الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قصة الحي.. اليافاوي

قصة الحي.. اليافاوي
6 يوليو 2011 20:13
هما مخرجان عملا معاً لإنجاز هذا الفيلم وإخراجه: الأول يهودي إسرائيلي والثاني فلسطيني من الذين ظلوا في فلسطين ولم يغادروها في عام 1948 فحملوا الجنسية الإسرائيلية. اشتركا طيلة عشرة أعوام لإعداد وإنجاز فيلم مشترك. الأول اسمه يارون شانيYaron Chani وهو يهودي في السابعة والثلاثين، والثاني هو إسكنر قبطي وهو عربي وعمره 35 عاماً، وقد التقيا عام 2002 في مهرجان نظمه الأول وشارك فيه الثاني بشريط وثائقي قصير، وكان هذا اللقاء فرصة ليتفقا على إنجاز فيلم مشترك يخرجانه معاً، وفعلاً أنجزا ما اتفقا عليه فجاء شريطهما الطويل الأول “العجمي” الذي تحصل على جائزة “الكاميرا الذهبية” في مهرجان “كان” 2009، وحقّق الفيلم في “إسرائيل” نجاحاً وإقبالاً جماهيرياً كبيرين حسبما أفادت مختلف المصادر الإعلامية. جاء الفيلم Ajami أي العجمي، وهو اسم أشهر حي في “يافا” لا يزال الفلسطينيون يحكون عن أيامه ولياليه الماضيات، بين الوثائقي والروائي، وتم فيه تصوير شذرات من حياة الناس وعرض مشكلاتهم واهتماماتهم، وحسب الفيلم، فإن الحي يتعايش فيه المسلمون والمسيحيون واليهود، وهو يشبه الـ”غيتو” ويقع على بعد كيلومترات قليلة من مدينة “تل أبيب”، والحي يعج بالناس العاديين وبالمجرمين أيضاً وبالعصابات التي تشبه في أساليب عملياتها عصابات “المافيا” ويضم شرائح اجتماعية مختلفة، من مروّجي وبائعي المخدرات، كما يسكن الحي أيضاً أشخاص محترمون. البحث عن منتج لم تجد فكرة الفيلم في البداية منتجاً يقبل ويغامر بوضع أمواله في شريط من نوع مختلف عن المعتاد، إلا أن منتجاً ألمانياً وآخر من “إسرائيل” قبلا في نهاية الأمر تمويل المشروع السينمائي واقتنعا به بعد أن شاهدا حوالي أربعين دقيقة من صور خام للقطات من الفيلم، والحصيلة النهائية كانت 80 ساعة كاملة من التصوير، لذلك فإن عملية التركيب “المونتاج” كانت طويلة وتطلبت أكثر من عام. لا يوجد ممثلون محترفون في هذا الفيلم، فالكل يعيش دوره الحقيقي في الحي، فالشرطي الإسرائيلي الذي يظهر في الفيلم مثلاً هو فعلاً شرطي في الحي، والعائلة الّتي تظهر في الشريط والتي ينتمي إليها أحد أهم شخصيات الفيلم، هي أيضا عائلة حقيقيّة. ويتواصل عرض الفيلم في نسخته النهائية ساعة و58 دقيقة، ويروي قصة نصري وعمره 13 عاماً وأخوه الأكبر عمر، وهما يعيشان في خوف خشية من اغتيالهما من فلسطينيين ينتمون إلى عائلة أخرى نتيجة ثأر، ومن لا يعرف تقاليد الفلسطينيين في هذا الحي الشعبي يستغرب من حديث عن الفدية واحتكام إلى قاض بشكل تقليدي في مجتمع تغلب عليه البداوة في هذا الجانب على الأقل. ورغم أن الفيلم كان غارقاً في الواقعية السوداء حتى أنه يكاد يصنف على أنه فيلم وثائقي، إلا أنه لا يخلو من نفس تشويقي بوليسي، فهو من نوع الدراما الاجتماعية يصور عناء شريحة من الفلسطينيين