الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«المالِدْ».. نشيد النقاوة

«المالِدْ».. نشيد النقاوة
14 ديسمبر 2016 20:17
خالد البدور عرف أهل دولة الإمارات العربية المتحدة أشكالاً متعددة من الإنشاد الديني التقليدي الذي يُطلق عليه محلياً (المالَد)، والذي ارتبط بمناسبات دينية واجتماعية متصلة بنسيج التراث الثقافي العربي الإسلامي. لقد أتاحت جغرافيا الدولة لسكانها الاتصال المباشر بأكثر من جهة، ففي الجنوب اتصلت القبائل التي عاشت في الصحراء بوشائج القربى والتحالفات القبلية، مع عمقها في الجزيرة العربية واليمن، أدى هذا التواصل إلى ولادة أشكال متعددة من الموروث الشفاهي الغنائي المرتبط بفنون غناء الشعر، خصوصاً الغناء البدوي، كما وجدنا أشكال الأداء الراقص في فنون مثل الحربية والعيّالة والرزفة. من جهة أخرى كانت الشواطئ الممتدة للإمارات بوابة لدخول العديد من الفنون من خلال الامتداد الجغرافي العربي باتجاه العراق وبلاد الشام، وهي الفنون ذات الجذور العربية. نظرة تاريخية لا يمكن تحديد التاريخ الذي استوطن فيه (المالد) أرض الإمارات. لقد وُلد فن الإنشاد الديني مع ظهور وانتشار الفرق الصوفية. تورِد المصادر أن الدولة الفاطمية قد شجَّعت الاحتفال بالمولد النبوي والذي كانت تصاحبه الأناشيد والأغاني الدينية، ويعود في تشجيعهم الاحتفاء بالمولد النبوي إلى الرغبة في بث الحماس للدفاع عن الإسلام والمسلمين ضد الهجمة التترية، التي كانت تجتاح بلاد فارس والعراق. مع بروز الفِرق الصوفية في العراق وبلاد الشام منذ القرنين التاسع والعاشر الميلاديين ظهر إنشاد القصائد الصوفية والمدائح النبوية، والتي تتغنى بحب النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) كقصائد ابن الفارض وحسان بن ثابت وغيرهما. ومع انتشار الفرق الصوفية في بقية الدول الإسلامية وجدنا الإنشاد الصوفي يظهر كذلك على شواطئ الخليج على يد المشايخ والمنشدين. خلال هذا البحث لم نتمكن من العثور على أي وثيقة مدونة عن تاريخ الاستيطان الأول لـ(المالد) في الدولة. لهذا قمنا بسؤال مؤدي «المالد» في الإمارات عن تاريخه، وقد وجدناهم يجمعون على أنهم وجدوه يمارس قبلهم من قِبل المشايخ و«النظّيمه» (مشتقة من «النظّيم» وهو المنشد في المالد) وأنهم تعلّموا منهم، وواصلوا الأداء كما شاهدوه وخبِروه. حين نذهب للتعرف إلى ما يشبه هذا الأداء في الدول المجاورة نجد أن العمق الجغرافي الشرقي لدولة لإمارات يتصل بسلطنة عمان. وقد مارس أهالي منطقة ساحل (الباطنة) المحاذية لدولة الإمارات ألواناً عدة من الإنشاد في مناسباتهم دينية، ونجد تقارباً في هذا النوع بين عمان والإمارات. إلا أننا نجد كذلك اختلافات في ألحان وأسلوب أداء (مالد السِّماع) الذي يؤدَّى في الإمارات، خصوصاً التي تقع على ساحل الخليج، وعمان. ويمكن القول إن (مالد السِّماع) في الإمارات وُلد من تمازج أكثر من شكل ومن تراكم خبرات المؤدين إليه محلياً مع مَن جاورهم من المناطق الأخرى قبل ظهور الحدود السيادية بين دول الخليج. مع مرور الزمن تكوّنَ أسلوب مميز في ألحان وأشكال الأداء الجسدي لـ(مالد السِّماع) في الإمارات بحيث لا نجد له شبيهاً في الدول المجاورة. مع الإقرار بأن من يؤدّي «المالد» في دول الخليج العربية والإمارات وعمان على وجه الخصوص تربطهم صلات دائمة، وعلاقات أتاحت التشابه الواضح في أسلوب الأداء. جذور الإنشاد الديني وُجدت الأناشيد الدينية في حواضر المدن العربية والإسلامية، مع بروز الفرق الصوفية في العراق وبلاد الشام ولدى دولة الفاطميين في مصر. ويمكن