساحات من ألوان الحياة التي تنعكس على أرواحنا، فتنكتب. “غواية” مجموعة شعرية مسكونة بالأسئلة بلغة بسيطة وقريبة وتبتعد بتقنيتها عن التشابه مع كتابات شعرية كثيرة في قصيدة النثر، بل تضع الشاعرة طريقتها لاختبار الأشياء وتجربتها في معمل اللغة ومن ثم كتابة الشعور الخام.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©