الأربعاء 8 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«تخت شرقي» فاجأ الجميع وحرك مياهاً راكدة

«تخت شرقي» فاجأ الجميع وحرك مياهاً راكدة
3 أكتوبر 2010 20:34
بلغة إخراجية قريبة من السينما، خاضت المخرجة رشا شربتجي مغامرتها الجريئة فنياً واجتماعياً في مسلسل (تخت شرقي) الذي عرضه تلفزيون أبوظبي وقنوات أخرى، وكان عنوان المسلسل بحد ذاته قد بدا ملتبساً ومفخخاً بالمفاجآت، فالتخت موسيقياً يعني الفرقة الموسيقية الشرقية، والتخت أيضاً يعني عند العامة (السرير)، وهو ما يشير مباشرة إلى (الجنس)، وهذه كانت أول إشارة إلى أن هذا العمل اخترق المحظورات والموضوعات المسكوت عنها، ليطرحها على السطح وبعمق لكي يتداولها المشاهدون، ويتناقشوا حولها بينهم وبين أنفسهم، دون أي خدش للحياء. وبعد انتهاء عرض هذا المسلسل المثير والبالغ الجرأة نسبياً، تعددت آراء النقاد في النظر إليه، باعتباره يكسر الحواجز بين الشاشة الصغيرة ومناقشة المحظورات، فهو يتضمن جرعات كبيرة من المكاشفة والمصارحة الذاتية التي يصر المجتمع على إبقائها ضمن الغرف المغلقة سرية وطي الكتمان، رغم أنها تشكل جزءاً مهماً من حياتنا المعاشة. وقد حل المسلسل ثالثاً بين أهم وأكثر الأعمال مشاهدة خلال موسم عروض رمضان الكريم، وذلك حسب عدد من الاستفتاءات التي أجرتها وسائل إعلام سورية محلية. آراء وتحليلات يمكن القول إن مسلسل (تخت شرقي) هو العمل الذي فاجأ الجميع، وحرّك مياهاً راكدة، وأبرز إلى السطح العديد من المسائل الذاتية وعلاقات البشر ببعضهم بعضاً، وحالة الإحباط والحزن واليأس التي تعيشها نماذج شبابية في مجتمعاتنا العربية الشرقية. لا توجد قصة كلاسيكية مما نعرفه في العمل، فهو يجمع تفاصيل الحياة اليومية وجزئياتها في لوحات تعبّر عنّا، من خلال رواية حياة أربعة شباب تربطهم صداقات منذ أيام الطفولة والدراسة، وهؤلاء الشباب كبروا واستمروا في صداقتهم، وهم يجتمعون كل خميس ليلعبوا (الورق)، ورغم الاختلاف الظاهر بين شخصية كل منهم وشخصية الآخر، إلا أنهم متشابهون إلى حد كبير. وهكذا ينطلق المسلسل ليدخل في تفاصيل عوالم هؤلاء الشبان وسواهم من الشخصيات، ليتناول أموراً شتى في الحياة نمارسها دون وعي منا، كالتمييز الطائفي أو التمييز ضد مناطق معينة، ونظرة المجتمعات العربية إلى بعضها، والعنصرية التي يمارسها المجتمع الشرقي إزاء ذوي البشرة السوداء. ولا يمكن حصر أو تلخيص الموضوعات التي يثيرها هذا المسلسل، لأنه ـ وكما تقول مخرجته رشا شربتجي ـ عمل فوضوي، يتحمل الفوضى ابتداء من النص إلى التناقضات بين الشخصيات، فهو يلامس الواقع بشكل مباشر من خلال شخصيات كثيرة تتحاور أمام الكاميرا بلغة لم تألفها المسلسلات التلفزيونية، ليناقش وبجرأة مسائل حياتية مسكوت عنها!. لقد تم إطلاق العنان للشخصيات لكي تقول ما تشاء ولكي تبوح بما ترغب به سواء أكان ذلك تعبيراً عن الكبت أو الإحباط أو الانفلات، حيث تدعو كاتبة العمل يم مشهدي إلى التمرد والخروج من قوقعة التزمت وطرح ما نعيشه للنقاش علناً. أما رشا شربتجي، فتطلق صرخة أخرى، حيث تقول متحدية: يجب ألا نخجل مما فينا، وأن تتصدى الدراما لمناقشته. ومن خلال هذه الصرخة، تمرر رشا وشريكتها يم أفكاراً حول الحب والزواج والجنس والسياسة والكراهية والعنصرية والتفاوت