الإشارة إلى أن جذور أداء الإنشاد الديني تعود إلى (السَّماع) أو (السَّماعي) وهو إنشاد عرفه المنشدون خصوصاً المتصوفة منهم. وقد عرف العرب والمسلمون هذا الإنشاد منذ ظهور الفرق الصوفية في القرن التاسع الميلادي. وظهر ما سمِّي بـ(سماعي الوجد) لدى متصوفة الشام والعراق وتركيا وإيران والهند، وتتنوع طريقة أدائه تبعاً للإقليم واللغة التي يؤدى بها. ويعتبر تراث (السّماع) أحد أغنى جوانب التراث الموسيقي العربي القديم، فقد كتب عنه كبار العلماء والفلاسفة المسلمين مثل الكندي والغزالي والبسطامي وابن عربي. ونجد لأبي الفرج الأصبهاني صاحب الأغاني كتاباً كاملاً سماه (أدب السّماع). وقد وصل السماع أوجّه عند الشيخ جلال الدين الرومي الذي أوجد الإنشاد الصوفي أو (المولوية) في قونيه بتركيا، حيث يوجد ضريحه. وفي دول الخليج عُرفت أشكال الإنشاد الديني قديماً في المناطق الساحلية التي تكونت فيها البلدات أو المدن الصغيرة، لهذا فإن البدو الرُّحَّل في الإمارات لا يؤدون (المالَدْ) بل مارسه المشايخ من المتصوفين ورجال الدين والزّهاد الذي جاؤوا من مناطق متفرقة مثل العراق وفارس واليمن واستقروا في المناطق الساحلية. ومع الوقت بدأ أهل الإمارات يمارسون المالد وبرز فيهم رواد معروفون أضافوا الكثير من الألحان وأشكال الإنشاد. وبسبب إطلالة الإمارات على الخليج فقد تأثرت بأنواع الإنشاد الديني في العراق وفارس، كما أن العمق الجغرافي الشرقي للإمارات والمتصل بسلطنة عمان كان سبباً لاتصال مشايخ (المالَدْ) والمؤدين بعضهم ببعض. وقد كان أهالي عمان يمارسون ألواناً مختلفة من الإنشاد المرتبط بمناسبات دينية. إلا أننا وجدنا اختلافاً في ألحان وأسلوب أداء (مالد السِّماع) بين الإمارات وعمان. ويمكن القول إن (مالَد السِّماع) المؤدَّى في الإمارات وُلد من تمازج أكثر من لحن ومن تراكم خبرات المؤدين له محلياً، الأمر الذي يجعله مختلفاً ومتفرداً عن الأنواع الأخرى التي تؤدَّى في الدول المجاورة، مع الإقرار بأن مؤدي (المالَدْ) في دول الخليج العربية والإمارات وعمان على وجه الخصوص تربطهم وشائج قربى وعلاقات وتواصل دائم الأمر الذي أتاح تبادل وامتزاج أشكال الاحتفالات الدينية. أنواع المالد - النوع الأول: المالَد أو مالَد السِّماع سُمي هذا النوع بـ(المالَدْ) كما يطلق عليه (مالَد السِّماع) لأنهم يستخدمون فيه طبل (السِّماع) أو الدُّف. وكان يؤدى هذا النوع قديماً في ليالي الأعراس، ويقول أحد رواد (المالَدْ) إنه كان من النادر أن يقام حفل زواج في دبي دون إقامة (المالَدْ). ويعتبر تقديمه في العرس نوعاً من التبرك بذكر الله وشكره على تحقيق أمنية الزواج لأهل العرس. وهنا تظهر وظيفته الاجتماعية والروحية، حيث يؤدي إلى تقوية أواصر وروابط القربى وتقوية النسيج الاجتماعي. ويؤدَّى (المالَدْ) عادة في ليلة العرس بعد صلاة العشاء، ويمكن أن يستمر حتى ساعة متأخرة من الليل. ومن التقاليد أن يجلس العريس خلف (النَّظِيم) أو المُنشد. - طريقة أداء (المالَدْ): يجلس الرجال في صفين متقابلين وليس هناك عدد معين، وكلما زاد العدد كان ذلك أفضل. يجلس (النَّظيم) أو المنشد في منتصف الصف الأول، وهو قائد الأداء، وعادة ما يكون من المشايخ أو العلماء من ذوي الأصوات الرخيمة. ويجب أن يكون صاحب خبرة في الأداء، ويجيد إنشاد وحفظ القصائد أو المدائح النبوية عن ظهر قلب. يجلس بقرب (النَّظيم) صف من قارعي الدفوف. وفي المقابل، يجلس الصف الآخر ويطلق عليه صف (الرَّدّيدِه)، أو ما يمكن تسميتهم بالكورَس. ويمكن أن يكون النظّيم هو الشيخ المتصوف