الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تآكل الثقة في المؤسسات

27 يناير 2018 00:16
في بحثي المعنون «صناعة الأفكار: كيف يحول المتشائمون والحزبيون، والبلوتوقراطيون سوق الأفكار»، رأيت أن تآكل الثقة في السلطة والخبرة، هو أحد محركات الحالة الراهنة التي تعاني منها «سوق الأفكار». فعندما لا يثق أحد في الخبراء أو النخب، يمكن للأفكار أن تظهر من دون حاجة إلى الكثير من «اختبارات الإجهاد»، لأنه لا أحد يصدق أو يثق في القائمين على إجراء مثل هذه الاختبارات، في الأساس. ومن بين المصادر التي اعتمدت عليها في إجراء بحثي، بارومتر ثقة مؤسسة إيدلمان. ومن المعروف أن مؤسسة إيدلمان، هي مؤسسة اتصالات تجري مسحاً سنوياً، تسأل فيه أفراد الجمهور في جميع أنحاء العالم، عما إذا كانوا يثقون في المؤسسات الرئيسية في مجتمعاتهم أم لا. والمؤسسة تختار عينات هذا البحث من أفراد ما يعرف بـ«الجمهور المستنير»، أي الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و64 عاماً، الذين تلقوا تعليماً جامعياً، وينتمون إلى شريحة الـ25 في المئة من العائلات الأعلى دخلاً في بلادهم، وهي الشريحة المتلقية عادة للكثير من الأخبار عبر ما ينشر في وسائل الإعلام. وفي التقرير المذكور يرسم الباحثان بالمؤسسة «ليزا روس» و«ستيفن كيهو» صورة مقلقة للغاية، حيث يقولان: «في عام شهد اضطرابات في الداخل والخارج، انهارت ثقة الجمهور العام في المؤسسات في الولايات المتحدة، وسجل الانخفاض الأكثر حدة، ودراماتيكية، في باروميتر الثقة، أكثر من أي وقت مضى». وأضاف الباحثان: «ليس من قبيل المبالغة القول إن الولايات المتحدة قد وصلت إلى نقطة الأزمة، التي يجب أن تحفز كل قائد في الحكومة، أو قطاع الأعمال، أو القطاع المدني، وتدفعه إلى العمل العاجل. إن استمرار سير الأمور بأسلوب القصور الذاتي لم يعد خياراً، وكذلك الصمت. إن ثقة الجمهور في البنى التقليدية للقيادة الأميركية تتقوض الآن تماماً ويحل محلها شعور قوي بالخوف، وعدم اليقين، وخيبة الأمل». «وكان تحطم الثقة بين أفراد الجمهور المستنير، هو الأكثر حدة، حيث تراجع منسوب الثقة على الباروميتر بمقدار 23 نقطة، مما أدى إلى هبوط ترتيب الولايات المتحدة في معدل الثقة من المركز السادس إلى المركز الأخير، من أصل 28 دولة شملها المسح». ويقول ريتشارد إيدلمان، الرئيس والمدير التنفيذي لمؤسسة إيدلمان: «إن الولايات المتحدة تواجه أزمة ثقة لم يسبق لها مثيل»، وهذه هي المرة الأولى التي لا يرتبط فيها حدوث انخفاض كبير في معدل الثقة بقضية اقتصادية ملحة، أو كارثة مثل كارثة فوكوشيما النووية في اليابان. والمفارقة الكبرى أن هذا الأمر يحدث في وقت ازدهار، تشهد فيه الولايات المتحدة معدلات مرتفعة بل قياسية في سوق الأوراق المالية، ومستويات التشغيل. والسبب الجذري لهذا الانهيار هو عدم وجود أهداف موضوعية وخطاب عقلاني». وقد حظيت نتائج مؤسسة إيدلمان بتغطية إعلامية كبيرة، لما تثيره من دواعي قلق شديد. وأنا في هذه الحالة، أتساءل عما إذا كان الهبوط الحاد في الثقة في الحكومة، هو نتيجة غير دقيقة ناتجة عن الكيفية التي جرى بها طرح السؤال في البحث وقد كان على النحو التالي: «فيما يلي قائمة بالمؤسسات، يرجى الإشارة إلى المؤسسة، التي تثق بأنها تفعل ما هو صواب» -وكانت إحدى المؤسسات المدرجة في القائمة هي «الحكومة». وفيما تبقى من عام 2018، سيفسر حزبيون مختلفون مفهوم «الحكومة» المعني هنا بتفسيرات مختلفة. فبالنسبة إلى أنصار ترامب، تحديداً، فالحكومة تعني البيروقراطية الدائمة. وإذا كان هناك شيء معين، اتفق المؤيدون لترامب على عدم الثقة فيه خلال العام الماضي، فهو ما وصفوه بـ«الدولة العميقة». وادعاءات التيار اليميني المتنوعة حول انتهاكات مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف. بي.آي»، ووزارة العدل، ساهمت في تغذية حال انعدام الثقة لدى أنصار ترامب. وكان الشيء اللافت للنظر هو أن هذه الادعاءات تأتي من القمة، حيث يغرد الرئيس دونالد ترامب، في أحيان كثيرة، حول ما يصفه بأفعال وممارسات خاطئة من قبل الموظفين الاتحاديين. وهذا يساعد على تفسير سبب عدم شعور المحافظين بالمزيد من الثقة في الحكومة، على رغم أن الحزب الجمهوري هو الذي يسيطر على فروعها الثلاثة، وحقيقة أن الحزب الذي يكون في السلطة عادة ما يكون أكثر ثقة في الحكومة. وبالنسبة لخصوم الحزب الجمهوري، فـ«الحكومة» في رأيهم تعني إدارة ترامب بالذات. وفي الحقيقة، أن ترامب نفسه قد أثبت أنه على غير توافق مع البيروقراطية. وليس هناك ما يدل على أن الأداء السلبي للفرع التنفيذي من الحكومة الأميركية سيشهد تراجعاً في أي وقت قريب، وهو أداء ساهم هو والتغطية الإعلامية له من قبل وسائل إعلام التيار الرئيسي، في زيادة نسب انخفاض عدم الثقة أكثر وأكثر. والشيء الذي يحرك الانخفاض في الثقة، في مسح مؤسسة إيدلمان، ليس حدوث المزيد من التآكل في الثقة في الحكومة، بقدر ما هو زيادة الاستقطاب السياسي، الذي يؤدي إلى تعريفات مختلفة لـ«الحكومة». وهذا هو الخبر السار. أما الخبر السيئ، فهو أن هذا الاستقطاب في حد ذاته يمثل مشكلة لا تقل استعصاءً، بالنسبة لسوق الأفكار. *أستاذ السياسة الدولية في كلية فليتشر بجامعة «تافتس» الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©