وخاصة الشباب من مصاعب الحياة، ويتخلل الفيلم أغنيات فلسطينية شجية أضفت على الجو القاتم للأحداث الدرامية المتتالية مسحة من الشجن مثل أغنية تنساب من راديو سيارة “التاكسي” والتي تتحدث عن الحبيب الذي هاجر ولم يعد، كما يظهر الفيلم معاناة الفلسطينيين الذين يتحولون للعمل بدون ترخيص داخل إسرائيل وما يلاقون من عناء من الشرطة الإسرائيلية ومن استغلال أيضا من فلسطينيي الداخل الذين يظهرون استعلاء إزاء بني جلدتهم الوافدين من الضفة بحثا عن العمل. ويظهر الشريط سكان حي “العجمي” في يافا متضامنين أحياناً وفي أغلب الأحيان تغلب عليهم الأنانية ومراعاة كل فرد وكل أسرة لمصالحها الشخصية، والغريب أن المشاهد يلاحظ أن هذا الحي كأنه في “شيكاغو” لكثرة العصابات فيه وانتشار المخدرات وما يجري بين سكانه من صراع وتقاتل لأتفه الأسباب أحياناً. والفيلم يصور الواقع ويقدم حقائق مع مسحة من الخيال، ويبدو الفارق بين الحقيقة والخيال واضح جلي أحيانا وفي مشاهد أخرى يبدو الفارق ضئيلا، وهذا الاختيار مقصود والجو الغالب هو العنف بين الفلسطينيين أنفسهم وبين الفلسطينيين والإسرائيليين، والعلاقات هي في أكثر المشاهد هي علاقات عدوانية، ومما زاد المشاهد تأثيراً أن أغلب الممثلين هم أناس عاديون تمرنوا وتدربوا على امتداد أشهر على تجسيد أدوارهم في الفيلم والتي هي مطابقة لأدوارهم في الحياة اليومية. ولكن اللافت أن الشرطة الإسرائيلية في هذا الشريط لا تبدو كما هي وكما يعرف الجميع، بل إنها تظهر مدافعة على القانون بتحضر، ولكن في جانب آخر فالشريط يظهر أن الشباب الفلسطيني من سكان الداخل لم يندمجوا في المجتمع الإسرائيلي ولم ينصهروا فيه فهم وحتى وإن رغبوا في ذلك فهم مرفوضون ومنبوذون. ثلاث قصص في الشريط ثلاث قصص تتقاطع وكلها تنتهي بمأساة، وتدور كل قصة حول شخصية محورية. القصة الأولى بطلها عمر وهو من فلسطينيي الداخل يعيش في إسرائيل ويحمل جنسيتها، وهو كما يبدو من خلال أحداث الشريط يسعى إلى النجاة بجلده من ثأر قديم إثر اعتداء عمه على بدوي فلسطيني من قبيلة أخرى ويلجأ هذا الشاب للعمل في مطعم عند “ابو الياس”، وهو كما يبدو من الأعيان المسموع صوتهم. أما القصة الثانية فبطلها مالك، وهو صديق لعمر، وهو أيضاً يعمل في مطعم “ابو الياس”، ويشتغل لجمع المبلغ المالي الضروري لتكاليف عملية لزرع النخاع الشوكي لأمه المريضة والتي تعالج في إسرائيل. أما القصة الثالثة، فالشخصية المحورية فيها هي لـ”دادو”، وهو شرطي إسرائيلي يكن كرهاً شديداً للفلسطينيين بعد أن فقد شقيق له على يد الفلسطينيين، وإلى جانب هذه الشخصيات المحورية تظهر خلال الفيلم شخصيات ثانوية أخرى كثيرة. ورغم إعجاب النقاد في الغرب بهذا الفيلم وقد أجمعوا على مدح المخرجين الاثنين والإشادة بالقصة والمناخ والأحداث، فإن النقاد العرب انقسموا في تقييمه بين مادح وقادح وفق معايير فنية وأخرى سياسية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©