نفسه، ويمكن أن يكون أحد مريديه أو تلامذته. يتم أداء (المالَدْ) على شكل أجزاء تسمى (فصول). ويحتوي كل فصل على قصيدة مختارة لها لحن خاص بها، وعادة ما تكون من الشعر الصوفي، أو أبيات من البردة للبوصيري أو قصائد مدائح حسان بن ثابت في النبي (صلى الله عليه وسلم). ويُنشد (النظِّيم) أبياتاً من مطلع القصيدة على شكل موّال. ثم تُجلب الدفوف التي كانوا قد قاموا بتسخين جلودها على الجمر. بعدها يبدأ القرع على الدفوف، ويبدأ (النظِّيم) بإنشاد القصيدة، ثم يرد عليه الصف المقابل بالتهليل وذكر الصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم). يقوم صف (الرَّدّيدِه) بأداء عدة حركات جسدية، فيرفعون الجسد إلى الأعلى رافعين أياديهم وهم ينشدون على شكل آهات طويل (آآآآآه… الله، الله حي)، ثم يهبطون إلى الأسفل بما يشبه السجود، ثم يجلسون ويميلون إلى اليمين وإلى اليسار. في الكثير من الأحيان تتم البداية بقراءة أجزاء من سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) من كتاب (البرزنجي). وقبل نهاية القصيدة (الفصل) يُنشد (النظِّيم) ما يشبه الابتهال أو الموال، وفي هذا الجزء يعلو صوت الإيقاع ويتغير النغم. قصائد تُنشد في المالَد تؤدى في (المالَدْ) في الإمارات العديد من القصائد بألحان من مقامات موسيقية مختلفة ومن أشهرها: مرحبا بك يا محمد يا هلالٍ هلَّ في وادي قُبا (مقام رست). يا عُريب الحي زوروا، وطلع البدر علينا (مقام رست). شي لله يا سيد أحمد… شي لله يا ابن الرفاعي (مقام حجاز). يا رب صلّ وسلم على من حلَّ وادي قبا والثَنِيّة (مقام بيات). الوصف الموسيقي (النغمي) لـ«المالَدْ» يتركز الإنشاد على (النظّيم) أو المُنشد وهو القائد الذي يقوم بالإنشاد ويرد عليه كورس أو (ردِّيده). ويكون مستوى الأداء بلحن صوتي مفرد Heterophony. بمجرد دخول الإيقاع الصوتي من خلال الدفوف على اللحن الصوتي يصبح الصوت أكثر غلظة وكثافة، ويصبح الإيقاع أكثر تعقيداً. هنا تكون الآلة الإيقاعية مرافقة (للرَّديدة) أو للكورس. مستوى الأداء يكون بشكل مستمر بنفس التون ومتواصل Drone-and-Melody. وأهمية هذا النمط الأدائي تعكس أن ما يقوم به مؤدو (المالَدْ) هو أمر له قيمة اجتماعية أو روحية عالية. ويُظهر هذا أن المستمع بمجرد أن يستمع إلى (المالَدْ) يتأثر به، ويشعر بأهميته وتميّزه. من خلال استمرار اللحن نستطيع أن نلاحظ النغمة المنخفضة أوالعالية High or low Pitch كذلك فإن حركة الأداء بالجسد من خلال أصوات (آآآه…الله…هو) تشكل عنصراً مشاركاً في اللحن، وهي تتركز على أسلوب النداء والرد Call and Response وبالنسبة إلى (النظِّيم) فإن أهميته تكمن في أنه هو من يوصل معاني الكلمات والتي لها أهمية دينية قصوى في الفرقة ولدى الجمهور المستمع. النوع الثاني: (المَوْلِدْ) كما يطلق عليه كذلك (مولِد البُرْزَنْجي) أو (موِلد السِّيرَةْ)، ويشبه النوع الأول في بعض أجزائه، غير أنه يختلف في وظيفته وفي الحركات المؤداة والألحان. و(المولِد) لا يؤدى في الأعراس، بل يؤدى بشكل خاص للاحتفال بذكرى المولد النبوي وهو مناسبة دينية كانت مهمة في الماضي يحضرها عدد كبير من المؤدين والضيوف. كان الاحتفال الأصلي يستمر كل ليلة مدة ما يقارب الأسبوع واستمر هذا الحال حتى منتصف القرن العشرين. إلا أن عدد أيام الاحتفال بدأت تقل وأصبحت ثلاث ليالٍ. كما كان يؤدى في ليلة الإسراء والمعراج، وفي أيام تجمُّع مريدي الفرقة الصوفية، والتي تكون في الغالب في ليالي الخميس. نذكر هذا النوع من الأداء الموسيقي لأنه شبيه بـ(المالَدْ)، ومن يؤديه هم نفس