الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سياسة مصر الخارجية... تغيّرٌ في المظهر وليس الجوهر!

سياسة مصر الخارجية... تغيّرٌ في المظهر وليس الجوهر!
2 يوليو 2012
من المحتمل أن تتغير السياسة الخارجية لمصر تحت حكم أول رئيس إسلامي، من حيث المعنى العام، لكن ليس من حيث الجوهر، في المدى القصير على الأقل، وذلك على اعتبار أن الحكومة الجديدة لا تملك ترف توتير العلاقات مع الولايات المتحدة أو المجازفة بمواجهة ضجة دولية عبر التخلي عن اتفاقية السلام لعام 1979 التي تجمعها بإسرائيل. فالرئيس محمد مرسي يواجه أزمات اجتماعية ومالية داخلية، من المتوقع أن تغطي على الشؤون الخارجية في القادم من الشهور. لذلك، فإن الخطاب ضد إسرائيل والولايات المتحدة، قد يصبح حاداً، لكن مرسي، والذي ترشح باسم "الإخوان المسلمين"، في حاجة ماسة إلى استثمارات غربية وإقليمية من أجل التخفيف من حالة الاضطراب الاقتصادي التي تعم أكبر دولة في العالم العربي من حيث السكان. كما أن الرئيس الجديد، الذي أدى اليمين الدستورية يوم السبت، سيكون مقيداً بالجيش العلماني للبلاد، والذي يتلقى 1?3 مليار دولار سنوياً من المساعدات الأميركية. فمنذ أيام قليلة قبل انتخاب مرسي، قام الجنرالات الذين تولوا إدارة البلاد منذ إسقاط حسني مبارك في أوائل العام الماضي، بكبح سلطات الرئيس من أجل التصدي للنفوذ المتزايد للإسلاميين المحافظين. وفي هذا الإطار، يقول عماد جاد، الخبير في الشؤون الخارجية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة: "لن يكون ثمة تغيير في اتفاقية السلام مع إسرائيل، والعلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة ستستمر"، مضيفاً: "بل إن مرسي سيحسن العلاقات مع الولايات المتحدة، لأن برنامج الإخوان المسلمين يقوم على الأسواق الحرة، وهو ليبرالي في ما يتعلق بالاقتصاد". ومع ذلك، فإن الرئيس الجديد أوضح أن مقاربته تجاه الإسرائيليين ستكون أقل خضوعاً وإذعاناً من تلك التي كانت قائمة خلال حكم مبارك الذي دام ثلاثين عاماً. وفي هذا السياق، قال مرسي لقناة تلفزيونية مصرية مؤخراً: "إن اتفاقية السلام التي بيننا وبين الإسرائيليين كانت تتعرض للانتهاك بشكل مستمر من قبل الإسرائيليين"، مضيفاً القول: "يجب أن يفهموا أن السلام ليس مجرد كلمات، بل أفعال على الأرض. إن الاعتداء على الحدود المصرية، وعنفهم ضد الجنود المصريين، والتهديدات التي يطرحونها أحياناً على مصر... كلها أمور غير مقبولة. وعليهم أن يكفّوا عن الاعتقاد بأن الرئيس المصري سيتراجع". البعض يعتبر صعود مرسي مؤشراً على إسلام سياسي قوي ستكون له عواقب على العلاقات مع القوى الخارجية، غير أنه من غير الواضح في الوقت الراهن ما إن كان مرسي و"الإخوان المسلمون" سيعكسان السياسات الجريئة دبلوماسياً والمعتدلة دينياً لتركيا، أم إسلاماً أكثر تزمتاً ومعاداةً للغرب. وتعليقاً على هذا الموضوع، يقول روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "بالنسبة للولايات المتحدة، يُبرز انتخاب مرسي، إضافة إلى قتل بن لادن قبل عام، تحولاً من تهديد التطرف الإسلامي العنيف إلى تحد جديد أكثر تعقيداً يطرحه تمكين شكل من الراديكالية الإسلامية التي تعتبر غير عنيفة حالياً، لكنها ليست أقل طموحاً". مرسي سيواجه أيضاً حساسيات جيرانه العرب. فقد وعد باستعادة دور مصر الإقليمي، بعد سنوات من التراجع في عهد مبارك، وهو ما يُنظر إليه بنوع من القلق من قبل بعض الدول التي كانت حليفاً لمبارك، ودول أخرى صعدت مكانتها الدولية من حيث التعاملات والعلاقات المحورية مع لبنان وسوريا وإيران، بينما تراجعت مكانة القاهرة. وفي هذا الإطار، يقول مايكل وحيد حنا، الخبير في الشرق الأوسط وزميل مؤسسة "سنتري فاونديشن"، وهي مركز أبحاث مستقل: "إن من شأن إعادة التوازن للنظام السياسي وصعود مصر، أن يكون لهما تأثير كبير جداً على الدينامية السياسية الإقليمية، لكننا بعيدون جداً عن ذلك"، مضيفاً: "كما أن من شأن مصر أكثر قوة واستقلالية أن تكون على مسار يتوازن ويتصادم مع قوى إقليمية أخرى". النشطاء المصريون لا ينظرون إلى مرسي على أنه يجسد مُثل الثورة التي أطاحت بمبارك؛ لكنه