الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«قوم سبأ» هدم حضارتهم فأر وأغرقهم السيل

21 يوليو 2014 23:25
أنزل الله القرآن هدى للناس، وقص فيه القصص والأخبار، للعظة والتذكرة والاعتبار، ومما قص من أخبار السابقين، قصة قوم سبأ، وسميت السورة باسمهم، لعظيم ما في قصتهم، وبداياتها فيها بيان ربوبية الله تعالى، وقدرته، وألوهيته. ورد ذكر القصة في قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ، فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ، ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ، وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ، فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)، «سورة سبأ: الآيات 15-19». قال ابن إسحاق، إنه سبأ عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان، أول من سبى من العرب فسمي سبأ لذلك، تنسب إليه قبائل مذحج، وكندة، والأزد، والأشعريون، وأنمار، وحمير، وفلخم، وجذام، وعاملة، وغسان. وذكر غير واحد من علماء السلف والخلف من المفسرين، أنه كانت المياه تجري من بين جبلين فعمدوا في قديم الزمان فسدوا ما بينهما ببناء محكم جداً هو سد مأرب، حتى ارتفع الماء فحكم على أعالي الجبلين، وغرسوا فيهما البساتين والأشجار المثمرة الأنيقة، وزرعوا الزروع الكثيرة، ويقال كان أول من بناه سبأ بن يعرب وسلط إليه سبعين وادياً يفد إليه وجعل له ثلاثين فرضة يخرج منها الماء، ومات ولم يكمل بناءه فكملته حمير بعده، وكان اتساعه فرسخا في فرسخ وكانوا في غبطة عظيمة وعيش رغيد وأيام طيبة، أنعم عليهم بالخيرات، ورزقهم من الطيبات حتى شبعوا، ولكن آل سبأ بطروا وكفروا، فكانت أمة كفورة. إن سبأً قوم اكتملت نعمهم، ودفعت النقم عنهم، وكفوا مؤونة الطعام والشراب، فأرزاقهم حاضرة، وأرضهم مخضرة، وسماؤهم ممطرة، وثمارهم يانعة، وضروعهم دارة، تحيط بمساكنهم الأشجار والثمار، وتملأ جنبتي بلادهم، فلا يسيرون إلا في خضرة من الأرض، ولا يأكلون إلا أطيب الطعام والثمار، يشربون من الماء أعذبه، وذكروا أنه لم يكن في بلادهم شيء من البراغيث ولا الدواب الموذية لصحة هوائهم وطيب فنائهم. أمن وطمأنينة كان من عظيم ما أنعم الله به عليهم أنهم كفوا مئونة السفر ومشقته، ورفِع عنهم عنت الطريق ولصوصه، فارتاحوا في سفرهم وأمنوا، وسبب ذلك اتصال القرى بينهم وبين الأرض المباركة، فكانوا يسافرون من اليمن إلى الشام في أمن وطمأنينة، لا يحملون للسفر زاداً لوفرته، ولا يعدون له عدة، ويستريحون في القرى التي في طريقهم، وهي على مراحل لا تنقطع، فتمت نعم الله عليهم في بلادهم، ثم أكملها لهم في أسفارهم، وكان من أثر الرخاء والوفرة والمتاع الجميل، جنتان عن يمين وشمال فكانت آية تذكرهم بالمنعم الوهاب، وقد أمروا أن يستمتعوا برزق ربهم شاكرين له. الاستكبار، والإعراض ولم يطلب ربهم سبحانه منهم مقابل هذه النعم المتتابعة إلا شكره عليها، بإقامة دينه، وتحقيق توحيده، فوصفها بأنها بلدة طيبة، فكل شيء فيها طيب، فنالوا غاية ما يطلبه البشر في معايشهم، وقد عفا الله عنهم ما مضى من كفرهم وتجاوزهم، فلم يستأصلهم به، ودعاهم إلى شكره بتذكيرهم بمغفرته ورزقه، لكنهم قابلوا دعوة الله بالاستكبار، والإعراض وهو أشد أنواع الكفر، فاستحقوا العذاب والدمار، ففتح الله عليهم سدهم، ليغرق بلادهم، ويهلك حرثهم وأنعامهم، ويتلف أشجارهم وثمارهم، فأضحت بلادهم بعد الخضرة مغبرة مقفرة، وبعد السعة ضيقة، وذهبت نعمهم في لمح البصر. وبعث الله إليهم الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه ويشكروه بتوحيده وعبادته، فكانوا كذلك ما شاء الله، ثم أعرضوا، فعوقبوا بإرسال السيل والتفرق في البلاد، فلما عبدوا غير الله وبطروا نعمته وسألوا تقارب ما بين قراهم وطيب ما بينها من البساتين وأمن الطرقات، أن يباعد بين أسفارهم وأن يكون سفرهم في مشاق وتعب، طلبوا أن يستبدلوا الشر بالخير. غلبت على قوم سبأ الشقاوة فلم يتعظوا بالنذير الأول ولم يرجعوا إلى ربهم ويستغفروه بل دعوا دعوة الحمق والجهل، بطروا النعمة العظيمة، ودعوا بالمشقة والبعد، فسلبوا تلك النعم العظيمة والحسنات العميمة بتخريب البلاد والشتات على وجوه العباد. سيل العرم أرسل الله سبحانه وتعالي عليهم سيل العرم، بماء غزير شديد السرعة، فدمر السد، وخربت الزراعة في الجنتين من حوله، حتى تم استبدال أشجارها الغنية بثمارها بأشجار الأراك والأثل، وقليل من أشجار النبق أو الدوم، أرسل الله سبحانه - الفأر على أصل السد، فسقط وانهار، فقطعت الجداول والأنهار، وانقطعت الثمار، وبادت الزروع والأشجار، وتبدلوا بعدها برديء الأشجار والأثمار، ولما هلكت أموالهم وخربت بلادهم احتاجوا أن يرتحلوا منها وينتقلوا عنها فتفرقوا في البلاد، وجعل خبرهم أحاديث يتحدث بها الناس في مجالسهم، ويحكون ما جرى لهم، وضرب العرب المثل بتفرقهم وشتاتهم. وفي هذه القصة دليل على قدرة الله على تحويل النعم إلى نقم، وقلب المنح إلى محن، وتختم بتوجيه من الله لمن يقرأ هذا القرآن ويعتبر بما فيه من الأحكام والشرائع والأخبار، أن ما حدث آية وموعظة لكل صبار شكور، فيحذر من الجزع والكفر. (القاهرة - الاتحاد)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©