المجموعة، ويقرؤون فيه سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) التي تتم قراءتها أحياناً في (المالَدْ). في احتفال (المَولِد)، الذي يستمر لعدة ساعات ويُختتم بعشاء لجميع المؤدين، تظهر بوضوح المؤثرات الصوفية. وفيه تُقرأ السيرة النبوية كاملة من كتاب (سيرة البُرزنجي) نسبة إلى مؤلفه جعفر السيد المدني البُرزنجي. وهو متصوف عاش في القرن العاشر الميلادي في بلدة تسمى (بُرزنج) في العراق. وينقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام: الأول على شكل نَظْم شعري، والثاني السيرة بأسلوب السجع أو الوزن، أما الثالث فيحتوي على بعض الأدعية. - تُقرأ في المولد السيرة نثراً: وهذا القسم عبارة عن ثمانية عشر جزءاً، كل جزء يتناول جانباً من حياة النبي (صلى الله عليه وسلم) بشكل تفصيلي، مثل مرحلة ما قبل الولادة، ثم كيف تمت الولادة، ومرحلة الطفولة والبلوغ، وعمله، ثم هبوط الوحي، إلى نهاية حياته، وتتضمن كذلك صفاته الجسمانية وطباعه وأخلاقه. وعادةً ما يبدأ الشيخ بقراءة فصل الافتتاح من كتاب (البُرزنجي) ثم فصلين آخرين، وفي فصل ولادة الرسول (صلى الله عليه وسلم) يقف الجميع وينشدون قائلين: يا نبي سلام عليك يا رسول سلام عليك يا حبيب سلام عليك صلوات الله عليك بعد الانتهاء من قراءة السِّيرة يستمر الاحتفال بأداء (فصول) باستخدام الدفوف تماماً كتلك التي تؤدَّى في النوع الأول. ويختتم (المولِد) بحلقة (الذِّكْر). وفيها يقف الجميع ويرددون: (الله…الله…الله)، وتبدأ أصواتهم بالارتفاع ويتسارع صوت إيقاع الدفوف. يستمر هذا الأداء حتى يصلوا إلى مرحلة بها نوع من الانتشاء Trance، وقد يصل بعضهم إلى حد الغياب التام عن الوعي، فيقومون بحركات لا إرادية. محاربة المالد مما يؤسف له أن تراث المالد والإنشاد الديني التقليدي قد تعرض ويتعرض إلى الإلغاء والتهميش من قبل تيارات الإسلام السياسي، ففي دول الخليج ومنذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، انتشرت الدعوات لمحاربة الاحتفالات الدينية والاحتفال بالمولد النبوي الذي يؤدَّى فيه المالد. وقد تمكن دعاة هذه التيارات من نشر رؤيتهم الضيقة والمتشددة ضد كل مظاهر الفنون والإبداع. تعريف المالد هو احتفال شعبي تقليدي يؤدى في مناسبات ذكرى المولد النبوي، كما يؤدى في ليالي الأعراس، بالإضافة إلى الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، وليلة النصف من شعبان، وفي النذر، أي حين يقرر شخص أن (ينذر) بإقامته في حال شفي من مرض ما أو رزق بطفل أو تحققت له أمنية ما في حياته. كما يمكن أن يقام بلا مناسبة معينة، وإنما كنوع من التبرك به والشكر لله والمدح للرسول الكريم. مساهمة الإمارات في إحياء تراث المالد ساهمت دولة الإمارات منذ قيامها وبتوجيهات من المغفور له الشيخ زايد، رحمه الله، بدعم وتشجيع فرق الفنون الشعبية ومن ضمنها فرق المالد. ولأن تراث المالد موروث يصب في جوهره في نشر مفاهيم التسامح والمحبة، فإننا نجد مشاركة جميع الطوائف والمذاهب على اختلاف أنواعها في أدائه. وقد حرصت الدولة على إحياء ذكرى المولد النبوي والمناسبات الدينية الأخرى. ورغبة من المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، في نشر المالد، فقد أمر المسؤولين في وزارة الإعلام ومنذ تأسيسها بالاهتمام بفرق المالد في جمعيات الفنون الشعبية، كما أمر أن يقوم تلفزيون أبوظبي بتسجيل حفلات المالد وبثها بشكل مستمر على شاشة التلفزيون حتى يتم إيصالها إلى أكبر عدد من المشاهدين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©