بالنسبة لبعض الحكومات يمثل شعبوية إسلامية خطيرة يمكن أن تكون ملهماً في عصر الانتفاضات التي تجتاح الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لذلك، فإن بعض المحللين يتوقعون إمكانية قيام بعض الدول بتقليص قروضها المحتملة إلى مصر، إلى أن تشعر بالراحة حيال سياسات الرئيس الجديد. انتخاب مرسي، وهو مهندس درس في الولايات المتحدة، يعكس واقعاً مفاده أن منطقة الشرق الأوسط تمر بحالة جلبة واضطراب تمت فيها تنحية الحكام السلطويين الذين دعموا في الماضي السياسات الأميركية والإسرائيلية. ويرى بعض المحللين أن مثل هذا الجو غير المتوقع يجعل الوقت مواتياً لكي تدفع إسرائيل بقوة في اتجاه سلام في الشرق الأوسط. وفي هذا الإطار، يقول يسرائيل حسون، وهو مشرّع إسرائيلي ونائب سابق لمدير وكالة الأمن الداخلي الإسرائيلية: "إن النوافذ بدأت تغلق، وهذا هو الوقت لتحرك سريع"، مضيفاً: "إن إسرائيل متأخرة بثلاث سنوات أصلاً في طرح مبادرة سلام، وهذا هو الوقت المناسب للتحرك". غير أن مشكلةً كبيرةً بالنسبة للقاهرة وإسرائيل معاً هي ازدياد حالة الفوضى وانعدام القانون، ووجود المقاتلين الإسلاميين في شبه جزيرة سيناء المصرية، حيث أضحت الصحراء التي تحد قطاع غزة أكثر خطورةً منذ سقوط مبارك، وإسرائيل تضغط على مصر من أجل قمع شبكات المقاتلين التي تشن هجمات بالقذائف وغارات عابرة للحدود. وفي هذا السياق، يقول بنيامين بن أليعازر، وهو برلماني إسرائيلي ووزير دفاع سابق: "أعتقد أن اتفاقية السلام ستستمر، رغم أنه سيكون بدون شك سلاماً أكثر برودة"، مضيفاً: "آمل أن يقوم مرسي بتمكين الجيش من مواصلة الحوار مع إسرائيل لأن لدينا تخوفاً مشتركاً واحداً على الأقل، يمكن أن يشعل المنطقة، ألا وهو سيناء التي أصبحت مأوى للإرهاب عبر العالم، من القاعدة إلى حماس". ومن جانبها فإن حركة "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة، احتفلت بانتخاب مرسي. ذلك أن "الإخوان المسلمين" لديهم علاقات قوية بـ"حماس"، وقد سبق لمرسي أن انتقد إسرائيل خلال الأشهر الأخيرة بسبب ما قال إنه عنف ضد الفلسطينيين وموقف متصلب بخصوص التوصل إلى اتفاق حول دولة فلسطينية. وهذه المشاعر التي تعكس قلق مصر بشأن اتفاقيتها مع إسرائيل يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى إعادة تقييم للاتفاقية أو انهيارها. فقد قال مرسي مشيراً إلى إسرائيل: "إننا 90 مليون نسمة. ومن غير الممكن لبلد من 5 ملايين نسمة أن يقوم بترهيب 90 مليون نسمة". وفي هذا الإطار، كتب أليكس فيشمان، وهو محلل عسكري، في صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، قائلاً إن مصر لم تتحول إلى "دولة عدوة تهدد حدود إسرائيل، غير أنه على المؤسسة العسكرية والاستخباراتية مع ذلك أن تنظر إلى الصديق القديم كبلد ينبغي إعادة دراسته، وعليها أن تستعد وفقاً لذلك". الدبلوماسيون الأميركيون يلتقون مع مسؤولي "الإخوان المسلمين" منذ شهور. وهناك تفاهم متزايد بين الجانبين، لكن الطبيعة الانعزالية لـ"الإخوان" تجعل من الصعب قراءة النيات الإقليمية لمصر في ما عدا مصالحها الاقتصادية. فهل ستقوم مصر، على سبيل المثال، بمساعدة فصيل "الإخوان المسلمين" الذي يقاتل نظام الرئيس السوري بشار الأسد؟ وهل ستوقف سنوات من سياسة مبارك عبر السعي إلى تطبيع العلاقات مع إيران؟ هذان السؤالان، وأسئلة أخرى كثيرة، يطبعان منطقة في حالة تحول مستمر، وسيحددان ما إن كانت مصر ستستعيد صوتها المؤثر. والأرجح أن القاهرة ستصبح تدريجياً أقل تبعية للمخططات الأميركية، لكن مرسي سيكون محاطاً بجيش مصري مصطف مع واشنطن. ويمكن القول إن المعركة حول حجم السلطات التي سيتخلى عنها الجيش لمرسي هي التي ستحدد نوع الإسلام السياسي في مصر وسياسته الخارجية الأوسع. كما أن جزءاً كبيراً من الصراع ستحدده مدى براجماتية وصبر مرسي و"الإخوان المسلمين" في حساب وتقييم المصالح الدينية والسياسية. وفي هذا السياق، يقول "حنا"، مشيراً إلى قبضة الجيش المحكمة: "إن دينامية السلطة الآن ليست لصالح رئيس مدني، خاصة في ما يتعلق بالسياسة الخارجية". جيفري فليشمان القاهرة ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©