غير المبرر بين الناس، وتثيران مشكلات سن اليأس عند الإناث والذكور، والعلاقة الزوجية دون إنجاب، والصبايا (العانسات) اللواتي يسعين للزواج بكل وسيلة، وكذلك مسألة العجز الجنسي والعقم وحالات انفصام الشخصية عند الشرقي عندما يتعامل مع المرأة. في هذه الأجواء، لم يكن مفاجئاً أن تقول واحدة من بطلات العمل إنها ليست عذراء قبل أن تتزوج، ولم يكن مفاجئاً أن تقدم لنا رشا صورة الحبيبين في السرير، وإن كانت قد غطتهما كاملاً بملاءة أظهرت حركاتهما دون أن تظهرهما عاريين!. الحوار والتجريب اعتبر النقاد أن الحوار هو سيد العمل، وفي الواقع، فإن الحوار في (تخت شرقي) احتل مكان الصدارة، وهو يطرح أسئلة مثيرة إلى أبعد الحدود، ومن خلال ما تنطقه الشخصيات تتراكم الجمل والمعاني لتحول المشاهدة إلى قدر أكبر من المتعة والتأمل. لقد قدم العمل جرعات كبيرة من المكاشفة والصراحة الذاتية التي يحرص البعض على الاحتفاظ بها سراً تحت مسميات العيب والحرام والعادات والتقاليد. ويسجل لرشا شربتجي أنها ركبت المغامرة، عندما قدمت عملاً لا يستند إلى (حكاية واحدة) أو (حبكة) مما ألفناه في المسلسلات العربية، لكنها التفّت على ذلك بأساليب تجريبية وبأسلوب إخراجي مختلف، جعلت الحوارات تحل مكان الحكاية، وكأنها تقدم لنا الحياة مباشرة، لتكسر الحواجز التي تختبئ وراءها أسرار كثيرة، وتضعها تحت المجهر، وكأنها تقدم لنا شريط فيديو مسجلا مباشرة من الواقع. وتشرح رشا أسلوبها الفني في (تخت شرقي) فتقول إنها ركزت على نقلات الكاميرا وإحساس الممثل وطريقة التقطيع وايقاع العمل والموسيقا، وتضيف بأن الكاميرا تحقق قرباً دائماً من وجه الممثل لتوضح ردود فعله، فالمسلسل واقعي ومباشر، لذا رأت أنه من المناسب استخدام طريقة إخراجية مختلفة تناسب الموضوع، مشيرة إلى أنها جعلت الأولوية للنص، وأنه تم طرح أفكار وآراء دخل الممثل في سياقها. مع وضد وقد أثار العمل ردود فعل متباينة بين المشاهدين حول الجرأة التي قدمها، فأيده البعض بشدة وتحفظ عليه آخرون، فجيل الشباب بغالبيته يقف مع الجرأة والصراحة، أما الجيل الأكبر قليلاً فإنه يَقبل ولكن بتحفظ، وعلى سبيل المثال، فإن أيمن محمد (جامعي 23 عاماً) يقول: ما الذي يمنعنا من أن نكون جريئين، إذا كنا نتحدث عن واقع نعيشه؟! أما هزار إبراهيم (26 عاماً جامعية متزوجة)، فتقول: أنا مع جرأة رشا شربتجي ويم مشهدي في (تخت شرقي)، وإذا نظر كل واحد منا إلى نفسه، فسيجدها في هذا العمل، والشعوب التي تريد أن تتقدم لا تخفي عيوبها، بل تطرحها وتناقشها. ويقول محمد سليم (30 عاماً متزوج): أنا لا أعترض على جرأة العمل، لأنه يقول الحقيقة، لكن أعتقد أن عرضه في أيام الصيام ربما لم يكن مناسباً من ناحية التوقيت. الضحك أولاً وأخيراً الضحك كان وسيلة تعبير صارخة ومكثفة في (تخت شرقي) للتعبير عن مشاعر الشخصيات، فها هي (غريتا) تطلق ضحكة مجلجلة، لتعقبها صرخة يارا صبري، وهي تضحك لتختزل خيباتها المتلاحقة في الدراسة والحب والعنوسة. ودون شك فإن رشا شربتجي، وبعد انتهاء عرض العمل تطلق الآن ضحكة قوية لتعقبها ضحكة يم مشهدي كاتبة العمل، فقد نجحت الاثنتان في ركوب المغامرة، وشق طريق الجرأة في الدراما السورية الاجتماعية المعاصرة.
المصدر: دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©